مبادرات وزارة الثقافة السعودية تعد دور النشر بمستقبل أفضل

يظهر استعراض المشروعات الخاصة بدور النشر المدعومة من الدول العربية أنها كانت داعمة لقطاع الكتاب والنشر في بلدانها؛ مثل الهيئة المصرية للكتاب والمركز القومي للترجمة والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت وهيئة أبوظبي للتراث والسياحة وغيرها، الأمر الذي يدفع إلى السؤال ناحية دور وزارة الثقافة السعودية الناشئة حيال مبادرات شبيهة بهذه الكيانات الثقافية القائمة بمشاريعها الثقافية منذ عقود لنتساءل مع مجموعة من الناشرين السعوديين عن مدى حضور وغياب النشر المدعوم عليهم وعلى مشاريعهم المستقبلية سلبا أو إيجابا.
تعمل وزارة الثقافة السعودية حاليا على مجموعة مبادرات خاصة بتدشين دور نشر رسمية تكون معنية بطباعة المنتج الأدبي والعلمي السعودي والعربي وحتى العالمي المترجم. وقد عيّن الصحافي سعد محارب المحارب رئيسا تنفيذيا للدار السعودية للنشر والتوزيع.
وفي صدد ذلك بيّن وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبدالله -في وقت سابق- أن دار النشر التي تعمل الوزارة على تأسيسها هي مشروع غير ربحي، وهو مشروع مسبوق محليا بتجارب عديدة مثل دارة الملك عبدالعزيز والعديد من الجهات الحكومية، مؤكدا على أن كل هذه التجارب لم تؤثر سلبا على الناشر في القطاع الخاص.
وأوضح الوزير أن المشروع يهدف إلى دعم الأضلاع الثلاثة للقطاع: القارئ والمؤلف والناشر، حيث أن الدار التي ستؤسسها الوزارة لن تدخل إلى السوق لتنافس، وإنما لتقودها إلى وضع أفضل مما يتوفر اليوم.
ولفتت الوزارة إلى أن الدار التي ستجمع بين النشر والتوزيع، هي إحدى أدواتها لتوسيع نطاق القراءة ودعم تنوع خيارات القارئ وتعزيز فرص المؤلف على المستويين الأدبي والمادي ورفع درجة انتشار إنتاج الناشرين وفق معادلة اقتصادية أفضل مما يتوفر لهم اليوم، فضلا عن جمعها بين الخطين التقليدي والحديث في نشر الكتاب السعودي ضمن أفق دولي.
في هذا الاستطلاع تتوقف “العرب” مع مجموعة من دور نشر سعودية لمعرفة رأيها في هذه المبادرة، وهل يرى أصحاب الدور أنها ستؤثر -سواء سلبا أو إيجابا- عليهم، وهل ستمنح الكاتب الحرية اللازمة للإبداع، أم أنها ستقيده ضمن أنظمتها التي ستنسجم بالضرورة مع استراتيجية المؤسسة الرسمية، حيث لا يمكن أن تكون داعمة لمنجز أدبي أو فكري غير مفسوح من قبل وزارة الإعلام.
نقطة دفع
يؤكد رئيس لجنة النشر والترجمة بدار مدارك الكاتب سالم محمد الصقور أن تأسيس دار نشر وتوزيع تقودها وزارة الثقافة هو بمثابة رأس مال رمزي وقوة ناعمة وأداة تواصل حضارية. يقول “بإمكانها تعزيز صورة المملكة ومواكبة الدور الإقليمي والعالمي الذي تتمثله السعودية حاليا. لقد تأخرت هذه المبادرة بسبب التطرف ومخاوفه المضاعفة من الكتاب وحرية النشر والتفكير، وهذا التأخير يضع وزارة الثقافة أمام مهمة صعبة لاستئناف حركة النشر والتأليف والعبور بها ودمجها باللحظة الراهنة في أفق الرؤية، وهذا يستدعي اجتياز مسافات طويلة بزمن قصير ومتسع من الحرية، أخشى كثيرا أن تفشل أوعية الوزارة في استيعابه، ذلك لأنه حتى اللحظة مازالت الكتب تمنع لاعتبارات مبهمة ولأسباب مخجلة ورجعية”.
ويتابع الصقور “عندما يدخل الكتاب في دوائر الرقابة فإنه متهم يُفتش ويستوجب ويُعذب أحيانا، وبالأخص كُتب المؤلف السعودي، ويتجاوزون الحكم على الكتاب إلى اسم الكاتب وأنشطته ومواقفه الفكرية، ولدي أمثلة كثيرة وحديثة لا يتسع المجال لذكرها”.
ويضيف “إن مبادرة الوزارة بشعاراتها المُعلنة قد تدفع بالتأليف ودور النشر الأهلية وتدعمها. ‘المد العالي يرفع جميع المراكب‘. ولا أرى فيها أي تهديد لها، بل على العكس تماما، سيفتح آفاقا جديدة وواسعة بعد أن كانت دور النشر تقبع في قيود الممنوع والمحظور، وإزالة هذه التهديدات ستمنحها انطلاقة للمنافسة عربيا، خاصة وهي تمتلك كل الإمكانات لتعزيز حضورها في مقدمة صناعة النشر”.
ورغم تفاؤل عباس الشبركة مدير دار أطياف للنشر والتوزيع إلا أنه يضع مجموعة تساؤلات وأمنيات في حديثه لـ”العرب” الذي يقول فيه “لا شك أن خطوة مثل إنشاء دار نشر تتبناها وزارة الثقافة ستخدم الكاتب وتأخذ بيده، ولكن أي دار نشر نريد؟ نريد دار نشر على مستوى دارة الملك عبدالعزيز ومركز الملك فيصل للدراسات والبحوث الإسلامية ومركز الملك سلمان لدعم الشباب. أما في الخارج فمثل: الهيئة المصرية للكتاب والمركز القومي للترجمة والمجلس الوطني والهيئات الثقافية في دول الخليج العربي. أما غير ذلك فلا، وألف لا. لا نريد أن نكرر تجربة الأندية الأدبية وعبثها وهدرها للأموال ولا جديد لديها. وللأسف يكفي منظر الجناح السعودي في المعارض الدولية للكتاب لاستجلاء ذلك. أنا ناشر ووجود دار نشر أو هيئة كتاب لن ينافسني أو سيخرجني من سوق الكتاب، بل سيكون أكبر داعم لي، لأنها ستقيدني وستقودني لاختيار الأفضل”.
تخوف واشتراطات
في مداخلة لم تخل من وضوح رفضه لإجراءات الوزارة البيروقراطية في آلية فسح الكتب يقول محمد أحمد الحازمي مالك ومدير مؤسسة الحازمي للنشر “من المؤكد أن الوزارة ستطبق نفس اشتراطاتها، والتي يتأخر بسبب بيروقراطيتها إنجاز إذن الطبع، وكذلك ‘الردمك‘ هي من تأخره، أما الفسح واشتراطاته فقد أضنت مؤسسات ودور النشر بإرسال خمس نسخ مطبوعة، ولا أخالها ستتخلى، بل ستتشدد أكثر”.
ويضيف الحازمي “ليست الإشكالية في الفسح، بل في طول المدة التي تستغرقها وصولا إلى الفسح النهائي. ولو خالفت اشتراطاتها مع تبنيها دار نشر حكومية، فمن المفروغ منه أن تطبق بنفس المسطرة على مؤسسات ودور النشر بالقطاع الخاص، وإن لم تفعل وتعمد إلى عدم تبنيها شروطها بالمثل على دار النشر الخاصة بها، فهذا يعني ضرب مؤسسات ودور النشر في مقتل. كان عليها أن تدشن مطبعة كبرى تقطع المبالغة في تكلفة الطباعة بالداخل ولجوء دور النشر ومؤسسات النشر الناشئة للطباعة خارج المملكة بعد حصولها على إذن الطباعة. وهذا سيشجع المبدعين والموهوبين على إثراء المكتبة العربية، وسيفتح آفاقا لدور النشر ومؤسساته بالطباعة لديها بتكلفة منافسة لمطابع خارج الوطن. أما مطابع الداخل فتكلفها أضعاف أضعاف خارجها”.
وجود دار نشر حكومية بعيدا عن المجاملات والعلاقات الشخصية يمكن أن يقدم محليا وعربيا ثراء ثقافيا وفكريا
ومن جانبه يقول المستشار الثقافي بمركز الأدب العربي للنشر الدكتور المصري أحمد سماحة “بداية تقديري لجريدة ‘العرب‘ على ما تقدمه من جهد وثراء إعلامي. وحول المحور الذي يتناول دار النشر التي تزمع وزارة الثقافة في المملكة تأسيسها ثمة وجهات نظر عدة تشير إلى أن المؤسسات التي تشرف عليها وتديرها الوزارة تضطلع بهذا الأمر، مثل الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة وغيرها. ودعم هذه الجهات قد يكون مفيدا وثريا، ولكني أيضا -ووفق معايشة طويلة للواقع الثقافي محليا وعربيا ودوري أحيانا كمستشار ثقافي لدور نشر في المملكة ومصر- أرى -وفق ما طرحته وزارة الثقافة- أن وجود دار بالمواصفات التي حددت بعيدا عن المجاملات والعلاقات الشخصية التي تسود الجهات المعنية بالنشر بشتى توجهاتها، وأيضا بعيدا عن الهدف المادي الذي يدفع لنشر الغث والسمين في دور النشر الخاصة، يمكن له أن يقدم للساحة المحلية والعربية ثراء ثقافيا وفكريا، ويشجع المبدعين والباحثين على تقديم ما يثري ويفيد”.
ويرى سماحة أن “دور النشر الخاصة لن تتأثر بذلك، فالعديد من الأندية الأدبية والكتاب يتجه لدور نشر عربية. ولَم يؤثر ذلك على دور النشر المحلية بالدرجة الكبيرة. وتبقى قضية الحرية وهذه مسألة تطال كل دور النشر، فهي تقوم بفسح مطبوعاتها من الوزارة. نأمل أن يدرس الأمر جيدا، ومن كل الجوانب ومن مختلف الأطراف المعنية، لتكون النتايج ثرية”.
وبدوره أعرب الناشر محمد راشد الغصنة مالك ومدير دار صفحة سبعة للنشر والتوزيع عن سعادة الدار بخبر تأسيس دار نشر تحت مظلة حكومية، والتي تهدف -بحسب تعبيره- إلى نشر الثقافة والأدب السعودي محليا وعربيا ودوليا، بالإضافة إلى مشاركتها الفعالة في معارض الكتاب المحلية والإقليمية والدولية.
ويقول الغصنة في هذا الصدد “سعداء، لأن هذه الدار الجديدة سوف تبعث أملا جديدا يحمل طوق النجاة للدور السعودية المتناثرة، والتي أصاب جسدها الشلل من الأدوات السابقة، متمثلة في المنع المفرط، والبيروقراطية الهزيلة في الموافقات والتصاريح. والرائع أنها سوف تفعل دورها بقوة وفعالية في وجه الأندية الأدبية والثقافية المحلية الخاملة والمُعطلة من سنين رغم ميزانيتها الضخمة التي ألفت النشر والطبع والتوزيع من خارج المملكة، وأضاعت أولوية حق المؤلف والناشر والطابع والموزع في استخدام أدواته المحلية”.