ما الذي يخيف النهضة من كشف لغز التمويل

بثت قناة الحوار التونسي ومضة إشهارية لبرنامج كانت تعتزم بثه تقول إنه “يفكك لغز تمويل حركة النهضة” تزامنا مع صدور قرار قضائي يقضي بتحجير السفر على مدير القناة سامي الفهري. لكن الومضة سرعان ما حذفت بعد تهديد من الحركة للقناة ما يثير جدلا عن التسويات بين الإعلاميين والسياسيين في تونس.
تونس - حذفت قناة الحوار التونسي، الومضة الإعلانية للسلسلة التي أعلنت عن انطلاق بث حلقاتها قريبا والتي تحمل عنوان “كشف أسرار حركة النهضة” من موقعها الرسمي وصفحتيها بموقعي فسبوك ويوتيوب.
وكانت أولى حلقات هذه السلسلة وفق الومضة المحذوفة تتمثل في حوار أجراه مدير القناة سامي الفهري مع المحامي الطيب بالصادق الذي عبّرت زوجته الإعلامية عربية بن حمادي عن انتقادها له معتبرة أن الفهري يستغل زوجها لتصفية حساباته الشخصية.
وقد تزامن بث الحوار التونسي للومضة مع صدور قرار قضائي يقضي بتحجير السفر على سامي الفهري وزوجته.
وسبق لحركة النهضة أن تدخلت ومنعت تنفيذ قرارات الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري وتدخلت في الإعلام ووضعت أذرعها عليه خشية انكشاف ملفاتها.
ووفق تصريح الناطق الرسمي باسم القطب القضائي الاقتصادي والمالي، سفيان السليطي تبيّن أنّ قرار تحجير السّفر على الفهري وزوجته وعلى المتصرّف القضائي لشركة كاكتوس المصادرة، جاء على خلفيّة شكاية تقدّم بها المكلّف العام بنزاعات الدولة.
وقضية شركة الإنتاج “كاكتوس برود” كانت قد انطلقت في أواخر سنة 2011، ويُتّهم فيها كل من الإعلامي سامي الفهري والوزير المستشار الأسبق برئاسة الجمهورية عبدالوهاب عبدالله وخمسة مديرين عامين سابقين بالتلفزة الوطنية الذين أحيلوا بحالة سراح، إلى جانب بلحسن الطرابلسي صهر الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وهو في حالة فرار. وتتعلق القضية بتجاوزات قامت بها شركة كاكتوس برود زمن الرئيس بن علي، وكبّدت التلفزة التونسية خسائر مالية كبيرة. وينتظر إصدار الحكم في القضية الاثنين.
لم يعرف إن كان حذف الومضة الإعلانية من القناة خوفا من التهديدات أم أنه نتيجة «تسويات حصلت تحت الطاولة»
وبعد صدور قرار التحجير بساعات قصيرة، نشرت قناة الحوار التّونسي فيديو قصيرا ترويجيا عبر صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي بيّنت فيه أنّ الفهري قام بتحقيقات استقصائيّة وستُنشر قريبا تحت عنوان ”كشف أسرار حركة النهضة”. وسلسلة الحلقات التي كانت ستبثّها قناة الحوار التّونسي تحقق في علاقة حركة النّهضة بالمال الفاسد، وتُبرز الحلقات كيفيّة تحكّم عائلة الغنوشي في القرار داخل النهضة.
يذكر أن حركة النهضة أصدرت بيانا عبّرت فيه عن إدانتها الشديدة لما اعتبرتها حملة تشويه أطلقتها قناة الحوار التونسي ضدّها، وأكّدت أنها تحتفظ بحق التتبع القضائي.
وقالت الحركة إنها تدين بشدة ما وصفته حملة التشويه التي تستهدف الحركة والتي أطلقتها إحدى القنوات التلفزيّة مشيرة إلى “أنها إذ تحتفظ لنفسها بحق التتبع القضائي فإنها تعوّل على وعي التونسيات والتونسيين بكشف مرامي هذه الحملات وتحويل اهتمامات الرأي العام عن قضايا مكافحة الفساد والاستيلاء على المال العمومي وتتبع كل الضالعين فيه”.
ولم تكتف الحركة بنشر بيان التنديد بل وجّهت مراسلة إلى مدير القناة سامي الفهري حذرته من مغبّة عرض التحقيق الذي يكشف تجاوزات قادة الحركة، واستيلاء عدد منهم على أموال عمومية فترة حكم الترويكا.
ونشر الفهري في صفحته الشخصية على إنستغرام الجمعة رسالة التحذير التي حملت توقيع الممثل القانون للنهضة وجاء فيه “إنّ الحركة تنبّه مدير القناة بأنها ستلجأ في صورة إصراره على بثّ أو إعادة بثّ ما وصفته بهذا النوع من البرامج أو اللقطات الإشهارية، إلى التقاضي الجزائي والمدني وتحميله وتحميل ‘قناة الحوار التونسي’ كلّ المسؤولية الجزائية، إضافة إلى المطالبة بالتعويضات المدنية الكاملة، عن كلّ نشرٍ، لإشاعة في حقّ الحركة أو سعي لتشويه صورتها”.
وفي نبرة تهديد واضح لوسيلة إعلامية في بلد يحفظ دستوره حرية الإعلام والتعبير قالت النهضة إنها لن تتجاهل بعد اليوم الحملات التي تُشّن ضدّها. وبررت النهضة موقفها بأن التحقيق يأتي ردا على خلفية قرار قضائي بتحجير السفر عن الفهري بتهم تتعلق بالفساد، لكنّ متابعين يرون أن الحركة الإسلامية التونسية تستغل قطاع القضاء لتصفية حسابات سياسية، خاصة وأن لديها تاريخا طويلا في هذا المجال.
وقال القيادي بحركة النهضة سمير ديلو، إنّ الفهري أعلن الحرب على حركة النّهضة، وأكّد في تصريحات إعلاميّة أنّ النّهضة لا علاقة لها بقرار تحجير السّفر على الفهري وزوجته معتبرا ذلك اتهاما للقضاء التونسي وتشكيكا في استقلاليته.
وسبق لمدير قناة الحوار التونسي أن أكد أن ابنة رئيس حركة النهضة سمية الغنوشي تقف وراء حملات الهجوم على قناته. وكتب الفهري في التدوينة “سيدتي، قبل أن تهاجميني، يجب أن تسألي زوجك ووالدك عن نوع العلاقة التي تربطهم بي. وأنا على ذمتك إذا كنت تريدين المزيد من التفاصيل”.
ولم يعرف إن كان حذف الومضة الإعلانية بسبب التهديدات أم أنه نتيجة “تسويات حصلت تحت الطاولة”.
من جانبه، وجه عضو الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري هشام السنوسي انتقادات لقناة الحوار واتهمها بالانخراط في أجندات سياسية خاصة. واعتبر أن الومضة الدعائية المتعلقة بالبرنامج حول حركة النهضة التي سحبتها الحوار التونسي تتنزل في اطار هذه الأجندات البعيدة كل البعد عن دورها الأساسي انارة الرأي العام.
وقال السنوسي إنه من الغباء عدم الربط بين الومضة التي بثتها الحوار التونسي وسحبتها فيما بعد وبين القرار القضائي الصادر ضدّه والمتعلق بتحجير السفر عليه. وتابع قائلا “إن الهيئة تعبّر عن تحفظها على طريقة وتوقيت بث هذه الومضة لكن دستوريا لا يمكن للهيئة أن تمارس رقابة قبلية وتقييم البرنامج يكون بعد بثه”.
وتساءلت عربية حمادي “أيّهما الأفضل لحركة النّهضة أن يبثّ الفهري ما سجّله وعندها تقاضيه لافترائه على بعض قيادييها واتّهامه الباطل لهم وتشويهه لسمعتهم فينصفها القضاء ويساندها الرّأي العامّ بل ويتعاطف معها لنزاهة قيادييها وافتراء الفهري أو أن تبعث تنبيها للفهري تحذّره من إقدامه على بثّ ما جاء في ومضته الإشهاريّة”. وأضافت “أيّهما أفضل أن يبثّ الفهري ما سجّله ويثبت للرّأي العام ‘نزاهته’ وبحثه ‘البريء’ والحرفي عن المعلومة فيفاجئ الرّأي العامّ بحقائقه أم أن يخضع لمجرّد تنبيه من حركة النّهضة وقّعه ممثّلها القانوني دون سند قضائي يمنعه من البثّ ويسحب الومضة”.
واتهمت الإعلامية سامي الفهري بأنه “مجرد صائد فرص يسعى لتصفية حساباته لا لتقديم المعلومة”.