لجان الإرشاد لحل الخلافات داخل الأسر المصرية: ضرورة أم شكليات

يقلل المختصون في الشؤون الأسرية من قيمة مشروع لجان الإرشاد الذي يناقشه البرلمان المصري بغاية مساعدة الأزواج على التغلب على المشاكل الزوجية وعدم الوصول إلى الطلاق، ويرون أن الفكرة غير قابلة للتطبيق لدواع ترتبط بأن الفوقية الإرشادية من أسباب منع الزوجين من التفكير في شؤونهما الخاصة. كما يعتقدون أن المعنيين بتقديم الدورات الإرشادية لديهم رؤى وقناعات خاصة عن الحياة الزوجية قد لا تصلح لكل الفئات.
القاهرة- عكس مشروع القانون الذي يناقشه مجلس النواب المصري لوضع حد للمشكلات الأسرية المتفاقمة وجود هوة شاسعة بين تحركات المؤسسات الرسمية وطبيعة الأزمات العائلية، أو التركيبة السكانية بمعنى أدق، لأن الخلافات الزوجية لا يمكن حلها بقوانين فوقية أو لجان توعوية بقدر ما يرتبط الأمر بتشريح المشكلة نفسها.
ووفق نواب البرلمان الذين قدموا مشروع القانون إلى مجلس النواب، يقوم المشروع على إنشاء لجنة عليا للإرشاد الأسري تتولى مهمة تنظيم دورات تثقيفية للمقبلين على الزواج، وبعدها تُمنح شهادة اجتيازها ترفق مع وثيقة الزواج ولا يتم إصدار الوثيقة دون الشهادة لضمان استفادة الشريكين من الدورات الإجبارية.
وسيكون للجنة دور في محاولة التوفيق بين الشريكين عند الخلافات وتوقيع الكشف الطبي والنفسي عليهما عن طريق متخصصين، وتقديم الدعم لمنخفضي التوافق الزوجي وتعريفهم بأبجديات الحياة الزوجية السعيدة، وإذا كانت هناك رغبة في الانفصال يتدخل الأزهر أو الكنيسة لعدم وصول الأمر للطلاق وهدم كيان الأسرة.
وبغض النظر عن النوايا الحسنة لمقدمي مشروع القانون، إلا أن الفكرة ذاتها غير قابلة للتطبيق لدواع ترتبط بأن الفوقية الإرشادية من أسباب منع الناس التفكير في شؤونهم الخاصة، وإلغاء عقولهم، ووضع القواعد التي تناسب حياتهم الزوجية، والاعتماد فقط على من يرسم لهم مسار علاقتهم الأسرية، وهذا في حد ذاته إلغاء لشخصية الشريكين.
ويرى معارضون لمثل هذه اللجان أنه يصعب توحيد مسار معين تسير عليه كل الأسر لمجرد أن البرلمان في مصر لديه رؤية منفصلة عن الواقع، فما ينفع الشريكان ليس بالضرورة يصلح للآخرين، وهكذا.

هالة حماد: الإرشاد الأسري مهم لكن الأهم طبيعة التدريب
كما أن المعنيين بتقديم الدورات الإرشادية لديهم رؤى وقناعات خاصة ومسبقة عن الحياة الزوجية، قد لا تصلح لكل الفئات والشرائح المختلفة وجميع أفراد الأسرة.
صحيح أن الكثير من الأشخاص من حديثي العهد بالزواج لا يمتلكون الحد الأدنى من الوعي لتسيير أمورهم الأسرية، لكن ذلك لا يعني إلزامهم بنمط حياة معين، والتمرد عليه أو الخروج عن نصوصه وقواعده يجعل حياة الشخص أقرب إلى الجحيم، فلكل زوجين خصوصية ولا يجب لأي جهة انتهاكها بإلغاء عقول أصحابها.
ويبدو أن مقدمي مشروع القانون لا يعنيهم سوى شكلية العلاقة الزوجية دون النظر إلى مضامينها وخباياها وأزماتها الحقيقية التي صارت متنوعة وتختلف من بيئة وشريحة إلى أخرى، حسب المستوى التعليمي والتركيبة السكانية، وليس منطقيا أن يتم الاهتمام بالشكل على حساب الجوهر ليُقال إن البرلمان توصل إلى حل لأزمة الطلاق.
وغاب عن مجلس النواب المصري أن الأزمات الأسرية التي تفاقمت ووصلت إلى مرحلة قد تصعب السيطرة عليها سببها الأول يرتبط بالمشكلات الاقتصادية والضغوط الاجتماعية التي صارت تمثل عبئا نفسيا بالغ الصعوبة على الشريكين بدليل أن هناك أزواجا حصلوا على تعليم جامعي ومثقفين ولديهم من الوعي الكثير، لكن علاقاتهم تنتهي بالانفصال وهدم كيان الأسرة.
وقالت هالة حماد استشارية العلاقات الأسرية بالقاهرة إن الإرشاد الأسري مهم، لكن الأهم طبيعة التدريب، فثمة حالات تحتاج إلى متخصص نفسي لكل مشكلة وفئة. فمثلا هناك مريض اكتئاب وعصبي ولا يتفاعل مع الأسرة ولو تم علاج الاكتئاب تتحسن العلاقة الزوجية، هل اللجان مهيأة للتعامل مع الخلافات الأسرية ذات البعد النفسي؟
وأضافت لـ”العرب” أن المشكلة في هذه اللجان لا ترى الصورة الكبيرة، فمن المهم أن تكون الفرق مدربة، وليس كل من قرأ كتابا يصلح ليكون مرشدا أسريا، فاختيار الفرق المناسبة شرط لنجاحها، وللأسف القدوة التي تحاول الإصلاح الأسري تخيم على بعضها علاقات زوجية فاشلة، مثل مقدمي البرامج والنصائح، وهنا حرفة اختيار الفرق هي المعيار.
ويرى البعض من الخبراء أن الاعتماد على المؤسسات الدينية في مسألة عدم وصول العلاقة بين الزوجين لمرحلة الطلاق ليس حلا، فالكنيسة تشرف على دورات تدريبية توعوية إجبارية قبل الزواج، ومع ذلك هناك من يطلبون الانفصال مهما بلغت التبعات السلبية للقرار، وبالتالي فالمشكلة أبعد من مجرد حلها بنصائح دينية.
وتقدم مؤسسة الأزهر نفسها مثل هذه الدورات منذ سنوات للمسلمين، ومازالت الأزمات الأسرية مستمرة، بل زادت معدلاتها، لأن هذه الدورات يتم اختزالها في الحلال والحرام، وما يجب على كل شريك فعله أو تجنبه لعدم مخالفة التعاليم الإسلامية، مع أن مؤسسة الزواج على مستوى السعادة والمشكلات بعيدة عن الدين.
ولفتت حماد إلى أن المؤسسة الدينية ليست لديها الخبرة النفسية للتعامل مع الأزواج لتتم إحالة الشريكين اللذين اختارا الانفصال، وأن أزمات العلاقة الزوجية نفسية، وعندما نعالج الأسباب نقضي على المرض، ويحتاج الإرشاد الأسري إلى تدريبات طويلة المدى، وليس جلسة واحدة لمجرد القول إنه تم تدريب أرباب العائلات.
ويعتقد متابعون للشأن الأسري بمصر أن التحرك البرلماني تجاه البحث عن حل للخلافات الأسرية المتفاقمة قد لا يخرج عن كونه دعاية الغرض منها الظهور أمام الرئيس عبدالفتاح السيسي بأن المؤسسة التشريعية استجابت لنداءاته المتكررة، بضرورة الوصول إلى صيغة مناسبة يمكن معها مواجهة ظاهرة الطلاق واستسهال هدم الكيان الأسري مع أول مشكلة.
وما يعزز هذه الفرضية أن مقدمي مشروع القانون، أعضاء تنسيقية شباب الأحزاب المعروف عنهم الولاء المطلق للحكومة، والعمل في كنف أجهزة رسمية، أيّ أن مشروع القانون برمته يناقش أزمات الأسرة من زوايا شكلية من دون النظر للمسار الذي يمكن أن يحقق السعادة الزوجية المادية أو النفسية.
سيكون للجنة دور في محاولة التوفيق بين الشريكين عند الخلافات وتوقيع الكشف الطبي والنفسي عليهما عن طريق متخصصين
وكان أغلب المتابعين للأزمة يمنون النفس بأن يكون تحرك البرلمان لعلاج أزمة الطلاق حاسما من خلال مناقشة مشروع قانون يلغي الطلاق الشفهي كليّا، ليتم استبداله بالموثق، لكن توجد حالة من الخوف تحاصر أعضاء البرلمان لتجنب الاحتكاك بالمؤسسة الدينية أو الدخول في صدام مع من يقدسون التراث القديم.
ولم يتطرق مشروع القانون إلى التوعية الجنسية التي يجهلها أغلب المقبلين على الزواج ويحصلون على معلوماتهم من الأصدقاء والمعارف، لكن مازالت فكرة العيب مسيطرة على المجتمع ولا توجد جهة لديها الجرأة والشجاعة على تقديم دورات أو تقديم تعليم يحرر الأزواج من العادات والأعراف التي كرست تقاليد هدامة.
وإذا كانت أغلب مشكلات الشباب والفتيات في مصر أنهم ينتقلون من العزوبية للحياة الزوجية بلا خبرة كافية، فإن علاج هذا الخلل لا يكون بلجان توعوية يستأثر فيها رجال الدين على جزء كبير من المهام، لأن تكوين أسرة سعيدة يبدأ بالبحث عن الأسباب التي تقود للتعاسة، وبينها الغلاء وصعوبات المعيشة والضغوط المجتمعية والكف عن تدخل الفتاوى في حياة الناس.