"لؤلؤ" مسلسل تفصيل على مقاس مي عمر

الدراما المصرية تقتحم عالم مطربي المهرجانات بقصة عاطفية.
الثلاثاء 2021/01/19
طموح لا تحدّه عراقيل

يقدّم المسلسل المصري “لؤلؤ” حبكة درامية مغايرة لقصص صعود المطربين، والتي تقدّمهم دائما في صورة كائنات رقيقة تتذوّق الفن الراقي مع وجبات الطعام الثلاث. ويمثل الإيقاع الموسيقي لديهم أحد أسرار الحياة المغروسة داخلهم مهما كانت أوساطهم الاجتماعية.

القاهرة – يلعب المسلسل المصري “لؤلؤ” المعروض حاليا على قناة “أون.أي” على وتر عواطف الجمهور، بتقديم بطلته “لؤلؤ” (الفنانة مي عمر) كفتاة جميلة تخلى والدها عن الأسرة، ودفع بوالدتها إلى السجن وهرب، لينتقل الاهتمام بها إلى جدتها التي لم تتحمل مشاق الإنفاق عليها فتزجّ بها في دار أيتام، لتشقّ هي لاحقا طريقها عبر أغاني المهرجانات نحو الصعود، إلى قمة الغناء.

ويطغى الطابع العائلي على المسلسل، فالفنانة مي عمر في أول بطولة مطلقة لها، وزوجها المخرج محمد سامي امتلك الكلمة الأولى والأخيرة بإشرافه على الإخراج والكتابة، ليختار مساعده محمد عبدالسلام لتولي مهام المخرج، ودفع بالفنان محمد مهران، أحد مقربيه لكتابة السيناريو، كما كان ظهور ملك زاهر لافتا في العمل الذي يلعب دور البطولة فيه والدها الفنان أحمد زاهر.

ويتماشى توقيت عرض “لؤلؤ” مع صراع فني محتدم في مصر بين نقابة الموسيقيين ونقيبها الفنان هاني شاكر مع مطربي المهرجانات بشأن منعهم من الغناء، وتعاطف قطاع كبير في الوسط الفني ذاته معهم، والترويج لأغانيهم المعتمدة على إيقاع واحد في مناسباتهم وصفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي أول أعمال لؤلؤ على مواقع المقاطع المصوّرة يوتيوب، تظهر الأسماء التي تتعاون معها الفنانة الصاعدة العلاقة الوثيقة مع عالم المهرجانات، حتى لو حاول السيناريو تقديمها في صورة مغنية شعبية فالـ”دي.جي” تدعى “كوكس”، ومؤلف الأغاني والملحن يحملان لقب “ميخا” و”أوبا” على الترتيب، وكلها مستقاة من عالم المهرجانات ويضم الثيمة ذاتها من أسماء مثل “جنجرة” و”كسبرة” و”شاكوش” و”حمو”.

وتحمل كلمات الأغاني التي تضمنها العمل مثل “جرى إيه يا كراش، انت هتترش” و”أنا لؤلؤ.. ملألأة” مداعبة لجمهور المهرجانات بالدفاع عن مؤدّيها، وفي الوقت ذاته جذبهم إلى الشاشة للمشاهدة، وربما كان ذلك السبب وراء تصدّر المسلسل تريند مواقع التواصل الاجتماعي لأيام.

البطل الرئيسي

جمع شتات العائلة

ربما تكون الصدفة البطل الحقيقي الأول للمسلسل فهي المحرك الرئيسي للأحداث. فهي التي جعلت لؤلؤ تقتحم بنفسها سيارة رجل الأعمال “طارق” (أحمد زاهر) أثناء توقفه في إشارة مرورية بعد هروبها من محل بيع وجبات سريعة دون أن تدفع حساب ما تناولته وتعرّضها للمطاردة، ليرحّب بها رجل الأعمال ويمضي بها في جولة بشوارع القاهرة دون أن يعرفها، رغم اقتحامها سيارته.

وحضرت أيضا بقوة في اختيار طارق، لأحد المطاعم لتناول العشاء مع لؤلؤ والنقاش حول فرصة العمل التي تطلب منه توفيرها لها. ويشهد المكان حفلا يحييه “كوكس” صاحب “دي.جي” يملك أسلوبا فريدا في إحياء الأمسيات بجعل الحضور يشاركونه الغناء، ليكتشف موهبة لؤلؤ، ويُعدّ لها أغنية على يوتيوب حظيت بالملايين من المشاهدات.

كما كانت الصدفة أيضا لاعبا في الأحداث عبر ارتباط طارق بصداقة مع صاحب أكبر شركة توزيع موسيقي بالشرق الأوسط واستقطابه أهم مدير أعمال للمشاهير في مصر مثل “مجدي” (الفنان إدوارد)، والذي يدفع بـها في الفقرة الأولى ضمن حفل مخصص للمطربة “كاميليا” (الفنانة نيرمين الفقي) التي توافق على اعتبار أن أسلوب المهرجانات زوبعة فنجان لن تبقى طويلا.

وللمرة الرابعة، كانت الصدفة حاضرة أيضا حينما تتوجه لؤلؤ مع  مدير أعمالها إلى أحد البنوك لتحرّر له توكيلا بإدارة أموالها، ويكتشف الساعي بالمكان أنها ابنته التي تخلى عنها في الماضي، وكيف أصبحت صاحبة أموال تحتاج من يديرها لها.

ويرسم العمل صورة ملائكية لبطلته، فهي رغم فقرها تعتزّ كثيرا بكرامتها وشرفها وتعتبره السبب في استمرارها على قيد الحياة، وتواصل التصدي لمحاولات طارق التحرش بها أو رسم مسار حياتها بعد الشهرة، ومطالبته بالتخلي عن صديقة عمرها في الملجأ لنسف تاريخها القديم، وتهدّده بمغادرة القصر الرحب الذي خصّصه لها كي تقطن فيه، حتى لو كانت النتيجة العودة إلى الفقر مجدّدا.

ويقدّم العمل تضاربا في رسم شخصية البطلة فتحمل قدرا كبيرا من الذكاء الفطري الذي يجعلها تحفظ كلمات الأغاني بعد مرة واحدة فقط من القراءة، في الوقت ذاته تعجز عن معرفة حاصل طرح 85 من 100 جنيه.

وتمتد عدم المنطقية في طريقة تناول البطلة الطعام في مطعم راق مع طارق وهي التي لا تتماشي إطلاقا مع بنت فقيرة تربّت في ملجأ أيتام تعرّضت فيه للحرمان من متع الدنيا وملذاتها، وحتى في طريقة سيرها بتوازن في فستان ضيق وكعب عال مع ارتدائها ذاك النمط من الملابس للمرة الأولى في حياتها.

تقول لؤلؤ إنها تريد اقتناص ما في “فك الأسد” في تعبير بليغ يكشف طموحها الشديد ورغبتها المطلقة في النجاح، لكنها طوال العمل ظلت مجرّد آلة خدمتها الظروف بتعلق رجل أعمال بها. فعجز عن الوصول إلى مراده عبر الأسلوب المباشر فلجأ إلى  تحقيق أحلامها لينال رضاها في النهاية، وهو طريق سهل وسريع في النجاح لا يحتاج إلاّ إجادة التلاعب على الأحبال.

كوميديا خفيفة

الفنانة مي عمر قدّمت  في أولى بطولتها المطلقة شخصية فنانة مهرجانات جعلتها الصدفة تصعد من القاع إلى القمة
الفنانة مي عمر قدّمت في أولى بطولتها المطلقة شخصية فنانة مهرجانات جعلتها الصدفة تصعد من القاع إلى القمة

يحمل مسلسل “لؤلؤ” قدرا من الكوميديا الخفيفة المعتمدة على اختلاف اللهجة بين الطبقات الغنية والفقيرة وكانت دائما على لسان البطلة، وهو أسلوب متكرّر في الفن المصري حينما يتعلّق الأمر بقصص صعود القادمين من المناطق الشعبية، ويشبه أسلوب مي عمر كثيرا أداء نادية لطفي في فيلم “أيام الحب” لأحمد مظهر الذي تناول دفع مخرج معروف ببائعة مياه غازية لبطولة فيلم سينمائي.

ويتضمّن المسلسل نمطا من الصراع المعقّد تم تلخيصه في مشهد دخول لؤلؤ غرفة العمليات في أحد المستشفيات بعد محاولة قتلها. أولها مع كاميليا المطربة التي تتمسّك بالفن الراقي وعودته، وزوجة طارق (الفنانة هيدي كرم) التي لا تبالي كثيرا بعلاقاته الغرامية طالما أن نهر عطاياه لا ينضب، ونهال (الفنانة نجلاء بدر) مديرة أعمال أحمد زاهر التي ربطتهما علاقة عاطفية سابقا وتغير إثر حبه للمطربة الجديدة.

ويشبه تجمّع أسرة لؤلؤ في مكان واحد حتى لو كان مستشفى بعد شتاتها، تماما قصة حقيقية شهيرة لمغني فلبيني يدعى “مارسيليتو” تربى في الشوارع بعدما هجرته أسرته ووجد في الغناء ضالته لمواجهة العقبات والخوف، حتى وصل إلى عائلته عبر الغناء في برنامج “ذا فويس” وحصد المركز الأول.

ويعرّج العمل بصورة باهتة إلى عالم الملاجئ واستغلال الأثرياء لها في الترويج لأنفسهم أو قضاء وقت فراغ بين أطفال يفتقرون للحنان، وينامون فوق بعضهم البعض من شدة الزحام، ويأكلون فتات ما يتبقى على موائد الأغنياء، فيظل الجوع رفيقهم، وهي مادة خصبة كان يمكن للسيناريو العمل عليها لإكساب القصة طابعا دراميا، لكن مرّ عليها مرور الكرام لصالح توسيع مساحة حياة بطلته بعد الثراء.

ومرّ العمل سريعا أيضا على شخصية طارق التي لم يتم التمهيد لها جيدا رغم تأثيرها الكبير في الأحداث، كرجل أعمال شره يحب النساء فأقام علاقة مع مديرة مكتبه وأنجب طفلة رماها في الإسكندرية دون أن يكلّف خاطره برؤيتها، ويكره زوجته، لكنه في الوقت ذاته يعيش معها من أجل الحفاظ على رونقه الاجتماعي فقط.

وتفتح شخصية نهال الكثير من التساؤلات المشروعة، في ظل مطالبة والدتها لها باستمرار الزواج لترى حفيدا لها، والحال أن لنهال، فعليا، ابنة وصلت إلى مرحلة البلوغ وتحب زميلا لها في الدراسة، ما يدعو للتساؤل: كيف أخفت عن والدتها تسعة أشهر من الحمل والإنجاب وسنوات طويلة دون أن تعرف؟ في ظل عدم تطرّق السيناريو لتلك النقطة.

ربما يمكن اعتبار مطربي المهرجانات الرابح الأول من مسلسل “لؤلؤ” الذي دافع كثيرا عن أسلوبهم في الحياة وتقديمهم في صورة نمط من الفن يساعد الجمهور على استخراج الطاقة الكامنة داخله والوصول إلى السعادة، وهي الهدف الأساسي الذي يراه المسلسل من إقامة الحفلات، وليس تربية الذائقة الفنية للجمهور ومداعبة حواسه العاطفية وتفجير المشاعر الراقية بينه، كمان كان دارجا.

16