كيف يحافظ المطلّقون على علاقة ودية خالية من الصراعات

المحافظة على مشاعر الود والاحترام ومحاولة امتصاص الغضب، ولو كان ذلك في إطار شكلي وحيز زمني وجيز، تساعدان على حل المشاكل الزوجية بهدوء، وتمنحان المطلقين فرصة لإعادة النظر في أخطائهم وتصحيحها.
عندما وصلت العلاقة بين نادية علي، وهي فتاة في الثلاثين من عمرها، وزوجها محمود الذي يكبرها بخمس سنوات، إلى طريق مسدود طلبت الطلاق بعدما وصفته في لحظة غضب أثناء إحدى المشاجرات بأنه عديم الرجولة، فما كان منه إلا الموافقة على تطليقها دون تفكير، وعادت إلى بيت أهلها برفقة ابنتيها، وعاشت بعيدة عن الضغط النفسي الذي شعرت به في حياتها الزوجية.
مرت عدة أشهر على الانفصال، وكان زوجها السابق يداوم إرسال الملابس والهدايا إلى ابنتيه في المناسبات، وفي إحدى المرات بعث إلى طليقته أموالا وكتب لها رسالة يدعوها فيها إلى أن تشتري ما تشاء بعيدا عن أسرتها، وهنا بدأ الحنين بين الطرفين يعود مرة أخرى دون أن يكون هناك تواصل مباشر، لكن مشاعر المودة لم تختف ولم تحدث صدامات عائلية.
قالت الزوجة لـ”العرب” إن أسرتها كانت تمتعض من كلامها الإيجابي عن طليقها، كلما قام بموقف يعبر عن اهتمامه بها ورعايته لابنتيه وهو بعيد عنهما، ولم تكن تهتم بكل ذلك حتى فاجأها بالتواصل مع إحدى صديقاتها طالبا التوسط لتعود نادية إلى البيت ويتم ترميم العلاقة الزوجية ونسيان ما حدث وبدء حياة جديدة.
ليس نهاية المطاف
لم تتردد المرأة في قبول عرض طليقها، لكنها تعرضت لضغوط كثيرة من أسرتها حفاظا على كرامتها، وقررت العودة إلى شريك حياتها بعد عامين، وجرى الاتفاق بينهما على وضع الخطوط العريضة للعلاقة بينهما، وعدم التحدث عن الماضي وعدم تكرار نفس الأخطاء التي كانت تقع من كليهما، مع الاتفاق على معالجة المشكلات بهدوء بعيدا عن التطاول والشجار.
وتوحي الواقعة السابقة بأن الطلاق ليس نهاية المطاف في العلاقة الزوجية، وبإمكان المطلقين العودة إلى الحياة الزوجية وبدء عهد جديد خال من المنغصات، شريطة التعامل بتسام وتحضر بعد الانفصال وعدم انقطاع العلاقة كليّا بعد الهجر، خاصة عندما يكون بينهما أبناء وبقايا مشاعر الحب والمودة التي يعبر عنها أحدهما ليجذب انتباه الثاني كي يعيد مراجعة نفسه والاقتناع بأن ما حدث كان خطأ مشتركا.
وهناك حالات كثيرة لمطلقين عادوا إلى حياتهم الطبيعية، من بينهم الشاب أحمد منتصر الذي يعمل صحافيا بإحدى المؤسسات الخاصة، وانفصل عن زوجته بعد ثلاث سنوات بسبب خلافات حول طبيعة العمل والبقاء خارج المنزل لوقت طويل، ولم تكن الزوجة تتحمل ذلك وذات يوم وصلت المشاجرة إلى حد الاعتداء البدني وانتهت بالطلاق.
الطلاق ليس نهاية المطاف في العلاقة الزوجية، وبإمكان المطلقين العودة إلى الحياة الزوجية وبدء عهد جديد خال من المنغصات
ابتعد أحمد وطليقته عن بعضهما البعض قرابة عامين، ولم ينس مشاعر الحب التي كانت تبادله بها، وتريد منه البقاء إلى جوارها أطول وقت ممكن.
وقال لـ “العرب” إنه تفهم بعد فترة أن شجار زوجته معه بسبب عمله نابع من محبة شديدة وليس تحكما في حياته، وبعد تفكير ومراجعة اعتذر إليها أكثر من مرة، حتى عادت العلاقة أقوى مما كانت عليه.
وتؤكد الحالتان اللتان تحدثتا إلى “العرب” أن الطرفين شعرا بارتياح نفسي بعد التخلّص من عبء الزواج ومشكلاته وانعدام الراحة مع شريك الحياة، ولم يستطيعا التأقلم مع استمرار الهجر والفقد وتكرار استعادة شريط الذكريات الجميلة، حتى عادا دون شروط تعجيزية بعدما وُجد الإصرار على استكمال الحياة بهدوء.
ويؤكد ذلك أن العودة بعد الطلاق ممكنة، لكنها تتطلب وضع معايير، وعلى رأسها الطريقة التي جرى بها الانفصال، هل بهدوء أم من خلال المحاكم وتدخلات العائلات والتصعيد بين الطرفين، وسعي كليهما للانتقام من الآخر؟ لأن
التفكير بعد الطلاق في إذلال الآخر والتعامل معه بدونية يقطع ما تبقى من حبال الود.
يصعب ترميم العلاقة الزوجية بعد الطلاق دون مراجعة كل طرف لسلوكياته وتصرفاته التي كانت سببا رئيسيا في الانفصال، وفكرة تأنيب الضمير وتحميل النفس جزءا من المسؤولية كفيلة بإعادة التفكير مرة أخرى في العودة إلى الحياة الزوجية، شريطة أن يكون ذلك من جانب الرجل والمرأة معا، وليس من أحدهما فقط.
تصاعد الموقف أسريا

هالة حماد: العامل المهم لترميم علاقة المطلقين هو عدم الكشف عن أسرارهم
يتوقف قرار العودة على مدى استقلالية الطليقين عن وصاية الأهل، فأسرة الرجل غالبا ما تمانع ترميم علاقته مع طليقته باعتبارها أخطأت، وهذا من المحرمات في عقلية المجتمع الشرقي الذكوري. وعائلة الزوجة أيضا كثيرا ما ترفض بدعوى أن زوجها تعرض لها بالإهانة والتجريح والإيذاء ولم يكن أمينا عليها، وقد يستمر على نفس المنوال دون تغيير.
وأوضحت هالة حماد، استشارية العلاقات الأسرية، أن العامل الأهم في ترميم علاقة المطلقين وعودتهما إلى بعضهما البعض يرتبط بعدم كشف الشريكين لأسرار حياتهما قبل الانفصال، لأن ذلك يوسع دائرة البغض والكراهية ويحول دون التقارب والتفاهم بينهما، ويدفع العائلتين إلى الضغط عليهما لعدم إصلاح الشرخ بعد تصاعد الموقف أسريا.
وأضافت لـ”العرب” أن الشق الآخر يرتبط بعدم المكابرة والتعالي من قبل أحد الزوجين تجاه الآخر، بل التفاهم حول طبيعة العلاقة الزوجية بعد العودة من الطلاق، فقد يقوم أحد الطرفين بتصعيد شروطه ضد الشريك الذي يرغب في إعادة الشراكة باعتباره طرفا ضعيفا، لأن ذلك يتسبب في زيادة الجفاء وربما يقضي على فرص الوفاق بعد الشقاق.
يفضي هذا الرأي إلى أن هناك شبه اتفاق على أن الطلاق ليس بالضرورة هو القرار الأخير في الحياة الزوجية، وقد يمثل بداية لكيان أسري خالٍ من التوترات التقليدية، ويتوقف ذلك على وضع الطرفين للأسس التي يسيران عليها، وعدم تكرار أخطاء الماضي وعدم التطرق إلى الذكريات المؤلمة.
ويرى خبراء في العلاقات الاجتماعية أن أحد أهم معايير الحياة الزوجية السعيدة بعد الطلاق أن يتعلم كل طرف من الدروس التي قادت إلى الانفصال، ويتعلما التنازل عن بعض الأشياء والكف عن التفكير في النفس فقط، لأن العناد يعني الأنانية، ونهايته سلبية على الأسرة، في حين أن التفاهم أساس التعايش بين الزوجين.
ورأت هالة حماد أن المشكلة الوحيدة تقريبا التي يواجهها العائدون من الطلاق هي الاعتناء بالجانب النفسي للأبناء، وتحتاج حالتهم النفسية السيئة نتيجة انفصال الأب والأم إلى مداواة بحنكة وصبر وحسن تعامل بين الشريكين، حتى لا يشعروا بعودة الحياة المتقلبة.
الشق الأهم أن يدرك كل طرف في العلاقة الزوجية خطورة وضع الشريك في اختبار طوال الوقت لمعرفة حسن نواياه، والتركيز على تصرفاته للوقوف على حقيقة صدق مشاعره وتمسكه بترميم الشروخ، لأن ذلك يقود إلى تكرار نفس المشكلات تقريبا، حيث يشعر الطرف المراقب بأنه يعيش في ضغط نفسي وعصبي لإرضاء شريكهبكل السبل، وقد يعجز عن الاستمرار في ذلك.