قمة مصرية يونانية قبرصية لمواجهة الأطماع التركية

عززت القمة السابعة لحوار الطاقة بين مصر واليونان وقبرص جبهة التصدي لأطماع تركيا في موارد النفط والغاز في شرق البحر المتوسط، والتي تتلقى دعما عالميا للتكوين لمواجهة انتهاكات أنقرة للمياه الإقليمية القبرصية.
القاهرة – فرضت التحركات الإقليمية المتسارعة في منطقتي الشرق الأوسط وشرق المتوسط المزيد من الاهتمام بالقمة السابعة بين مصر واليونان وقبرص التي عقدت أمس في القاهرة.
وتأتي القمة عقب إصرار أنقرة على استفزازاتها بشأن غاز شرق المتوسط، وإرسال سفينة خامسة للتنقيب عن الغاز في المياه الإقليمية القبرصية السبت الماضي.
وقال الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده بقصر الاتحادية مع الرئيس القبرص نيكوس أناستاسيادس ورئيس الوزراء اليونانى كرياكوس ميتسوتاكيس إن الدول الثلاث “اتفقت على ضرورة حماية أمن شرق البحر المتوسط، ومنع التصرفات الأحادية التي من شأنها زعزعة الاستقرار بالمنطقة”.
وندد الزعماء الثلاثة بالتصرفات التركية “غير المسؤولة التي تعد اعتداء صارخا على السيادة القبرصية”، وطالبوا بضرورة تكاتف المجتمع الدولي من أجل التعاون في حماية حقوق الطاقة والغاز بالمنطقة.
وأصبحت الدول الثلاث تقف على أرض أكثر صلابة في مواجهة الانتهاكات التركية، إذ نجح قادتها في تقريب الرؤى وتجسير الهوة على مدار السنوات الماضية، تحت مظلة توفير الحماية الاقتصادية والسياسية والعسكرية اللازمة لشرق المتوسط.
وقد تبع ذلك تشكيل منتدى جامع يضم الدول المعنية بالغاز في هذه المنطقة، وبدأت الولايات المتحدة تشارك في فعالياته.
ومنح انخراط واشنطن مؤخرا بصفة مراقب في المنتدى الدول المعنية مباشرة بغاز شرق المتوسط ميزة نسبية كبيرة، قد تضفي صبغة استراتيجية على تحركات دوله الرئيسية.
ويقول محللون إن اكتشاف شركة إكسون موبيل، عملاق الطاقة الأميركي، في فبراير الماضي احتياطات كبيرة
للغاز الطبيعي في البلوك رقم 10 القبرصي كان إعلانا عن دخول الولايات المتحدة كلاعب مهم في غاز شرق المتوسط.
وكرست القمة نجاح التكتل الذي سعت إليه الدول الثلاث منذ 2014 لحماية شرق المتوسط عبر تشكيل جدار متعدد الأقطاب لمواجهة كل تصرفات خارجة عن القوانين الدولية المنظمة لعمليات التنقيب عن الموارد الطبيعية، وبدت كأنها موجهة أصلا لردع أنقرة، وتوصيل رسالة بأن تصرفاتها السلبية لن يتم السكوت عنها.
ووصف وزير الخارجية القبرصي نيكوس كريستودوليدس استفزازات تركيا المستمرة بـ”النغمة الشاذة في شرق المتوسط”.
وقال إن “تركيا تتبع سياسة البوارج الحربية، ما يمثل انتهاكا للقانون الدولي ويأتي على حساب مصالح دول المنطقة بأسرها”.
وجاءت القمة، المؤجلة منذ يوليو الماضي بسبب إجراء الانتخابات البرلمانية في اليونان، بعد أيام قليلة من تحذيرات أطلقتها الولايات المتحدة وفرنسا ضد أنقرة بشأن أنشطة التنقيب غير القانونية التي تقوم بها تركيا قبالة السواحل القبرصية.
وحذر مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي خلال زيارته لليونان السبت الماضي من مغبة التصرفات التركية الأحادية، ووعد بردّ قاس حال تمادي أنقرة في انتهاكاتها للحقوق القبرصية.
ويقول متابعون إن أهمية هذه القمة تأتي كونها متزامنة مع ظهور تكتل دولي صاعد ضد التحركات التركية في المنطقة، الأمر الذي جعل المنتدى جبهة لتقويض كل الأطماع في مكامن الطاقة في تلك المنطقة.
وجاءت محاولة التنقيب التركية الأخيرة قريبة من حقل جلاوكوس-1، الذي يبعد 70 كيلومترا عن السواحل القبرصية، ما يمثل انتهاكا واضحا لحقوق الامتياز التي حصلت عليها شركتي إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية.
وعززت اجتماعات منتدى الشرق متوسط في يوليو الماضي بالقاهرة من فرص توسيع أطر التعاون، حيث شاركت فيها إيطاليا وإسرائيل وفلسطين وفرنسا والولايات المتحدة والأردن والاتحاد الأوروبي، بجانب مصر واليونان وقبرص، واتفقوا على ضرورة حماية حقوق الأعضاء بالكامل في مواردهم الطبيعية وفقا للقانون الدولي.
وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب”، أن هذه الخطوة مثلت تطورا نوعيا في التعاون الإقليمي، ووفرت “شبكة قوية وغير مسبوقة في منطقة شرق المتوسط، قادرة على حماية حقوق حقول الغاز في المنطقة من أي انتهاكات، لأن المصالح التي تجمع دول المنتدى تفرض التكاتف لحماية أعضائه، والتصدي لأي دولة تحاول تجاوز حدودها”.
لأنقرة سوى الكوارث
وقال أيمن سمير، الخبير المصري في الشؤون الإقليمية، إن “القاهرة لديها مخاوف في نوايا تركيا في مسألة الحفر في المياه الإقليمية القبرصية، وتحديدا الكتلة رقم 7 في المنطقة الاقتصادية الخالصة، وهذه الإجراءات الأحادية تزيد من التوتر، ويمكن أن تؤثر على فرص الاستثمار الجاد”.
لكنه أضاف لـ”العرب” أن لدى منتدى المتوسط “فرصة للاستفادة من رعونة تركيا وسياساتها المعادية لدول كبرى، بما يوجد آلية فعالة ومنفتحة ورادعة لمحاولات انتهاك القانون الدولي في مجال التنقيب والحدود البحرية”.
ويربط اقتصاديون التحركات التركية الأخيرة في شرق المتوسط مع العملية العسكرية في شمال شرق سوريا بشأن “المنطقة الآمنة”، خاصة مع تحول مواقف الرئيس رجب طيب أردوغان إلى أوراق سياسية واقتصادية لتجنب المزيد من الضغوط على اقتصاد بلاده الذي يمر بمرحلة حرجة.
وأوضح الباحث التركي، محمد عبيدالله، لـ”العرب”، أن أردوغان يستغل القضايا المتنازع عليها لابتزاز الدول ومحاولة إخضاعها لسياساته.
وأضاف “أردوغان يتغذى على الأزمات ويحاول استغلالها في استفزاز المخاطبين والحصول على النتائج التي يرغب فيها”.
ولفت عبيدالله إلى أنها على الصعيد الخارجي لم تجلب سوى الكوارث، لأن التهديدات لا تجدي نفعا، ودول عديدة باتت تعارض تصرفاته وتعتبرها مهددة لأمن واستقرار المنطقة، وبينها التنقيب عن الغاز على السواحل القبرصية.