فيلم كوميدي يعالج مشكلات الرجال في خريف العمر

"وقفة رجالة" يعيد الاعتبار للممثلين المخضرمين في السينما المصرية.
الخميس 2021/02/11
للشيخوخة أزماتها الخاصة

حقّق فيلم “وقفة رجالة” قفزة في السينما المصرية تتجاوز الإيرادات أو الإشادة المزدوجة من الجمهور والنقاد، إلى إعادة صياغة مفاهيم محدّدة تتعلّق بقيام الفيلم على كتف شاب مفتول العضلات أو بطلة جميلة، فيما تقتصر أدوار الفنانين المخضرمين على المساندة، ولعب دور قلما يكون محورا رئيسيا في الفيلم، ليكسر العمل تلك الثيمة ببطولة جماعية لمجموعة من كبار ممثلي السينما سنا وفنا.

القاهرة – جذب فيلم “وقفة رجالة” المعروض حاليا في العديد من دور السينما المصرية، الأنظار إليه كثيرا، وهو من بطولة ماجد الكدواني، وبيومي فؤاد، وسيد رجب، وشريف الدسوقي، بينما يأتي في أدوار المساندة، الفنانة الشابة أمينة خليل والممثل الشاب محمد سلام، وهو من إخراج أحمد الجندي، وتأليف هيثم دبور.

قلب الأدوار

قلب الفيلم بتلك الخلطة النموذج التقليدي في السينما المصرية، والتي لا تتعرّض كثيرا لأزمات كبار السن أو تعتبرهم مادة دسمة يمكن أن تقدّم بمعزل عن الخلطة المحددة والقائمة في غالبيتها إما على الكوميديا وإما على الإثارة المبتذلة، حيث الزجّ براقصة أو مطرب شعبي دون سياق منطقي، أو هدف سوى تحقيق الإرادات.

تبدّلت في هذا الفيلم المراكز، ليلعب الشباب أدوار المساندة، سواء الممثلة أمينة خليل التي سبق وأن لعبت أدوار بطولة في العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية، أو الفنان الشاب محمد سلام الذي برز في الفيلم ككوميدي من طراز رفيع، ويمكنه منافسة نجوم الصف الأول في هذا المجال، خصوصا وأن الفيلم منحه مساحة مميزة في الكوميديا تختلف عن أدوار سابقة له، سواء في التلفزيون أو السينما، قد لمع في البعض منها، وأخرى واجهت أزمات في الكتابة فكان معها ظلم لموهبته.

الفيلم المصري يعدّ تعريبا ذكيا لفيلم “فيغاس الأخيرة” لنجوم هوليوود روبرت دي نيرو ومايكل دوغلاس ومورغان فريمان وكيفين كلاين
الفيلم المصري يعدّ تعريبا ذكيا لفيلم "فيغاس الأخيرة" لنجوم هوليوود روبرت دي نيرو ومايكل دوغلاس ومورغان فريمان وكيفين كلاين

قفز “وقفة رجالة” على كل ذلك، ليثبت أن السينما ليست حكرا على الشباب والفتيات الجميلات، أو أن من تجاوزوا الخمسين عاما لا يستطيعون أن يحملوا أفلاما كاملة على أكتافهم، في بطولة مطلقة لا تسرق الكاميرا منها إلا أغاني شعبية أو رقصات، أو دورا لفنان وفنانة من نجوم الصف الأول.

قبل مغامرة هذا الفيلم حُرم نجوم كبار لهم رصيد فني زاخر وبصمات في السينما من تلك الفرصة، مثل الفنانين الراحلين: حسن حسني، وأحمد راتب وخالد صالح.

وعلى الرغم من نجاح تلك المغامرة المحسوبة التي تلعب بالكبار فنا وسنا، فإن تكرارها ليس مضمونا لتحقيق النجاح ذاته، إذ تعتمد على ورق مكتوب بحرفية تتناسب مع تقديم تلك الفئة في إطار كوميدي دون ابتذال، وفي الوقت ذاته بمضمون يحمل قضايا وليس مجرد جعجعة فارغة أو ضحك من أجل الضحك.

واستطاع هذا الفيلم أن يجمع بين الأمرين، لكن لا يمكن تجاهل أنه يعد تعريبا ذكيا أو قريبا من الفيلم الأجنبي “فيغاس الأخيرة” بطولة روبرت دي نيرو، مايكل دوغلاس، مورغان فريمان وكيفين كلاين، من إنتاج العام 2013، ويدور حول مجموعة من أصدقاء الطفولة يجتمعون بعد فترة لحضور زفاف أحدهم في مدينة لاس فيغاس، لتحفّ بهم مجموعة من الأحداث والمفارقات في إطار كوميدي.

ويدور الفيلم المصري في إطار مجموعة من الأصدقاء أيضا، يجتمعون في رحلة بإحدى المدن الساحلية، للتخفيف عن صديقهم الذي توفيت زوجته حديثا، وهو عادل الذي يقوم بدوره الفنان سيد رجب، فيما استطاع الفيلم تقديم أربع شخصيات مختلفة من الرجال يعيشون أربع أزمات دائمة الحدوث في المجتمع المصري، وتثار دوما لدى تلك الفئة العمرية، وإن كانت لا تقتصر عليها.

وقفة مع الذات

مفارقات لا تخلو من طرافة
مفارقات لا تخلو من طرافة

يتجوّل الفيلم بخفة وحرفية بين مشكلة الوحدة التي يجسّدها الفنان ماجد الكدواني، وهو الصديق الثري الذي يمتلك المال لكن يفتقر إلى الهدف، ثم أزمة الصمت الزوجي، والذي يمثلها الفنان بيومي فؤاد، وإن كان السيناريو تجاهل الإشارة إلى دور الأبناء، الأمر نفسه بالنسبة إلى أزمة رحيل أحد الزوجين والتي يجسّدها الفنان سيد رجب، وأخيرا أزمة تنميط دور الأب واقتصاره على تمويل الأسرة وتجاهل مشاعره ورغباته والتي يجسّدها الفنان شريف الدسوقي.

وتبدو الأزمات السابقة التي تنضج في مرحلة الشيخوخة، لا تظهر فجأة، فهي أزمات تبنى بالتراكم إلى درجة أن الكثيرين لا يلتفتون إليها ويتكيّفون معها إلى أن تصبح من الروتين اليومي وأزمة متكرّرة، وهنا يعمل الفيلم على التحذير من ذلك، ولفت الانتباه إلى المخاطر، في إطار كوميدي خفيف، وتقمّص كل شخصية من الفنانين برشاقة رفيعة وحرفية عالية لدوره، انطلاقا من صياغة جلسات أصدقاء شديدة القرب والصدق بكل ما تحمله من اختلافات ومشاحنات.

ويقدّم الفيلم أيضا دليلا عمليا على أن الحياة لا تنتهي بعد سن الستين، أو أن الوقوف لإجراء مراجعات والتفكير في الأزمات لا يرتبط بفترات عمرية محدّدة، والقيام بـ”وقفة” مع الذات، أو الرجوع إلى الأصدقاء لتصحيح الأخطاء ليس بالحديث النظري.

أما الجانب العملي الذي يتجاوز الفيلم إلى الواقع، أن ثلاثة من نجوم الفيلم وصلوا إلى الشهرة، وجذبوا الجماهير بعد محاولات طويلة استنزفت طاقاتهم في فترة الشباب، غير أن العزيمة ومواصلة السعي أوصلتهم إلى أن يصبحوا نجوم فيلم واحد، وهم: بيومي فؤاد وسيد رجب وشريف الدسوقي.

الفيلم يتعرّض لأزمات كبار السن، ويكشف حجم ما يعانونه من روتين ووحدة بعد أن تخلى عنهم أبناؤهم عن غير قصد

وتجاوز الفيلم إجراءات التباعد الاجتماعي بسبب جائحة كورونا، وحقّق إيرادات كبيرة (نحو نصف مليون دولار) خلال أسبوعين، ونال إعجاب الجماهير التي لا تكفّ عن الضحك على مدى أطواره، وتبقى في صورة أسر كاملة، حيث يصنّف الفيلم أنه لـ”الجمهور العام”، لكن لم يجعله كل ذلك يسلم من أزمات السينما المصرية.

ونشبت أزمة بين الفنان شريف الدسوقي والمنتج أحمد الجنايني، إذ يؤكّد الأول عدم حصوله على مستحقاته المالية من الفيلم، ويهدّد بالانتحار في حال لم يحصل على مستحقاته، في مشهد دراماتيكي، قبل أن يتدخل نقيب الفنانين المصريين أشرف زكي، لإنهاء الأزمة وعقد صلح بينهما، وتسوية الأمر.

والدسوقي فنان مسرحي حاز على جائزة أفضل ممثل في مهرجان القاهرة السينمائي عام 2018، ثم عرف الشهرة الجماهيرية اللافتة فقط العام الماضي، خلال مشاركته في مسلسل “بـ100 وش” حيث لعب دور “سبعبع” الفنان المغمور “كومبارس” الذي يقضي حياته في الشرب والعربدة، ثم يصبح جزءا من العصابة.

وعلى النقيض تماما، يقدّم الدسوقي دوره في فيلم “وقفة رجالة”، حيث يلعب دور ستيني شديد التقليدية، أب أسرة في المقام الأول، تتراجع اهتماماته أو حياته ليصبح مجرّد هامش في حياة أبنائه، حتى أنه يصبح نكتة بينهم حين يأخذ رأيهم في زي السباحة “المايوه” قبل رحلته مع أصدقائه إلى البحر.

وأجاد الدسوقي على نحو لافت تجسيد دوره، ليس فقط لقدرته الشديدة في الأداء، وإنما أيضا لقربه من الجماهير، كذلك سيد رجب، حيث بدا الرجلان الأقرب إلى الطبقة الوسطى العريضة، والأكثر شبها وقدرة على التكرار في حياة الجماهير.

وكان أكثر المشاهد تراجيدية في الفيلم، وشديد العمق على بساطة صياغته، هو مشهد الدسوقي عندما يروي أزمة الشخصية التي يجسّدها، حين يقول أن أبناءه لا يتذكّرون عيد ميلاده، وبات مجرد ماكينة للصرافة، وأنهم حتى حين يتذكرونه يحضرون قالب الحلوى بالفانيليا، على الرغم من أنه يحب الشيكولاته، لكنهم يحضرون ما يحبّون هم.

وكالعادة أبدع ماجد الكدواني وبيومي فؤاد في المزاوجة بين الكوميديا والجدية، مع استخدام تعابير الوجه الجذابة، والتي تؤكّد أن كليهما فنان كبير سنا ومقاما.

شريف الدسوقي في واحد من أنجح أدواره السينمائية
شريف الدسوقي في واحد من أنجح أدواره السينمائية

 

16