فسحة الثورة في تونس انتهت: المحاكمات التعسفية و"الانتهاكات" تستنفر الحقوقيين

تصاعد التمييز ضد المرأة وسط مساع لإحياء مشروع المساواة في الميراث والحريات الفردية.
الخميس 2021/03/11
غضب يتفاقم

تُثير محاكمات جرت في الآونة الأخيرة لنشطاء شاركوا في الاحتجاجات التي تعرفها تونس، مخاوف أوساط حقوقية من أن تؤدي إلى تراجع محتمل على المكاسب التي أفرزتها ثورة 14 يناير 2011 على مستوى الحريات على غرار حرية التعبير.

تونس – بالرغم من تغني العديد من الأوساط السياسية في تونس على غرار الإسلاميين وبعض اليساريين بمنجزات ثورة 14 يناير 2011، غير أن المناخ العام بات يوحي بأن الفسحة التي منحتها الثورة للتونسيين قد انتهت مع توالي المحاكمات التعسفية لنشطاء وتزايد العنف والتمييز الموجه ضد المرأة.

وفجرت محاكمة الناشطة رانية العمدوني التي حُكم عليها بـ6 أشهر سجنا نافذة بتهمة “هضم جانب موظف عمومي” سجالات بين حقوقيين بارزين والسلطات، لاسيما أن هذا الحكم الذي يوصف بالقاسي، جاء أياما بعد حملة أمنية واسعة ضد نشطاء شاركوا في الاحتجاجات الشعبية التي عرفتها تونس منذ منتصف يناير الماضي.

وتعيش تونس على وقع هزات اجتماعية وسياسية عاظمت المخاوف من أن تؤدي في نهاية المطاف إلى تقويض الديمقراطية الناشئة، لاسيما أن تلك الهزات عكست تعمق الهوة بين الشارع الغاضب على خيارات الطبقة السياسية برمتها والسلطات.

مناخ “استبدادي”

نظم العشرات من الشباب في تونس نهاية الأسبوع الماضي وقفة احتجاجية في العاصمة تنديدا بالحكم الصادر في حق رانيا العمدوني وكذلك بعض “تجاوزات الشرطة”، ما فتح مجددا النقاش حول الواقع الحقوقي في البلد الذي يعد استثناء في الدول التي شهدت الربيع العربي.

وأصدر القضاء التونسي الخميس الماضي حكما بالسجن ستة أشهر بحق الناشطة المدافعة عن حقوق المرأة رانية العمدوني (26 عاما)، لشتمها عناصر من الشرطة بعد عدم تمكنها من تقديم شكوى ضدهم وفق قولها، وهو ما أعاد المخاوف من المساس بالحريات إلى الواجهة وبقوة.

سعيدة قراش: هناك استدعاء لحقبة بن علي (الرئيس الراحل) في التعامل مع الاحتجاجات

ويُنظر لتجربة الانتقال الديمقراطي في تونس على أنها تجربة رائدة رغم النكسات على المستوى الاقتصادي، حيث ترزح البلاد تحت وطأة أوضاع صعبة فاقمت المديونية والاحتجاجات للمطالبة بوظائف وغيرها.

ولكن هذه التجربة باتت عُرضة لانتقادات عدة في ظل ما تقول عنه أوساط حقوقية تعرض شبان إلى انتهاكات من قبل الشرطة، آخرها كان في أعقاب الاحتجاجات الشعبية التي عرفتها البلاد.

ومن بين تلك الانتهاكات، وفقا لهذه الأوساط الحقوقية، فقدان شاب لخصيته في ولاية (محافظة) المنستير الساحلية، ووفاة شاب بعد أن امتنع رجال الشرطة عن مده بدوائه بمركز الإيقاف بولاية صفاقس جنوب البلاد.

وفاقمت هذه الحوادث الغضب لدى الشباب الذي تدعوه قوى سياسية راديكالية يسارية إلى المزيد من التنظم والتظاهر لمواجهة السلطات، متمثلة في حكومة هشام المشيشي المسنودة بحزام برلماني تقوده حركة النهضة الإسلامية.

وقالت مستشارة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي والحقوقية سعيدة قراش، إن “المناخ العام في البلاد يجعل من المخاوف جدية بشأن الواقع الحقوقي والحريات”.

وأضافت قراش في تصريح لـ”العرب” أن “الإشعارات التي تصل سواء في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أو غيرها مثل الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، توحي بأن هناك استدعاء لحقبة بن علي (زين العابدين، الرئيس التونسي الراحل)، فئة الشباب خاصة تتعرض للانتهاكات، ونحن نعرف أن فئة الشباب تكون صدامية وتطلعاتها كبيرة وهي منخرطة في الاحتجاجات”.

المرأة التونسية أحيت في الـ8 من مارس مثل غيرها من نساء العالم اليوم العالمي لحقوق المرأة وسط استياء من سياسات الدولة تجاهها، حيث لم تتردد فعاليات نسائية في اتهام السلطات بالتمييز ضد المرأة

وأحصت أوساط حقوقية تونسية توقيف أكثر من 1000 شاب خلال الاحتجاجات التي عرفتها البلاد منذ منتصف يناير الماضي.

وتتعالى الأصوات إلى ضرورة تفهم هؤلاء الشباب الذين هم بالأساس من الذين يتطلعون إلى تحصيل مكاسب جديدة في العديد من الميادين، سواء في سوق الشغل أو على مستوى الحقوق والحريات.

وقالت قراش إن “هؤلاء الشباب كبروا خلال حقبة الثورة، عند اندلاع الثورة كانت أعمارهم تتراوح بين 10 و15 سنوات، لم تتقدم لهؤلاء أي استجابة لتطلعاتهم الكبيرة سواء على مستوى تحشيد الحريات أو الشغل وغيره، الجيل الجديد الذي يحتج له طريقة اتصال وتواصل مختلفة وطريقة تعبير مختلفة أيضا، ونحن نحاول إعطاء هؤلاء الشباب دروسا بطريقة تسلطية، هنا المشكلة”.

إفلاس سياسي للسلطة

Thumbnail

منذ اندلاع الاحتجاجات في يناير الماضي في تونس ترددت كثيرا شعارات مناوئة للطبقة السياسية الحاكمة التي تنصلت من تحمل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية الصعبة في البلاد.

ويرى مراقبون أن تلك الطبقة التي تشكلها في الوقت الراهن حركة النهضة الإسلامية وحزب قلب تونس وائتلاف الكرامة الشعبوي، تتحمل مسؤولية الأزمة باعتبار أنها انصرفت لتجاذبات سياسية أخرى دون الالتفات لمشاغل الشعب الحقيقية، علاوة على عدم امتلاكها لرؤية تُخرج البلاد من وضعها الصعب.

وقال محمد صالح العبيدي المحلل السياسي التونسي، إن “الأزمة الحالية بين الحكومة والشارع تكشف عن فشل الطبقة السياسية ككل، ولكن تحديدا الأحزاب الحاكمة أو تداولت على الحكم خلال العشرية التي تلت الثورة، لاسيما حركة النهضة التي كانت ممثلة في جل الحكومات”.

محمد صالح العبيدي: الأزمة الحالية بين الحكومة والشارع تكشف فشل الأحزاب الحاكمة

وتابع العبيدي في تصريح لـ”العرب” أن “هذه الأحزاب ليس لها أي مقاربة لحلحلة الأوضاع، وأكاد أجزم أن حالة عدم الاستقرار السياسي تخدمها لأنها أحزاب انتهازية تمنحها حالة انعدام الاستقرار فرصة التبرؤ من أي مسؤولية حول الأزمة، لذلك تخدمها عملية إسقاط حكومات برمتها والاستمرار في تلك التجاذبات”.

 ويوضح “المشكلة أن الرسالة لم تصل بعد أو من يحكمون يحاولون إيهام التونسيين بأنهم لم يتلقوا بعد أي رسالة من الشارع، نفس الأحداث التي شهدتها تونس في فترة حكم بن علي نراها اليوم، لم يفهموا بعد أن اللجوء للحلول الأمنية لا يحل المشكلة بل يؤجل الحسم فيه، وعادة ما يكون للشارع كلمة الحسم”.

وتُساير سعيدة قراش محمد صالح العبيدي في رأيه، حيث تشدد في تصريح لـ”العرب” على أن “من هم في السلطة أفلسوا، الارتباك على مستوى الخيارات والقرارات سواء في الحكومة أو خارجها (حزامها والداعمين لها)، يثبت أن لهؤلاء تصورا تسلطيا غير ديمقراطي، هناك احتجاجات انطلقت مثلا في 2018 ضد قانون المالية وشهدنا احتجاجات ليلية، لكن المحتجين تنظموا بعد ذلك ليعبروا عن مواقفهم وآرائهم في وضح النهار ولم نتابع حملة اعتقالات كما التي نراها اليوم، ما يؤكد أن هذه السلطة فقدت الثقة في نفسها”.

وأضافت قراش أن “تلك السلطة تعتقد أنه من الممكن معالجة مثل هذه المشكلات بالعصا الغليظة، هذا خطأ لأنه لا يمكن إلا أن يؤدي ذلك إلى تأجيج الوضع وإضعاف السلطة، لأن الاحتجاجات قد تقوى والانتهاكات تقويها فعلا”.

ومن جهتها، تحمل الناشطة السياسية والحقوقية بشرى بلحاج حميدة الدولة والسلطة مسؤولية تردي الأوضاع في تونس قائلة “مع الأسف، منذ الثورة نرى موجة من انتهاكات حقوق الإنسان، وخاصة منها حرية التعبير، علاوة على الأحكام في بعض القضايا الأخرى مثلا استهلاك القنب الهندي، الغريب أن الدولة بما فيها القضاء غير قادرة على مواكبة العصر ولا المرحلة التي يعتبرها الشابات والشبان ثورية تستوجب قرارات ثورية لا أحكام  قائمة على قوانين بالية، والحال أن اللجوء إلى الدستور والاتفاقيات الدولية والتوجهات الدولية العصرية في مجال حقوق الإنسان بما فيها الصحة، تتيح للقضاء إزاحة القوانين القمعية”.

وتُضيف بلحاج حميدة لـ”العرب” متسائلة “كيف تتجرأ الدولة على قمع شباب لم تعطه أي شيء، بل أخذت منه الأمل والطموح، بل حتى تعلقه بالوطن”.

تمييز ضد المرأة

Thumbnail

أحيت المرأة التونسية الاثنين كما غيرها من نساء العالم اليوم العالمي لحقوق المرأة وسط استياء من سياسات الدولة تجاهها، حيث لم تتردد العديد من الفعاليات النسائية في اتهام السلطات بالتمييز ضد المرأة، لاسيما في الحكومة الحالية التي تكاد تخلو من التمثيل النسائي.

كما مثلت المناسبة فرصة لإعادة النفخ في رماد مشروع قانون المساواة، الذي يرى مراقبون أنه قُبر لاسيما في ظل عهدة البرلمان الحالي المنقسم على نفسه وهيمنة تيارات محافظة عليه.

وقالت رئيسة لجنة المرأة والأسرة في البرلمان أميرة شرف الدين، إنهم سيسعون إلى عرض مشروع قانون المساواة في الميراث والحريات الفردية، الذي كان من مخرجات لجنة بعثها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي في وقت سابق.

بشرى بلحاج حميدة: كيف تتجرأ دولة على قمع شباب لم تعطه أي شيء، بل أخذت منه كل شيء

وأوضحت شرف الدين أن هذا المشروع “يوجد في أدراج المجلس منذ 2018” مؤكدة أن “هناك توظيفا وابتزازا سياسيا” لحقوق المرأة.

وفي تعليقها على هذه المحاولة استبعدت رئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة بشرى بلحاج حميدة، أن ينجح البرلمان التونسي بتركيبته الحالية في تمرير مشروع القانون الذي أثار جدلا واسعا في الشارع منذ إصداره.

وقالت بلحاج حميدة في تصريح لـ”العرب”، “لا أتصور أن الوضع الحالي للمجلس (النيابي) وما يحصل فيه من تجاذبات سياسية يساعد على المصادقة على هذا المشروع، قد يتحمس له بعض النواب والنائبات، لكن لا أتصور أن هناك كتلة واحدة مستعدة للدفاع على إدراجه في جدول الأعمال والمصادقة عليه”.

وبالرغم من شبه الإجماع الذي يسود جل الأوساط حول استبعاد توصل البرلمان الحالي إلى إقرار مشروع قانون المساواة، غير أن ذلك لا يحجب تحقيق مكاسب أخرى حيث فُتح نقاش مجتمعي بشأن المسألة.

وتقول قراش إنه “ولو يبقى هذا المشروع 50 سنة أخرى لكي يتم تمريره فإن الصعب تم إنجازه، النقاش المجتمعي تم إرساؤه لذلك لم تعد مسألة الحديث عن المساواة حكرا على فئة معينة (النخبة أو غيرها)، هذا علاوة على تخلص الناس من عقدة الفهم الديني للمسألة”.

واستنتجت أن “هناك قناعة بدأت تترسخ أيضا أن المساواة ضرورية اليوم في ظل غياب العدالة الاجتماعية وغياب التوزيع العادل لثروات في علاقة بمن يخلقها سواء داخل الأسرة أو في المجتمع، وبالتالي هذا النقاش مكسب كبير لأنه ضروري أن يتقبله المجتمع أولا لأن تمرير المشروع يخضع للتوازنات السياسية داخل البرلمان ولموافقة الرئيس في ما بعد لإمضائه وغيرها من الشروط”.

13