عودة المعارضين اختبار جدي لمساحة الحرية في مصر

لا تتوانى السلطات المصرية في التمسك بمحاسبة المعارضين العائدين من الخارج طواعية ما لم تلحق بهم شبهات المس بالأمن القومي أو التعدي على هيبة الدولة قبل انخراطهم في المشهد السياسي مجددا، إلا أن الأمر يبدو مختلفا مع أولئك الذين تواطأوا مع جماعة الإخوان، مما اعتبره مراقبون سياسيون اختبارا جديا لمساحة الحرية وحقوق الإنسان في البلد.
القاهرة- حملت عودة المعارض والمخرج السينمائي المصري خالد يوسف إلى البلاد قبل أيام، وتركه طليقا يمارس حياته بشكل طبيعي، مقارنة بحبس الصحافي جمال الجمل فور عودته من تركيا، رسائل مباشرة بأن التسامح مع المعارضة الخارجية مرهون بعدم التحريض أو مساندة جماعات ساعدت على إحداث توترات داخلية.
وكان لافتا للمنشغلين بالعمل السياسي في مصر أن يصل يوسف من باريس لتلقي العزاء في وفاة شقيقه بمحافظة القليوبية المجاورة للقاهرة، بل ومساعدته لإقامة سرادق يتلقى فيه العزاء رغم تعليمات الحكومة بمنع التجمعات ضمن إجراءات احترازية فرضها انتشار فايروس كورونا.
قبل ذلك بأيام قليلة اعتقلت أجهزة الأمن جمال الجمل فور وصوله إلى مطار القاهرة قادما من إسطنبول، بحكم أنه من بين الأسماء المدرجة على قوائم ترقب الوصول، بعد اتهامه بالضلوع في مساندة جماعة الإخوان والترويج لأفكارها والتحريض على ارتكاب أعمال عنف، والظهور على منصات معادية لتأليب الرأي العام في مصر.
لا تسامح مع الإخوان

إكرام بدرالدين: عودة أي معارض طواعية لا تعني غض الطرف عن محاسبته
لم تنصع الحكومة إلى دعوات حقوقية سياسية بسرعة الإفراج عن الجمل حتى الاثنين الماضي لتوصيل رسالة بعدم التسامح مع المعارضة المتواطئة مع الإخوان.
واعتادت جماعة الإخوان توظيف ورقة المعارضين بالخارج لتأليب دول ومنظمات حقوقية غربية على مصر، واستخدمت شخصيات عديدة لا تنتمي إليها عقائديا للتدليل على سماحتها في مواجهة النظام الحاكم في القاهرة.
وتحمل المقارنة بين موقف يوسف، الذي نأى عن الالتصاق بالإخوان، والجمل القريب منهم، مضمونا حادا للمعارضين المقيمين في دول تكنّ عداء للنظام المصري، وأنها تتسامح في أي شيء إلا دعم الإرهاب، حيث دعمت المقارنة بإفراجها الأحد عن ثلاث شخصيات معروف عنها مناوءة السلطة بعد وقت من إيداعهم السجن.
وشملت قائمة المفرج عنهم خالد داود رئيس حزب الدستور السابق وإسلام الكلحي الصحافي في موقع “درب” اليساري ومصطفى صقر رئيس تحرير صحيفة “البورصة”، وكانوا متهمين بنشر أخبار كاذبة.
وأكد رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة إكرام بدرالدين لـ”العرب” أن عودة أي معارض طواعية لا تعني غض الطرف عن محاسبته على أفعاله الخاطئة التي ارتكبها بالمخالفة للقانون، فهناك معايير تحكم تعامل الدول بعيدا عن كونه معارض رأي، فالمشكلة في من قام بالتحريض ضد الدولة وحض على العنف.
ولم يظهر خالد يوسف على الساحة السياسية منذ عودته إلى البلاد منتصف الأسبوع الماضي، لكن بعض المؤشرات تقول إن عودته إلى المشهد ممكنة لحاجة الحكومة إلى معارضة تملأ الفراغ الحاصل حاليا في الفضاء العام وتبدو كأنها تسمح للمعارضين بالحركة.
وأشار رئيس حزب مصر الديمقراطي فريد زهران إلى أن تعامل الحكومة مع يوسف يعني أنها مستعدة لعودة المعارضين، وتضمن لهم الأمان طالما التزموا بالمسارات السلمية في التعبير عن آرائهم، لكن هناك إشكالية لدى بعض الدوائر الرسمية في توصيف المعارضة السلمية ومدى ابتعادها عن مصالح جماعة الإخوان.
وقال زهران لـ”العرب” إن “الرسائل المباشرة التي تريد السلطة توصيلها لمعارضي الخارج أنهم إذا ابتعدوا عن القنوات التي تستهدف النظام ولم يشاركوا في تأليب الرأي العام عليه، تصبح عودتهم مرحبا بها”.
عملية غربلة

فريد زهران: الإشكال في توصيف المعارضة ومدى ابتعادها عن الإخوان
يستثني متابعون غالبية المقيمين في تركيا من المعارضة المصرية من عدم المحاسبة حال العودة إلى مصر لأنهم تمادوا في العداء، وجرى توظيفهم من قبل الإخوان وأنقرة والدوحة وواصلوا التحريض على الدولة.
وقد غضب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بشكل شخصي من مواقف جمال الجمل قبل فراره إلى تركيا، حيث هاتفه السيسي لنحو عشرين دقيقة، وقت كان يكتب مقالات جريئة في صحيفة التحرير وناقشه مباشرة في القضايا التي يتحدث عنها.
وشرح السيسي للجمل أنه لا يغضب من النقد إذا كان على أرضية وطنية ويخدم الصالح العام ويناقش القضايا الخلافية بشكل موضوعي متسلحا بالمعلومات.
واستمر الجمل على منهجه، ما أثار غضب الحكومة لأنه تجاهل كلام رئيس الدولة وتوضيحاته، ثم سافر إلى إسطنبول وضاعف من نبرته الحادة، بما تسبب في تصنيفه ضمن الشخصيات المؤيدة لتصرفات تركيا التي تستهدف مصر.
ويرى مراقبون أن التعامل مع خالد يوسف وجمال الجمل يعد تطبيقا عمليا لمقولة السيسي الشهيرة “الجميع سيحاسب” عندما تطرق في إحدى المؤتمرات الشبابية إلى من يستهدفون الدولة من الخارج وتحتضنهم دول معادية.
ومستبعد أن يمارس بعض العائدين السياسة بالطريقة التي سبقت خروجهم، لأنهم بحاجة لاستجلاء الموقف وقراءة المشهد بعناية وإعادة ترتيب الأوراق، حتى لو جاءت عودتهم بناء على قناعة بعدم استهدافهم.
ويعني السماح بعودة المعارضين أن الحكومة بحاجة إليهم للقيام بأدوار سياسية لتجميل صورتها في وقت قد تتعرض لضغوط كبيرة من الإدارة الأميركية بسبب ضيق هامش الحريات وعدم الرضاء على مستوى حقوق الإنسان في مصر.
عفو مشروط
حملت تلميحات حكومية متفرقة إشارة بأنها مستعدة لاستقبال معارضين، والإفراج عن المزيد من سجناء الرأي شريطة أن يكونوا على شاكلة يوسف لا الجمل، وأن المعايير التي تطبقها على المعارضين في الداخل والخارج واحدة.
وأوضح بدرالدين خلال تصريحات لـ”العرب” أن الحكومة المصرية لا تخترع العجلة عند محاسبة المعارضين إذا خرجوا عن القواعد القانونية، فهناك مسائل بعيدة عن حرية التعبير، لافتا إلى أن عودتهم تحمل هزيمة لفكرة المعارضة الخارجية.
وربما تشكل عودة بعض معارضي الخارج مأزقا للحكومة وتصبح مطالبة بالتعامل معهم بدون استهداف أمني، وتترك لهم مساحة مناسبة للحركة في الشارع والإعلام، طالما اختاروا المعارضة السلمية ونأوا عن الإخوان.
وأصبحت الحكومة مضطرة للبحث عن صيغة لاحتواء المعارضة لزوال الأسباب التي دفعتها للتضييق عليها، وهي الحرب على الإرهاب والاصطفاف الوطني وتوحيد جهود القوى السياسية خلف النظام الحاكم للقضاء على ما تبقى من قوى إسلامية.
من المستبعد أن يمارس بعض العائدين السياسة بالطريقة التي سبقت خروجهم، لأنهم بحاجة لاستجلاء الموقف وقراءة المشهد بعناية وإعادة ترتيب الأوراق
ومع ذلك فإن على السلطات المصرية تغيير الصورة الذهنية عنها الخاصة بكونها تستهدف كل صوت معارض، والأفضل لها الاحتواء للتأكيد على حسن نواياها تجاه القيام بخطوة هادفة للإصلاحات السياسية وفتح المجال العام.
وما يثير مخاوف البعض أن تتحجج الحكومة بعودة معارضين والإفراج الشرطي عن ناشطين وسياسيين للإيحاء بأنها منفتحة وليست لديها أزمة مع المناوئين لها من دون خطوات حقيقية للإصلاح والانفتاح، ما يكّرس استمرار المساحة الضيقة في الحريات.