عزلة الغنوشي تتفاقم بتعثر التعديل الوزاري وتبلور توافقات لإزاحته عن رئاسة البرلمان

في ظل تشبث الرئيس قيس سعيد بموقفه ورفضه للتعديل الحكومي ستجد البلاد نفسها أمام مأزق دستوري وسياسي يعمق أزمة الغنوشي والمشيشي.
الخميس 2021/02/04
مشتت بين الدفاع عن رئاسته للبرلمان والمعارك مع قيس سعيد

اتسعت دائرة عزلة رئيس حركة النهضة الإسلامية في تونس، راشد الغنوشي، الذي يرأس أيضًا البرلمان، وذلك بعد تعثر التعديل الوزاري الذي أجراه رئيس الحكومة هشام المشيشي وبداية تبلور توافقات في المجلس النيابي (البرلمان) بغية عرض لائحة جديدة لسحب الثقة من الغنوشي.

تونس- تتسارع التطورات السياسية في تونس على وقع التعديل الوزاري الذي أجراه رئيس الحكومة، هشام المشيشي، والذي يرفضه الرئيس قيس سعيد، ما زاد من عزلة حركة النهضة الإسلامية ورئيسها راشد الغنوشي الذي يرأس البرلمان أيضًا والمشيشي على حد سواء، وذلك وسط تحركات تنبئ بإعادة خلط الأوراق من جديد في المشهد السياسي التونسي المنقسم.

وترددت الأربعاء أنباء عن فشل الوساطات الرامية إلى حلحلة الأزمة بين أقطاب السلطة، حيث انقضت أمس آجال دعوة سعيد الوزراء بغية أداء اليمين الدستورية أمامه ليُصدر بعد ذلك مراسيم رئاسية تمكنهم من مباشرة مهامهم.

منجي الرحوي: أحرزنا تقدما لافتا في جمع الإمضاءات لسحب الثقة من الغنوشي
منجي الرحوي: أحرزنا تقدما لافتا في جمع الإمضاءات لسحب الثقة من الغنوشي

وفيما كانت الأوساط السياسية في البلاد تترقب أن تنجح إحدى الوساطات المحلية التي أطلقتها شخصيات وطنية مستقلة لانتشال البلاد من أزمتها، أكد الرئيس سعيد الأربعاء على تشبثه بموقفه الرافض لأداء الوزراء الذين تحوم حولهم شبهات فساد أو تضارب مصالح اليمين أمامه، وذلك خلال لقائه الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، المركزية النقابية في البلاد، نورالدين الطبوبي.

وأضاف سعيد أنه “بقدر ما يكبر في الاتحاد دوره الوطني، بقدر ما يتشبث بالمبادئ والاختيارات التي تعهد بها أمام الشعب، وأنه إن كان هناك حوار لحل هذه الأزمة فيجب أن يكون في ظل هذه المبادئ الواضحة والاختيارات التي لا لبس فيها”.

وفي ظل تشبث سعيد بموقفه ستجد البلاد نفسها أمام مأزق دستوري وسياسي يعمق أزمة الغنوشي والمشيشي، خاصة أن الحكومة التي بدت حركة النهضة الإسلامية ورئيسها من أبرز المدافعين الشرسين عنها بدأت تواجه معارضة شعبية واسعة، علاوة على المواجهة التي تنتظرها مع اتحاد الشغل الذي صعّد من لهجته إزاءها.

ووصل الأمر بالأمين العام لاتحاد الشغل، نورالدين الطبوبي، إلى القول الثلاثاء إن “هناك عصابة كاملة تُحيط برئيس الحكومة وتُشير عليه بالمصطلحات لاستعطاف ائتلاف الشر وغيره”، وذلك في إشارة إلى ائتلاف الكرامة المثير للجدل، حليف حركة النهضة الإسلامية وحزب قلب تونس، الذي يُشكل معهما الحزام السياسي والبرلماني للمشيشي.

وقال المحلل السياسي، خليل الرقيق، إن “الغنوشي يعيش عزلة حقيقية تعبر عنها تصريحاته الأخيرة اليائسة والمتخبطة والخارجة عن السياق الدستوري (…)، فهو يتحدث عن النظام البرلماني الكامل الذي لا يستقيم دستوريا وحتى بمنطق الغالبية لا يملك الغنوشي وحزبه الثلثين في البرلمان من أجل تعديل النظام وأصلا لا توجد محكمة دستورية لإتمام ذلك”.

وأضاف الرقيق في تصريح لـ”العرب” أن “هذه العزلة التي يعيشها الغنوشي ترجمتها أزمة التعديل الحكومي وأزمة اليمين الدستورية (…)، كل أساتذة القانون الدستوري يقولون إن سلطة رئيس الجمهورية تقريرية وليست تقديرية في هذا الصدد، بمعنى أن عدم أداء الوزراء لليمين الدستورية يعني عدم مباشرة هؤلاء لمهامهم (…)، نحن اليوم في وضعية اللاحكومة”.

خليل الرقيق: الغنوشي يعيش عزلة حقيقية عبرت عنها تصريحاته اليائسة
خليل الرقيق: الغنوشي يعيش عزلة حقيقية عبرت عنها تصريحاته اليائسة

وكانت عدة أطراف قد قامت بوساطات من أجل تقريب وجهات النظر بين الرئيس قيس سعيد والغنوشي يبدو أنها باءت جميعها بالفشل إثر رفض سعيد دعوة هؤلاء الوزراء إلى أداء اليمين الدستورية. 

وتداولت الكثير من الأوساط السياسية نهاية الأسبوع الماضي أنباء مفادها وجود وساطات أجنبية، ما أثار حفيظة بعض الشخصيات الأخرى التي رأت أن هذه التدخلات قد تؤزم المشهد وتفضي إلى فشل المبادرات والوساطات التي أطلقتها شخصيات مستقلة.

وقال رئيس الهيئة السياسية لحزب الأمل، أحمد نجيب الشابي، لـ”العرب” إنه “من المؤسف أن هناك أنباء عن تدخلات خارجية لحل الأزمة بين الرئاسات الثلاث (…)، إنه مؤشر خطير وظاهرة لم تعرفها تونس أبدا، وهو دليل على أن أزمتنا بدأت تتعمق”.

إضافة إلى ذلك تزايدت وتيرة الاحتجاجات على إدارة الغنوشي للبرلمان، وترجمها نواب مستقلون بتقديم لائحة جديدة من أجل سحب الثقة منه، وهي ليست اللائحة الأولى التي يواجهها رئيس حركة النهضة منذ توليه رئاسة المجلس النيابي سنة 2019.

وقال النائب البرلماني منجي الرحوي إن هناك “نوابا بدأوا التحرك من أجل استكمال الإمضاءات اللازمة لوضع اللائحة على أنظار مكتب البرلمان لتحديد جلسة عامة والتصويت على سحب الثقة من الغنوشي الذي فقّر الشعب التونسي ودمر مؤسساته الحكومية”.

وتابع الرحوي في تصريح لـ”العرب” أن “التحركات الآن تسير على قدم وساق، لقد أحرزنا تقدما لافتا من خلال الاتصال ببقية الكتل التي تعهدت بالالتزام بالإمضاء على العريضة والتصويت عليها ما عدا كتلتَيْ ائتلاف الكرامة والنهضة (…)، هذه اللائحة تأتي لأن الغنوشي يتحمل مسؤولية تدهور الأوضاع في البلاد وحالة الفوضى التي لا تنتهي في البرلمان وتطبيعه مع العنف بشكل فاضح، علاوة على إدراكنا أن البرلمان أصبح منصة من أجل خدمة أجندات الغنوشي الخاصة”.

فيما كانت الأوساط السياسية في البلاد تترقب أن تنجح إحدى الوساطات المحلية أكد الرئيس سعيد على تشبثه بموقفه الرافض لأداء الوزراء اليمين أمامه

 وبحسب الفصل 51 من النظام الداخلي للبرلمان يحق للنواب سحب الثقة من رئيسهم أو أحد نائبيه بموافقة الغالبية المطلقة من النواب، وذلك بناء على طلب كتابي معلل يوقعه 73 نائبا، ويُقدم إلى مكتب المجلس لتحديد جلسة عامة للنظر في ذلك.

ويُحاول الغنوشي تحصين موقعه في رئاسة البرلمان من خلال إبرام تحالف مع كتلة كل من ائتلاف الكرامة وحزب قلب تونس الذي يقبع رئيسه نبيل القروي في السجن.

وفي هذا الصدد قال خليل الرقيق إن “المشكلة لا تكمن في الـ73 إمضاء، المطلوبة لإيداع لائحة سحب الثقة وتمريرها للجلسة العامة (…)، هذا ممكن في أي يوم، إنما تكمن في حشد الـ109 أصوات من أجل سحب الثقة من الغنوشي (…)، الغنوشي الذي بات يعيش عزلة حقيقية سواء نجحت العريضة أو فشلت”.

4