عدسة مروان نعماني تحوّل صيادي بيروت إلى نحل أزرق

بالتعاون مع بلدية بيروت وبدعم من “مبادرة حسن الجوار” في الجامعة الأميركية بالعاصمة اللبنانية بيروت انتشرت في الهواء الطلق المُحمّل برطوبة البحر ورائحة الملح أعمال المصوّر الفوتوغرافي اللبناني مروان نعماني الفوتوغرافية، حيث أخذت الصور كموقع انتشار لها على طول كورنيش عين المريسة بين ساحة عبدالناصر وميناء جل البحر.
بيروت- لاقى مشروع المصوّر الفوتوغرافي اللبناني مروان نعماني التوثيقي لصور صيادي كورنيش عين المريسة بالعاصمة اللبنانية بيروت، استحسانا كبيرا من رواد الكورنيش البحري، فهو تكريم لصيادي رأس بيروت الذين قضى العديد منهم أكثر من نصف قرن في الصيد، ونوع من تسليط الضوء على مهنة توارثوها عن آبائهم وأجدادهم جيلا بعد جيل. مهنة
تشتدّ ممارستها صعوبة مع مرور السنوات لأسباب بيئية واقتصادية ومهنية جمة.
وفي حديث مع المصوّر مروان نعماني ذكر أنه لطالما كان محبا للبحر وللصيادين كونه أولا، ابن بيروت، وثانيا، لأن البحر يروق جدا له بكل ما يحمل من أجواء بصرية متناقضة.
لكنه حينما تعرّف على هؤلاء الصيادين عن كثب اكتشف أشياء لم يكن يعرفها عن تفاصيل حياتهم وعن مهنة الصيد، منها أساليب الصيد المتنوعة والضائقة المعيشية التي تعصف بهم.
وأضاف المصوّر اللبناني “أن الصيادين يردّون ذلك إلى تلوّث البحر وعمليات الردم المتكررة. بعض الصيادين قالوا لي إنهم كانوا يصطادون منذ ثلاثين عاما ما يقارب الـ20 كيلوغراما من السمك، أما اليوم فبالكاد يستطيعون صيد نصف كيلوغرام في اليوم الواحد”.
هدوء ثائر
جاءت صور مروان نعماني مضيئة على أيام صيادي كورنيش عين المريسة بمحاذاة وفي وسط البحر بعيدا عن ضوضاء المدينة والصعوبات العديدة التي تحملها بيروت إليهم، كما برزت موثّقة بأسلوب فني لافت لوجوه الصيادين شديدة التعبير ولحياتهم اليومية، وصولا إلى علاقتهم مع البحر كزرقة رحبة ومتقلّبة المزاج حوّلتهم إلى نحل أزرق لوّحته شمس ذهبية، وضوء قمر فضي رافقهم إلى بداية البحر قبل أن يغادرهم شيئا فشيئا عند اقتراب ساعة الفجر الأولى.
ويقول نعماني إن أجمل ما حدث له في هذا المشروع، هو تعرفه إلى شخصيات الصيادين المتواضعة والمحمّلة بهدوء عمق البحر وصخبه الظاهر على حد سواء، مشيرا إلى أن بعضهم في الـ75 من عمرهم، ومع ذلك لا يزالون يستيقظون الساعة الثانية فجرا للتوجه إلى البحر بقواربهم البسيطة التي باتت تحتاج إلى تحديث لا يملكون ثمنه.
وتضمن المعرض المقام في الهواء الطلق على طول كورنيش عين المريسة، أيضا مشاهد من ثلاثة موانئ بيروتية أخرى، هي جل البحر، المنارة والدالية. وهي موانئ تشكّل جزءا بالغ الأهمية من تراث بيروت.
ويقول الفوتوغرافي مروان نعماني “رئيس بلدية بيروت، جمال عيتاني، الذي افتتح المعرض والتقى عددا من الصيادين. كان دمثا معهم، رغم أن الوعود بالحماية والتحسين جاءت عاطفية وواهية أكثر منها عملية”.
ويضيف “أما الجدي من الكلام فجاء على لسان منى حلاق باسم ‘مبادرة حسن الجوار’ في الجامعة الأميركية ببيروت، المشاركة في تنظيم المعرض، والتي قالت لهم: هذا المعرض هو تكريم لكم، لمن أفنى عمره في البحر ولم يغادر هذه المدينة. أدعوكم إلى توحيد جهودكم لتنالوا حقوقكم”.
جاء هذا الحدث الفني/ التوثيقي في إطار “مهرجان بيروت للصورة 2019” في نسخته الأولى بدعم من بلدية بيروت وبإسهام من “دار المصوّر” اللبنانية وبالتعاون مع وزارات الثقافة والسياحة والإعلام بلبنان. وضمّ الحدث 22 معرضا شارك فيه 122 مصوّرا فوتوغرافيا من لبنان والعالم.
ومن يعرف مؤسّسة “دار المصوّر” رأى كيف جيّشت ذاتها وعناصرها الموهوبة والاحترافية لمدة تفوق السنة بغية إنجاح المعرض وجعله صورة مشرقة، تذكّر الناس في لبنان وخارجه بأنه لا يزال منارة تنسكب أضواؤها على شواطئ العالم.
عرض فني وحضاري
حول معرض المصوّر/ الفنان مروان نعماني وباقي الصور الأخرى التي شاركت في مهرجان الصورة، يقول مدير “دار المصوّر” المصوّر رمزي حيدر كلاما مهما، يلفت فيه إلى أن دور المعرض هو أيضا فني وحضاري، مؤكدا ضرورة التمييز ما بين الصورة الاحترافية والصور الفوتوغرافية الأخرى المنتشرة على صفحات التواصل الاجتماعي.
ويأتي ما ذكره مروان نعماني مؤكّدا ما طرحه رمزي حيدر، حين تحدّث عن الصعوبات التقنية عند تحقيق صور ناجحة بما تعبّر عنه وكيفية التعبير عمّا يودّ المصوّر إيصاله إلى الجمهور العريض، لاسيما أن البحر هو عنصر غير ثابت ترافقه انعكاسات مختلفة ومقرون بحركات الصيّاد المفاجئة، وضوء النهار الذي يشكّل إما تحديا وجب مواجهته وإما إبهارا يحلو مصادقته عبر عدسة الكاميرا.
وتناولت صور مروان نعماني جانبا آخر شديد الأهمية، وهو التماس ما بين البحر والأبراج الشاهقة وهجمتها على البيوت التراثية المتبقية التي طالما صنعت سحر المنطقة.
هناك سريالية ما في رؤية الصيادين، يشكون همهم إلى رئيس بلدية بيروت، من ناحية، لجهة استفحال التلوّث البحري الذي لما تجد له الجهات المسؤولة حلا إلى الآن بسبب تجاذبات المصالح المتنازعة.
صور مروان نعماني برزت موثّقة بأسلوب فني لافت لوجوه الصيادين شديدة التعبير ولحياتهم اليومية، وصولا إلى علاقتهم مع البحر كزرقة رحبة ومتقلّبة المزاج
وثانيا، لمعرفتنا بأنه خلال الحرب الأهلية وتحديدا سنة 1986 تم التحايل على قانون الأملاك البحرية الصادر سنة 1926، والذي يعتبر أن الأملاك البحريّة ملك عام للشعب اللبناني لا تباع ولا تشترى، واستبداله بقانون جديد تحت عنوان “أملاك الدولة الخصوصيّة” حيث يتيح لها المتاجرة بها وبيعها من خلال مزادات علنية.
ومن المعروف أن هذا القانون تسبّب في تدمير نصف ميناء عين المريسة التاريخي، “وكاد يقضي عليه نهائيا، لولا معارضة صيّادي عين المريسة الشديدة”، كما أفاد أحد المصادر الإخبارية المرموقة.
ومنذ زمن غير بعيد أعلنت بلدية بيروت عن مشروع تطوير الكورنيش البحري للمدينة “تلبية لحاجة أهل العاصمة إلى مجال مفتوح وعام” بقيمة 25 مليون دولار أميركي. وما لبثت أن انتشرت صور المشروع على شبكات التواصل الاجتماعي لتكشف عن حقائق مخيفة، منها ردم البحر وتدمير صخور الشاطئ وإزالة الحواجز الحديدية الفاصلة ما بين البحر والناس واستبدالها بمساحات إسمنتية متدرجة.
غفل هؤلاء القيمون على تلك المشاريع المُصمّمة “لصالح الشعب” عن حقيقة جوهرية لا يغفل عنها المصوّر مروان نعماني الذي تنضح صوره بتعبيرية شفّافة لا تخرج عن توثيقية طازجة، كما لم يغفل عنها، النحل الأزرق/ صيادو كورنيش عين المريسة، وهي أنهم، أي القيمون على المشروع، قد يملكون السمك الذي يصطادونه من البحر، ولكنهم لا ولن يملكوا البحر البيروتي غير القابل للبيع والشراء على الإطلاق.