عبدالرحيم كمال: الخيال من الواقع والواقع من الخيال

"القاهرة – كابول" و"نجيب زاهي زركش" في سباق دراما رمضان
الأربعاء 2021/04/14
"القاهرة – كابول" مسلسل يفكك ظاهرة الإرهاب

ينجح الفنان أو الكاتب الذي يملك مشروعا إبداعيا في الوصول إلى القمة بالإخلاص في عمله وكشف الزوايا الفكرية وإثارة القضايا التي تعزز رؤيته. وتمكن المؤلف المصري عبدالرحيم كمال من أن يحقق المعادلة الصعبة، حيث يقدم في كتابته للدراما موضوعات عميقة قد يراها البعض نخبوية، لكنها تجتذب مختلف الشرائح. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الكاتب حول أعماله الأخيرة.

رغم الأفكار العميقة التي يقدمها الكاتب عبدالرحيم كمال في مختلف أعماله الدرامية، فإن من أسباب نجاحها جماهيريا أنها تصب في صميم الشخصية المصرية.

ويعرض للكاتب خلال شهر رمضان الحالي عملان فنيان مهمان هما “القاهرة – كابول” و”نجيب زاهي زركش”، ومن المتوقع أن يثير العملان اهتمام قطاع كبير من الجمهور العربي لأن كليهما يحتوي على مضامين سياسية واجتماعية وأمنية متداخلة تمنح المشاهد فرصة للتمعن في أحداثهما.

الإرهابي والإعلامي

عبدالرحيم كمال: عندما نغمس الكوميديا في قدر من الشجن تصبح ذات مذاق خاص يجعلها تعيش أكثر وتأخد بعدا إنسانيا
عبدالرحيم كمال: عندما نغمس الكوميديا في قدر من الشجن تصبح ذات مذاق خاص يجعلها تعيش أكثر وتأخد بعدا إنسانيا

يحكي مسلسل “القاهرة – كابول” قصة تمركز الجماعات الإرهابية في أفغانستان من خلال أربعة أصدقاء نشأوا في ظروف اجتماعية واحدة وتفرقت بهم السبل. ويطرح المؤلف من خلاله سردية فنية تثير تساؤلات كثيرة حول المتغيرات المصرية في العقود الأربعة الأخيرة.

يكشف كمال في حواره مع “العرب” أنه تعمد أن يحوي عنوان المسلسل مزجا بين العاصمتين المصرية والأفغانية، كما لو كان يحمل دلالات عديدة، أراد من خلالها استعراض التطور في المنطقة العربية خلال حقبة السبعينات وما بعدها عقب عودة الكثير من المتطرفين من قتال الاتحاد السوفييتي في أفغانستان.

ويقول إن “القاهرة – كابول” رمزية حول تمدد النبت الغريب الذي انتقل إلى مصر متمثلا في الإرهاب، وجزء من الأحداث تدور في أفغانستان بالفعل، فالرحلة العجيبة الجديدة التي ربطت بين العاصمتين مختلفة، ففي الماضي كان ثمة ارتباط في العلم عبر شخصية مؤثرة مثل جمال الدين الأفغاني، ومؤسسة الأزهر، وبعد نحو قرنين اختلفت الأوضاع وأصبح الارتباط منحصرا في مسألة الإرهاب.

يؤكد المؤلف المصري أن بطل العمل الفنان طارق لطفي لا يمثل شخصية أسامة بن لادن، وأن المعايير الشكلية في البيئة الصعبة لأفغانستان فرضت نفسها، وما يُطلق على نفسه “المجاهد المطارد” يتشابه في نفس الشكل من حيث كونه نحيفا، وذو لحية طويلة غير مهذبة، لكن ليس بإمكانه أن يحول شخصا من جنسية إلى جنسية أخرى؟

ويكشف كمال أن أحداث العمل تركز على المجتمع المصري، بما أن الشخصيات الأربعة الأساسية أقامت في حي السيدة زينب الشعبي بالقاهرة، فتلك هي أصول الموضوع وكيف أخرجت المنطقة العريقة نماذج متباينة، وماذا جرى للمصريين من تحولات؟

ويوضح لـ”العرب” أنه مكث نحو ثمانية أشهر لكتابة العمل، والفكرة اختمرت في ذهنه أوائل عام 2011، لكنه لم يكن قادرا على صياغتها، ودارت في عقله سجالات انطلاقا من تساؤلات عديدة مثل ماذا يحدث؟ ومن نحن؟ وما هويتنا؟ ومن صاحب الرؤية الصائبة؟

ويضيف أنه شرع في كتابة المسلل أواخر 2019، أي بعد مرور عشر سنوات، وانتظر فترة كي يستوعب الأحداث، إلى أن امتلك رؤية أكثر وضوحا صدقها هو أولا، وتمكن من الوصول إلى صيغة “القاهرة – كابول”، وهي جزء من مشروع طويل له علاقة بالهوية المصرية، بدأها منذ مسلسل “شيخ العرب همام”.

وينفي كمال أن تكون شخصية الإعلامي التي يقوم بها الفنان فتحي عبدالوهاب هي ذاتها الإعلامي المصري المقيم في ألمانيا حاليا يسري فودة، الذي تمكن من إجراء حوارات مع قيادات الجماعات الإرهابية في أفغانستان عندما كان يعمل في قناة الجزيرة لفترة طويلة.

ويتابع “البعض قد يبحث عن أشهر إعلامي في هذا الوقت، ويعتقد أنه هو، لكن من هو (طارق كساب) في المسلسل؟ تلك هي مفاجأة المسلسل، وهو أحد أربعة أضلاع مهمين ضمن أحداث العمل”.

وحول استناد مسلسل “القاهرة – كابول” إلى وقائع حقيقية أم إلى الخيال، يقول كمال “من الضروري أن أكون صادقاً في كتابة الشخصيات والأحداث، وبالتأكيد هذا قد يتماثل مع أحداث كثيرة، والعمل ليس له علاقة بالواقع، بل كله محض خيال، لكن الخيال الصادق لا يفرق شيئا عن الواقع، فالخيال من الواقع، والواقع من الخيال، ومن الصعب أن نفصلهما عن بعضهما، وفي النهاية أكتب عن شخصيات ليس لها وجود لكنها قد تتماس معه لأنها ابنة الواقع”.

كيمياء فنية وإنسانية

أما مسلسل “نجيب زاهي زركش” بطولة الفنان يحيى الفخراني، فهو امتداد لسلسلة من الأعمال الناجحة التي جمعت بينهما هو والفخراني، فكمال مؤلف مسلسل “شيخ العرب همام”، و”الخواجة عبدالقادر”، و”دهشة”، ثم “ونوس”.

تبدو العلاقة بينهما ذات طبيعة مميزة، وتجمعهما كيمياء خاصة وتوافق ملحوظ وهو ما يفسره كمال بقوله “مع الوقت تحولت إلى صداقة أعتز بها، فوجهة نظرنا في الفن تكاد تكون متقاربة إلى حد كبير، هو يفعل ما يصدقه وأنا كذلك، كما أنه فنان ملهم وأحد رموز الفن الحديث وجزء من الشخصية المصرية وهويتها، وأنا أحد الداعين لهذا الطريق، وحدث بيننا ما هو أعلى من الكيمياء، وهو التفاهم والتوافق في وجهات النظر”.

ويلخص كمال جانبا من تفاصيل مسلسل “نجيب زاهي زركش” في قوله “مسلسل اجتماعي كوميدي عنوانه يشي بتركيبة الشخصية التي يجسدها الفخراني ويقدم فرضية اجتماعية أتمنى أن تنال إعجاب المشاهد، وهي المرة الأولى التي يجمعني بيحيى الفخراني عمل يميل إلى الكوميديا بشكل صريح، والمسلسل قصته بسيطة، ويلمس قضايا مهمة تخص الأسرة المصرية، والعلاقة بين الآباء والأبناء بشكل مختلف وغير معتاد”.

يرى البعض من النقاد أن تقديم ومناقشة القضايا الاجتماعية بشكل كوميدي ربما يكسبها مزيداً من الجاذبية ويجعلها أسهل في العرض والوصول إلى الجمهور، لكن كمال يقول “مقصدنا الأول من العمل هو رغبتنا في العودة للجمهور بصورة مغايرة هذه المرة، بها شيء من الكوميديا وخفة الظل، لأن كل التعاون السابق مع الفخراني خرج في إطار المسلسلات الدرامية”.

ويلفت إلى أن الفنان يحيى الفخراني قام ببطولة أعمال كوميدية في الماضي ببراعة، واعتبر أن هذا المسلسل يمثل عودة إلى كوميديا أكثر قربا للجمهور.

ثمة تباين واضح بين مسلسلي “القاهرة – كابول” و”نجيب زاهي زركش”، ما يثير الحيرة بشأن قدرة المؤلف على الانتقال في الكتابة بين نمطين متباعدين.

ويؤكد كمال لـ”العرب” أنه لا يقوم بكتابة عملين في وقت واحد، فعندما كتب “نجيب زاهي زركش” كان انتهى من “القاهرة – كابول”، وتأجل عرض الثاني لمدة عام، بسبب ظروف كورونا، ما جعل العملين يعرضان في وقت واحد، لكنهما منفصلان، وبينهما مسافة زمنية كافية، فكما يقول “من الصعب علي كتابة عمل درامي وآخر كوميدي بشكل متزامن”.

قدم المؤلف المصري الكوميديا في بداية حياته عبر فيلم “على جنب يا أسطى” بطولة أشرف عبدالباقي، وكذلك في آخر أفلامه “خيال مآته” بطولة أحمد حلمي، وما يميز كوميديا كمال أنها “كوميديا إنسانية”، فكل مشهد يشبه الحياة، يضم به جزءا ضاحكا وآخر يبعث على البكاء، وثالثا يحرض على التفكير.

يقول “أكتب الكوميديا الخاصة بي، والتي لا تخلو من شجن، فهي كوميديا يمكن وصفها بالاجتماعية والإنسانية وليست كوميديا الألفاظ، بل هي توصف بكوميديا الشجن، فليس جميعنا يستطيع الضحك دون أن تمضي دمعة، وعندما نغمس الكوميديا في قدر من الشجن تصبح ذات مذاق خاص يجعلها تعيش أكثر وتأخد بعدا إنسانيا، لأن الكوميديا لها علاقة مباشرة بالعقل وتعتمد على التفكير، وأنا أجيد كوميديا الشجن، وهي أيضا ما تعتمد عليه شخصية نجيب زاهي زركش”.

غلبت على كثير من مسلسلات كمال السابقة النزعة الصوفية والتركيز على المجتمع الصعيدي، أي سكان جنوب مصر، ويمكن اعتبار “القاهرة – كابول” و”نجيب زاهي زركش” مرحلة مغايرة في مسيرة الكتابة الدرامية عنده.

وردا على هذه الانطباعات يؤكد لـ”العرب” أنه جرى تنميطه من قبل البعض، حيث وجدوه يكتب في التصوف والدراما الصعيدية فتم ترشيحه لكتابة أعمال على نفس الشاكلة، بينما يعتبر نفسه كاتبا يمتلك القدرة على صياغة موضوعات مختلفة، وهو ما حدث مع مسلسل “أهو ده اللي صار” ومعظم أحداثه تدور في الإسكندرية ويتطرق للحب والسياسة والتاريخ، بينما مسلسل “الخواجة عبدالقادر” لا يصنف كمسلسل صعيدي بل عن العشق الإلهي، وعن رحلة ممتدة من إنجلترا إلى الخرطوم وسوهاج في جنوب مصر، والعكس.

ولم ينكر كمال أن أكثر ما يشغله هو قضية الهوية المصرية، قائلا “ومن نحن كمصريين؟ لأن ثمة تشكيكا يطرحه البعض في طبيعة هذه الهوية، تصاحبها علامات استفهام، هل المصريون فراعنة أم عرب؟ هل نحن مع الغرب أم الشرق فنعاني من روافد هذا التشكيك؟”.

15