شيخ قبيلة كبرى يقود الإصلاح السياسي في الأردن

عمان - منذ التكليف الملكي لفيصل الفايز رئيس مجلس الأعيان بإدارة سلسلة حوارات تستهدف الإصلاح السياسي في الأردن، أثيرت تساؤلات عن جانب آخر مختلف تماما للمهمة التي يقودها رجل من صلب مؤسسة الحكم ويتزعم واحدة من أكثر القبائل نفوذا في المملكة.
في الآونة الأخيرة، التفتت أجهزة الحكم جيدا إلى الاعتبارات القبلية والمناطقية بعد نشوب الخلاف العلني النادر بين العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وولي العهد السابق الأمير حمزة الذي كان قريبا من أوساط العشائر واحتجّ على تهميشها.
تمثل العشائر إحدى الركائز الرئيسية التي قام عليها نظام الحكم منذ تأسيس الدولة قبل مئة عام، بناء على تحالفات واتفاقات ولاء أبرمها ملوك الأردن مع كبار الزعماء القبليين وأحدثت نفوذا واضحا للعشائر في العقود التالية.
لكنّ أزمة الأمير حمزة، أو ما استقرت السلطات على تسميتها بـ”الفتنة”، نبهت أجهزة الحكم إلى فجوة واسعة باتت تفصلها عن العشائر التي تشكو الآن من الإهمال وغياب التأثير خصوصا بسبب التداعيات التي تركتها الخطط الاقتصادية المتعاقبة على المجتمعات العشائرية منذ حوالي عشرين عاما.

الملك عبدالله وجد في الفايز مواصفات لشخصية قادرة على فهم الحساسيات القبلية
في موازاة ذلك وبسببه، أعيد الحديث من جديد عن الإصلاح السياسي القائم على الحكومات المنتخبة التي طالب بها محتجو “الربيع العربي” في الأردن في 2011، ونادى بها الملك عبدالله الثاني لاحقا في الأوراق النقاشية، وتطالب بها الحركة الاحتجاجية الأخيرة التي ترافقت تحركاتها مع أزمة “الفتنة”.
وتتشكل الحكومات في الأردن بقرار ملكي وتتقدم لنيل الثقة في البرلمان. ويحتاج التوجه نحو الحكومات المنتخبة إلى تعديلات دستورية تعني تقليص واحدة من أهم سلطات الملك.
الفايز، وهو سليل قبيلة بني صخر النافذة وأحد أقرب المقربين من الملك عبدالله الثاني، يقول إن تكليفه بالإشراف على الحوارات مع القوى الاجتماعية بمن فيها العشائر والأحزاب والنقابات جاء بـ”مبادرة ذاتية” منه، وإن مرجعيته في ذلك هي “رؤية الملك” للإصلاح السياسي.
لكن حتى قبل “المبادرة الذاتية” للفايز، الذي قضى عشرين عاما من العمل في الديوان الملكي قبل أن يصبح وزيرا للبلاط ثم رئيسا للحكومة في 2003، سبق وتشكلت في الأردن لجان ملكية ومنتديات ومؤتمرات عديدة لصياغة مكونات الإصلاح السياسي، لكن من دون أن تثمر شيئا.
وبقي الأردن يدور في الحلقة المفرغة: كيف تتشكل الحكومة المنتخبة على أيدي أحزاب شبه غائبة عن المشهد السياسي منذ سنوات طويلة، وفي برلمان يحتاج إلى قانون انتخاب عصري وإعادة بناء للثقة الشعبية بالنواب؟
وتطغى الانتماءات العشائرية والمناطقية على المجتمع الأردني مقابل تراجع الاهتمام بالانتماء السياسي في البلد الذي يضم نحو خمسين حزبا لكنها لا تزال قاصرة عن المشاركة السياسية الفاعلة.
وحيث اختلطت المطالب السياسية بالاحتجاجات على الفساد وضعف المشاركة في القرار، صعدت الاعتبارات العشائرية إلى أوج أزمة “الفتنة” التي سمّيت رسميا في البداية محاولة انقلاب ثم اعتبرت مخططا تآمريا.
وظهرت آنذاك بوضوح في أوساط العشائر الشعبية الواسعة التي يتمتع بها الأمير حمزة الذي ظل وليا للعهد في السنوات الخمس الأولى (1999 – 2004) من حكم الملك عبدالله الثاني، حتى تبدلت العلاقة وتغيرت بين الأخوين ووصلت إلى خلاف حول أسلوب الحكم.
ولا يُعرف حاليا على وجه الدقة ماهية التهم الموجهة إلى الأمير حمزة، ولا أسباب اختفائه عن الظهور في وسائل الإعلام أو مواقع التواصل بعد الإفراج عن معظم المعتقلين على ذمة قضية الفتنة.

ولم يرشح عن حوارات الفايز حتى الآن ما يشير إلى أن ثمة اتجاها واضح المعالم نحو البدء بصياغة توافقات حول الإصلاح المنشود وصياغة التشريعات الناظمة للحياة السياسية بما فيها القوانين المرتبطة بالانتخاب والأحزاب وحرية التعبير.
الأقرب والواضح والأهم الآن بالنسبة إلى مؤسسة القصر هو تجسير الفجوة مع العشائر بعد أن شعرت بالإقصاء لصالح فريق من المستشارين “التقنيين” المؤثرين على أجهزة الحكم الذين لعبوا دورا بارزا في خطط التحول الاقتصادي وتداعياتها التي تمثل إلى الآن أحد أهم أسباب الحركة الاحتجاجية والاستياء العام.
ومنذ تكليف الفايز بالمهمة ساد الجدل حول مؤهلات رئيس الحكومة الأسبق وقدرته على قيادة حوارات الإصلاح السياسي التي لا يتوقع الشارع الأردني أن تأتي بجديد أو مفيد لتحريك المياه الراكدة.
لكن يبدو أن العاهل الأردني وجد في الفايز، الذي كان والده وجدّه أيضا من أقرب المقربين للملوك السابقين، مواصفات لشخصية بارزة من مؤسسة الحكم ذات ثقل عشائري وقادرة على فهم الحساسيات القبلية والعلاقات التي قام عليها هيكل الدولة في الأردن.
وفي لقاء تلفزيوني رفض الفايز تسمية “الإصلاح السياسي” عنوانا للجهود التي يقودها، على اعتبار أن البلد غنيّ عن الإصلاح! وشدد على أن الأردن يحتاج بدلا من ذلك إلى “تنمية سياسية”.
أجهزة الحكم بحاجة الآن فعلا إلى إزاحة الصورة النمطية المرتبطة بمجموعة من صناع القرار الذين يتعاملون مع مشاكل الأردن وكأنه شركة تعاني من ضائقة مالية أو توزيع للموارد البشرية لصالح صورة جديدة تكون فيها مؤسسة الحكم قريبة من الناس، وخصوصا الفئات المحتجة ومنها أبناء العشائر والمحافظات.
كانت جملة “أنتم الأهل والعشيرة” في مستهل أول تعليق من الملك عبدالله الثاني على فيديوهات الأمير حمزة وتسجيلاته التي هزت الرأي العام الأردني.
أما ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله فقد اختار الثلاثاء بمناسبة يوم الاستقلال استذكار شخصيات اعتبر أنها نهضت بدور كبير في تاريخ الأردن، وغالبيتها من شيوخ العشائر أو أعيانها، ومن بينها شيخ مشايخ الصخور الراحل مثقال الفايز، جد فيصل الفايز لأبيه.