ضعف البرلمان الأردني يتجلى في وقت الحاجة إلى القوة

في عز المداولات حول تعديل الدستور وجد البرلمان وقتا للشجار والشتم والعقوبات وشاهد الناس النواب وقد ظهروا مثل تلاميذ في غرفة درس ابتدائية وعلا بينهم الصراخ وتبادل بعضهم اللكمات.
الجمعة 2022/01/21
نواب كتلاميذ في غرفة درس ابتدائية

حصيلة شهور من النقاش والجدل والأخذ والرد حول تعديل الدستور انتهت بإقراره في البرلمان على الوجه الذي تريده أجهزة الحكم، وهو الوجه الذي يغيب عن ملامحه ما يعكس وعود الإصلاح والمشاركة السياسية.

ألقيت مسؤولية تعديل الدستور أو ما يسمّى جزافا “تغيير النظام السياسي” على كاهل البرلمان الذي ينوء أصلا بمشاكله الداخلية وضعفه التمثيلي، والآن أخفق في المحافظة على سلطاته في الحكم التي سوف يمارسها من خلال الأحزاب، ووفق الدستور الذي ينص على أن “الأمة مصدر السلطات”.

ما فعله “مجلس الأمة” هو إبعاد الحكومة المستقبلية التي سوف تتشكل من خلاله عن سلطات وأدوار رئيسية مكفولة في الدستور الحالي، ويراد لها أن تنحصر أو ترتبط بالملك بموجب التعديلات الجديدة.

في واقع الأمر، تنهض الحكومات الحالية التي يعيّنها الملك بأدوار دستورية خصوصا في مجالات الأمن والدفاع، وستكون ملغاة بموجب التعديلات الجديدة ومناطة بالملك، استعدادا لعهد الحكومات البرلمانية، وذلك بعد مئة عام على تأسيس الدولة.

هذا العهد مطلوب منذ سنوات طويلة، ونادى به العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ودعت إليه الحكومات والبرلمانات المتعاقبة، ولكنه أصبح أخيرا محاطا بهالة من القلق والشكوك التي ترجمها البرلمان على شكل تعديلات دستورية تضعِف الحكومة المنتخبة وتقوّي سلطات الملك.

الهدف من هذا كله هو ألا تحيد الحكومة المنتخبة عن السياسات العامة المرسومة وألا تؤثر عليها الأحزاب. ولكن فعليا ستكون الحكومة المستقبلية بعيدة عن التأثير في الشأن التنفيذي لقضايا الأمن والدفاع والسياسة الخارجية.

هذا المجلس التشريعي الذي استؤمن على المستقبل السياسي للبلد من خلال التعديلات الدستورية والقانونية، لم يكن له تأثير في تغيير ما تريده السلطة بل نزع عن نفسه أدوارا رئيسية في الحكم حين تتشكل الحكومة من الأحزاب

إذن السياسات مرسومة، وما على الحكومات إلا القيام بما يشبه تصريف الأعمال اليومية، سواء كانت مشكّلة من قبل الملك كما هو الحال الآن أو منتخبة في البرلمان، على اعتبار ما سيكون. ولكن الفارق هو أن الحكومة التي تمثل الناس ستكون فاقدة للعديد من صلاحياتها المهمة وفق الدستور الحالي.

لا بأس بقليل من التمهل والحذر قبل التحول إلى الحكومات البرلمانية باعتبارها تجربة جديدة على الأجيال الحالية من الأردنيين، لكن الأمر تعدى الحذر والخوف وقطعه بأشواط حتى وصل إلى تجريد “حكومة الناس” من سلطاتها في الدستور الجديد.

لم يساهم مجلس النواب في صياغة مقترحات الإصلاح السياسي بما فيها من تعديلات دستورية. ولكن السلطة وضعته في الواجهة بعد أن صاغت اللجنة الملكية معظم مواد التعديلات وأضافت إليها الحكومة الحالية نصوصا تقوّض صلاحيات الحكومة المستقبلية.

وحين مرّت التعديلات مثلما أريد لها وبتدخلات لا تذكر في البرلمان، تجلى في أعين الناس ضعف مجلس النواب الذي يمثل أقل من 30 بالمئة من الناخبين ويغلب على تشكيلته المتقاعدون ورجال الأعمال.

هذا المجلس التشريعي الذي استؤمن على المستقبل السياسي للبلد من خلال التعديلات الدستورية والقانونية، لم يكن له تأثير في تغيير ما تريده السلطة بل نزع عن نفسه أدوارا رئيسية في الحكم حين تتشكل الحكومة من الأحزاب.

في عز المداولات حول تعديل الدستور، وجد البرلمان وقتا للشجار والشتم والعقوبات وشاهد الناس النواب وقد ظهروا مثل تلاميذ في غرفة درس ابتدائية وعلا بينهم الصراخ وتبادل بعضهم اللكمات. ولكنهم وافقوا في النهاية على ما تريده السلطة من تعديل الدستور.

تبرير السلطات الإضافية الممنوحة للملك، يتركز على إبعاد الحكومة المنتخبة عن تأثيرات الأحزاب في قضايا الأمن والدفاع والسياسة الخارجية

ألا يطرح ذلك تساؤلات عن قدرة البرلمان أو أهليته في تمرير تعديلات تشريعية من هذا العيار، أو إذا ما كان في حاجة إلى وصاية أو توجيه مثلما يفعل المعلم مع تلاميذه.

الواقع أن ما جرى شبيه بهذا، ما دامت التعديلات الدستورية تمنح الملك المزيد من السلطات التي تقيد تدخل الحكومة البرلمانية في السياسات العامة وتجعلها خاضعة للتوجيه الملكي بموجب الدستور، خصوصا عبر إنشاء “مجلس الأمن القومي” وأيضا من خلال انفراد الملك، دون توصية من الحكومة، بقرارات التعيين في عدد من المناصب الحساسة أمنيا ودينيا.

وهذا التحول في تشكيل الحكومة عبر أحزاب البرلمان لن يحدث قبل مرور عشر سنوات على الأقل. وتقول أجهزة الحكم إنها فترة ضرورية لإنضاج التجربة الديمقراطية وإشاعة الثقة بالأحزاب في البلد الذي يكاد مشهده الحزبي غائبا عن الساحة السياسية.

سوف تسري التعديلات الدستورية خلال هذه الفترة، يعني بحلول 2032. ومن المحتمل أن تتشكل خلالها الكثير من الحكومات بقرار من الملك. وهكذا تتكرس السلطات المنقوصة الممنوحة للحكومة قبل أن يشهد الأردنيون حكومات تشكلها أحزاب البرلمان.

السؤال الآخر، هل السلطات الممنوحة حاليا للملك في الدستور النافذ تحول دون السير بخطط الإصلاح السياسي؟ الحقيقة أن سلطات الحكومة المنتخبة ستكون منقوصة على نحو واضح قياسا بالحكومات التي يعيّنها الملك.

صلاحيات الملك واسعة حسب الدستور الحالي، فهو رأس الدولة و”مصون من كل تبعة ومسؤولية” والقائد الأعلى للقوات المسلحة وهو الذي يعلن الحرب ويعقد الصلح ويعيّن الحكومات ويدعو البرلمان للاجتماع ويحلّه.

في الدستور أيضا، تناط السلطة التنفيذية بالملك ويتولاها من خلال الوزراء، والسلطة التشريعية بمجلس الأمة والملك الذي يعين أعضاء مجلس الأعيان، وهو الغرفة الأولى في البرلمان.

تبرير السلطات الإضافية الممنوحة للملك، يتركز على إبعاد الحكومة المنتخبة عن تأثيرات الأحزاب في قضايا الأمن والدفاع والسياسة الخارجية. هذه الأحزاب التي سينتخبها الناس سوف تتولى تشكيل الحكومة وهي التي ستكون بعيدة عن قضايا الحكم الرئيسية.

8