شاعر سعودي يعيش في علبة سجائر

الحسين معافا يستحضر مناخات يومياته الحياتية في مجموعته الشعرية الأولى "حياة باتساع علبة سجائر".
الاثنين 2020/01/27
قطيعة بين الأجيال (لوحة للفنان تحسين الزيدي)

يحمل الجيل الشعري الجديد في السعودية غضبه الخاص، وأحلامه، لهذا نجده يكتب مراقبا العالم، وكأنه في غرفة صغيرة تطل على أفق رحب من الممكنات الآملة بمستقبل أكثر إشراقا. لكنه في الوقت نفسه مسكون بـ”كروموسومات شوبنهورية” لا تفارق أسئلته الوجودية المتعلقة بالكون وباليوميات التي تتشكل بين يديه. في هذا الحوار تتوقف “العرب” مع الشاعر السعودي الحسين معافا للحديث عن عوالم الشعر الجديدة وعن بعض القضايا الثقافية في المملكة بعد التحولات الأخيرة.

صدرت مؤخرا عن دار ميلاد المجموعة الأولى للشاعر السعودي الحسين معافا حاملة عنوان “حياة باتساع علبة سجائر”، ويستحضر الشاعر فيها مناخات يومياته الحياتية، التي تتراوح ما بين رعب الجفاف لدى الفلاح، والحاجة إلى المال لدى الإنسان المتحضر والعصري، والأفكار المسمومة بالعبثية وبالقلق الوجودي لدواخله الذاتية.

ومع هذا الإصدار الذي يمثّل سيرته بعناية يعكف معافا حاليا على بعض المحاولات لاكتشاف طريقة جديدة للكتابة، ولكسب لقمة عيشه أيضا، لكنه غير متيقّن عما يبحث عنه، لا يعرفه ولا يستطيع تحديده أبدا، وهذا أمر منعكس بشكل جلي في نسيجه أسئلته الوجودية، وتكوين عوالمه الشعرية في نصوص المجموعة.

مراوحة بين رعب الجفاف لدى الفلاح، والحاجة إلى المال لدى الإنسان المتحضر والعصري
مراوحة بين رعب الجفاف لدى الفلاح، والحاجة إلى المال لدى الإنسان المتحضر والعصري

جيل جديد

يقول معافا «هناك الكثير من النصوص أظن أنها تصلح كسيرة ذاتية لي، لم أكتب نصا وأنا بحالة مزاجية جيدة، كلها نصوص تنبعث منها رائحة الموتى، والذاكرة التي رصدت آلاف المشاهد الحياتية البائسة والتي علقت بها دون فكاك. لهذا أشكر “العرب” على هذا الحوار الذي سيعطيني مساحة لأصرخ على الأقل بشيء ما في داخلي، رغم أنه صراخ بنصف فم، والنصف الآخر مشغول بالحياة ومحشو بالخبز».

ويضيف “أكتب قصيدة النثر من اللحظة التي حضرت فيها القصيدة، وقدت قميصي على أن أكتبها بلا تهيئة ولا استعداد. أسكن جنوب السعودية في جازان حيث الله والحقول والأمهات والقصائد التي لا تنام، ومُهتم بالأدب الذي يكشف النقاب عن الحياة”.

وعن قراءته للمشهد الشعري المعاصر في السعودية يقول “من وجهة نظري، الجيد من الشعر قليل، والكثير من الشعر الآن يشبه الزهور الصناعية، التي تفتقد للملمس الطبيعي والرائحة الرائجة منها بتدفق الحياة في داخل النص. ويكاد المشهد الشعري يكون غائبا تماما، خاصة للجيل الجديد، مقتصرا على منابر التواصل الاجتماعي، وبعض المساحات الضيقة من الصحف الورقية، التي نادرا ما نجد لنا -جيل الشباب- مساحة فيها”.

فتح لنا الحديث عن شباب جيله الشعري منطقة للحوار مع الحسين حول موقفه من الرأي الذي يقول إن تجارب الثمانينات في السعودية قد أخذت حقها من النشر والحضور والكتابة، وأن عليهم أن يفسحوا المجال تاركين منابرهم لجيل شعري جديد، لديه أجوبته وأسئلته واشتغالاته الجديدة المتناسبة مع زمنه. يعلّق الحسين في هذا الشأن قائلا “لا أرى ذلك، وإن حدث فلا يتركوه بالشكل الجذري والنهائي. هناك فجوة كبيرة وحلقة مقطوعة بين جيلنا وجيل الثمانينات، سببها الأول أظن الخطاب الصحوي الذي نجح في إجهاض وسائل جماليات الفنون غير السائدة والمُتجددة في الفترة التي كانت تشجع لها الشعوب وتعرف مدى قيمتها الحضارية والإنسانية. لهذا السبب نحن لا نزال متأخرين في معرفة رموز ذلك الجيل الذي عانى كثيرا في تلوين حياتنا التي كانت تُصبغ بالأسود والأبيض فقط، بينما غُيبت كل الألوان الأخرى التي نحاول الآن استعادتها لجيلنا والأجيال القادمة”.

رغم تلك السطوة التي هيمنت على جيل الثمانينات، وما تلاه من تيار الصحوة المتشدد خلال أربعين سنة مضت غير أن الحسين لا يرى لخطاب الصحوة حاليا أي امتداد، بل يرى أن هناك تقلصا وانحسارا لهذا الخطاب، لكنه يؤكد أن له أثرا على الوعي وعلى جرأة النشر، يقول “نحن الآن في هذا الجيل نتوشح بوعي ثقافي وتعايشي جديد مُتداخل ومشترك مع ثقافات وعادات شعوب العالم”.

متغيرات عربية

يتفق شاعرنا مع رأي بعض النقاد الذي يذهب إلى أن إشكالية النص الجديد هو غياب القضايا القومية والوطنية الكبيرة، واهتمامه بشكل مباشر بكل ما هو مشخصن ضمن تجربة الشاعر أو الشاعرة في حدودهما اليومية.

ويقول “اليوم لم تعد هناك قضايا قومية حقيقية تلامس دواخل الشاعر أو الكاتب بوجه عام حتى يكتب بذاك الشكل، فكل جيل وله مواقفه الحياتية التي يعيشها والتي ستنعكس بلا شك على نصوصه. والشعر الآن هو شعر الحياة اليومية، التي يعايشها الشاعر بكل تفاصيلها الجيدة والسيئة والمترفة والمسحوقة”.

الحسين معافا: لكل جيل مواقفه الحياتية التي يعيشها وتنعكس على نصوصه
الحسين معافا: لكل جيل مواقفه الحياتية التي يعيشها وتنعكس على نصوصه

في حديثنا مع الحسين عن استشرافه ومرئياته لمستقبل وزارة الثقافة وفق معطياتها الأخيرة الخاصة بمبادراتها، وبدعم مجموعة قطاعات بهدف تمكين كل المنتسبين للمجال الثقافي من ممارسة إبداعاتهم، وتوفير منتج ثقافي مميز يساعد على رفع مستوى جودة الحياة في جميع مناطق المملكة.

يعلّق الشاعر بشكل في غاية السوداوية والتشاؤم قائلا “طالما أن الأحياء العامة في البلد لا تزال بلا مكتبات عامة، فلن يكون هناك دعم أو التفات لأي مُثقف، أو كيان أو قطاع ثقافي، لا يزال المُثقف يكتب ويُبدع ويكشف رغم أنه قد لا يجد ما يأكله طوال الشهر ولا ما يسد نفقات علاج أبنائه في المصحات، ولا حتى إلى ما يعيد إلى نفسه القليل من الاعتراف والامتنان”.

وفي محاولة للاقتراب من عوالم الجيل الشعري الشاب، وكيف ينظر إلى المتغيرات العربية التي عصفت بالمنطقة العربية، تساءلنا مع شاعرنا هل يمكن الحديث عن جديد حمله الربيع العربي إلى الثقافة العربية في مواجهتها للتحديات التي فرضتها التحولات العاصفة، وهل قدّمت جديدا يتصادم مثلا مع العناصر التقليدية الكهلة للثقافة العربية؟

يجيب معافا “حمل الربيع العربي الصراخ والاعتراض والشعارات، سواء كان احتجاجا سلميا أو عبثيا، أو كان مختلطا. برغم التغيرات والخسائر والقتلى إلّا أنه على الأقل أنتج لنا من الناحية الأدبية لغة إبداعية وواقعية، أكثر التصاقا وعمقا بالإنسان العربي الحزين والبائس بكل دواخله وضجره، وقربه من الأرض ومن المعنى الكامل للخسارة، والموت لأجل جيل جديد أكثر حياة في الحرية والحقوق”.

15