سد النهضة: إثيوبيا تحضر اجتماع واشنطن على مضض

اجتماع رباعي سيعقد في واشنطن بغرض كسر الجمود الحاصل في مفاوضات سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان وبناء على رغبة ملحة من القاهرة.
الجمعة 2019/11/01
قرار قيد الانتظار

القاهرة- أعلنت إثيوبيا الخميس، المشاركة في الاجتماع الذي تستضيفه الولايات المتحدة في 6 نوفمبر الجاري، بشأن أزمة سد النهضة، بعد أيام من تجاهل التعليق على الدعوة الأميركية.

وقال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، نيبيات جيتاشيو، في مؤتمر صحافي إن حكومة بلاده “قبلت دعوة الولايات المتحدة لعقد اجتماع لمناقشة سد النهضة الإثيوبي بمشاركة مصر والسودان”.

وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري قد أعرب في وقت سابق الخميس، عن تطلع بلاده إلى توقيع اتفاق قانوني ثلاثي مع إثيوبيا والسودان من خلال المفاوضات الجديدة التي دعت إليها الولايات المتحدة الأميركية في 6 نوفمبر الجاري، بحضور البنك الدولي، ليضمن هذا الاتفاق حقوق مصر المائية في مياه نهر النيل، مشددا على أن القاهرة “لديها إرادة سياسية لتحقيق ذلك”.

جاء ذلك خلال كلمة له أمام البرلمان العربي في جلسته العامة بالقاهرة والتي خصصت لمناقشة قضية الأمن المائي، وندرة موارده في الوطن العربي، حيث تقع 16 دولة عربية ضمن فئة الدول ذات الندرة المائية.

فوز آبي أحمد بجائزة نوبل للسلام ربما ينعكس عليه سلبا، حيث أصبح واقعا تحت ضغوط كبيرة، تفرض عليه عدم التخلي عن منهجه السلمي في حل الأزمات السياسية

ويعقد اللقاء الرباعي في واشنطن بغرض كسر الجمود الحاصل في مفاوضات سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان، وبناء على رغبة ملحة من القاهرة التي ألمحت أكثر من مرة إلى أنها تحتاج إلى طرف رابع (محايد) لوقف التباين الحاصل في وجهات النظر، وإنقاذ الموقف قبل انزلاقه إلى دروب سياسية تضاعف التوتر في المنطقة.

ولم تعلن إثيوبيا عن موقفها الرسمي (حتى ظهر الخميس) من الدعوة الأميركية. وقالت مصادر سياسية لـ”العرب”، إن واشنطن وجهت الدعوة وهي واثقة من استجابة الطرفين الآخرين لها، كما أن مضمون الخطاب المصري بشأن الدعوة حمل تفاؤلا حول دور أميركي مؤثر، بحكم العلاقات والمصالح القوية بين واشنطن والدول الثلاث.

وأضافت المصادر ذاتها، أن لدى القاهرة مخاوف من ترك المفاوضات دون سقف زمني، فقد تجد نفسها أمام واقع، لذلك تدفع نحو البحث عن ضامن قوي لتحريك المحادثات، وتسريع عمل اللجان الفنية وعودة الاعتبار للدراسات العلمية المقبولة (بالنسبة إليها) التي تحدد مدى تأثير السد على حصة مصر (55.5 مليار متر مكعب).

وتجاهلت وسائل الإعلام الإثيوبية والسودانية التركيز على الدعوة الأميركية والتعليق عليها.

وأوضح الصحافي الإثيوبي، داويت كيبادي، لـ“العرب”، “لم نسمع عن التدخل الأميركي في الأزمة إلا من المسؤولين المصريين، والمشهد لا يزال ضبابيا هنا، قبل أن توافق أديس أبابا بالفعل على الدعوة الأميركية”.

وأضاف، في اتصال عبر الهاتف من أديس أبابا، أن ما يزيد المسألة غرابة “غموض الموقف السوداني أيضا، فالخرطوم تتعامل مع سد النهضة على أنه قضية ثانوية، بعد الحراك الثوري الداخلي والمرحلة الجديدة التي تعيشها إثر سقوط نظام عمر البشير”.

وعلى ضوء التردد الإثيوبي وغموض الموقف السوداني يبدو منسوب التفاؤل منخفضا حيال إمكانية إحراز نتائج إيجابية من لقاء واشنطن أو تحقيق تقدم سياسي فاصل في أزمة معقدة لها أبعاد داخلية وإقليمية وربما دولية متشعبة، وسط ترجيح البعض أن يكون مجرد اجتماع بروتوكولي، تظهر فيه الدول الثلاث كأنها راغبة في الحل السياسي، ويحقق الراعي الأميركي “الشو الإعلامي”.

ويقول محللون إن إثيوبيا ستحضر اجتماع واشنطن عن مضض، ذلك أنها تعتبر أن النزاع فني وليس سياسيا يتطلب تدخل أطراف أخرى. وتطمح أديس أبابا لملء خزان السد الذي قطعت أشواطا مهمة في بنائه في أجل لا يتجاوز خمس سنوات، بالنظر لحاجتها إلى توليد الطاقة الكهرمائية، وبالتالي فإن أي تأجيل من جانبها ليس في مصلحتها.

داويت كيبادي: الخرطوم تتعامل مع سد النهضة على أنه قضية ثانوية
داويت كيبادي: الخرطوم تتعامل مع سد النهضة على أنه قضية ثانوية

وليست لدى إثيوبيا مشكلة مع وفرة المياه على خلاف مصر التي تستمد معظم إمداداتها من المياه العذبة من نهر النيل لقضاء حاجيات سكانها البالغ عددهم نحو 100 مليون نسمة، وبالتالي فإن أديس أبابا تعتبر أن المشكلة مصرية وهي لن تؤجل مشروعا حيويا بالنسبة إليها لأجل الآخرين.

وتحاول مصر إضفاء صبغة سياسية على المفاوضات، لأنها لا تمتلك أدوات عملية قادرة من خلالها على فرض شروطها، وهي التي تأخرت كثيرا في قراءة تبعات بناء السد.

وحاول الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في لقاء الأسبوع الماضي، على هامش قمة روسيا- أفريقيا بمدينة سوتشي، إظهار صورة إيجابية عن العلاقات المشتركة، وعن إمكانية تحريك الأزمة من مكانها، بما خفف حدة التوتر بين البلدين مؤخرا.

وفشلت اجتماعات فنية، بين وزراء الري وخبراء من الدول الثلاث عقدت في القاهرة والخرطوم خلال شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين، في التوصل إلى صيغة للحل، ورفضت إثيوبيا مقترحا مصريا لتحديد سنوات ملء خزان السد وآلية التشغيل لاحقا.

وأشار الصحافي الإثيوبي كيبادي، لـ “العرب” إلى أن حالة التردد التي صاحبت مسألة لقاء واشنطن “سببها موقف آبي أحمد المعقّد مؤخرا، فهو يرغب في إبراز حسن نواياه مع مصر والعالم بعد أن طالته انتقادات دولية جراء تصريحاته في جلسة للبرلمان حول عدم استبعاد التعامل عسكريا لحماية سد النهضة، وتصاعد الغضب من الطريقة الخشنة التي تعامل بها جهاز الأمن مع المعارضين في إقليم أمهرا، ووفاة ما يقرب من 70 شخصا في التظاهرات”.

ويقول متابعون، إن فوز آبي أحمد بجائزة نوبل للسلام ربما ينعكس عليه سلبا، حيث أصبح واقعا تحت ضغوط كبيرة، تفرض عليه عدم التخلي عن منهجه السلمي في حل الأزمات السياسية، وقد يكون التراجع وقبول طرف رابع أحد الدلائل على تأكيد حسن نواياه.

واعتبرت مديرة وحدة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، أماني قنديل، أن تحديد النتائج ومدى إيجابيتها أو سلبيتها، “مرهون بالمشاورات التي ستجري على مستوى وزراء الخارجية للجوانب الفنية، وعدم اقتصارها على الأوجه السياسية”.

وأضافت لـ“العرب”، أن الاجتماع ربما يعطي مؤشرات جيدة على مستوى التقارب بين الدول الثلاث، لكن التقارب الحقيقي يتعلق بالحفاظ على أمن مصر المائي وعدم الإضرار بمصالحها المباشرة، وهي قضية ذات طبيعة فنية مرتبطة بقواعد الملء والتشغيل.

وأوضحت قنديل أن الخروج بآلية جديدة تنهي الخلافات يرتبط بالموقف الأميركي وطبيعة علمه ببواطن الأمور الفنية، لأن واشنطن تدخلت كوسيط بناء على دعوة مصرية وليس بمبادرة خاصة، لكن في الوقت ذاته ستكون الإدارة الأميركية حريصة على بلورة حل يضمن مصالحها في منطقة حوض النيل وشرق القارة الأفريقية، بجانب إدراكها لتأثير هذا التوتر على نقل النفط بشكل آمن عبر البحر الأحمر.

2