سجن تسعة من رجال الشرطة رسالة مصرية لروما: لا نتستّر على الأمنيين

القاهرة – قضت محكمة مصرية بحبس تسعة من رجال الشرطة لمدة ثلاث سنوات بعد إدانتهم في قضية تعذيب وقتل مواطن خمسيني يُدعى مجدي مكين، في حكم جريء بشأن إثبات التهمة على هذا العدد من عناصر الأمن.
جاء الحكم بحق أفراد الشرطة التسعة السبت، بعد يومين من إعلان الادعاء الإيطالي، إنهاء التحقيق في قضية مقتل الطالب جوليو ريجيني في القاهرة، وتحديد أربعة من عناصر الأمن في مصر كمشتبه بهم محتملين.
يرى البعض أن تزامن الحكم المصري مع التصعيد الإيطالي، يحمل رسالة ضمنية من القاهرة إلى روما، مفادها أنها لا تتستر على تجاوزات الشرطة. وظلت قضية مجدي مكين متداولة في المحاكم منذ عام 2016، وهي نفس السنة التي قتل فيها ريجيني بالقاهرة، لكن إصدار الحكم في هذا التوقيت قد لا يحمل دوافع سياسية، بحكم أن هناك قضايا تستغرق عدة سنوات قبل غلقها لكثرة المتهمين فيها.
تعتقد دوائر حقوقية أن توظيف القاهرة لمحاكمة تسعة شرطيين دفعة واحدة، كمدخل للتأكيد على صحة موقفها في واقعة ريجيني، قد لا تكون له جدوى، لأن هناك عقيدة راسخة عند الغرب بأن هذه النوعية من القضايا لا تسقط بالتقادم.
هناك شواهد كثيرة تعكس أن المماطلة الأوروبية في أمد القضايا المرتبطة بوقائع القتل، والسير مع الطرف المتهم بالإدانة لمحطات طويلة، لا يعني ترك القضية أو نسيانها، بل يستهدف ذلك منح كل الفرص المتاحة للدفاع قبل الرد.
واستغرقت السلطات السويدية قرابة 34 عاما للكشف عن هوية القاتل المتورط في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق أولوف بالمه، وكشفت عن اسمه في يونيو الماضي. وتعيد أسكتلندا الآن فتح التحقيق في واقعة تفجير طائرة بان أميركان فوق بلدة لوكربي الأسكتلندية عام 1988، بعد شكوك في ضلوع دوائر إيرانية في ارتكاب الحادث، رغم الإدانات السابقة التي كانت موجهة للنظام الليبي السابق.
تعوّل الحكومة المصرية على كسب المزيد من الوقت، على أمل أن تكون هناك تسوية سياسية للقضية مستقبلا، بعيدا عن الشق الحقوقي، مع إعلاء لغة المصالح المشتركة بين القاهرة وروما.
ورأى عمرو الشوبكي الخبير بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أن الحكومة المصرية مطالبة بالاستفادة من دروس الدول، التي ماطلت مع الملفات الحقوقية وكانت التداعيات سلبية، لأن هذه النوعية من الملفات لها أولوية عند الغرب بحكم أن نظرته لحقوق الإنسان مختلفة.
وأضاف لـ”العرب”، “أن الحكم الذي صدر لن يغير وجهة النظر الإيطالية، لأن قضية ريجيني أخذت منحنى آخر، ولا بد من التعامل مع هذا المستجد بطريقة أكثر احترافية وليس بأسلوب محلي، وألا تعوّل على كسب الوقت”.
وما زالت القاهرة على قناعة بأن التصعيد الإيطالي والتمسك بإثارة قضية ريجيني على فترات متلاحقة، يرتبط بمآرب سياسية. وتعكس هذه القناعة عمق الفجوة بين مصر وإيطاليا حول الوصول إلى حل نهائي يرضي الطرفين، فالأولى ترفض تعرضها لأي ضغوط، والثانية تصر على تمسكها بالكشف عن قتلة ريجيني.
وما يثير حفيظة النيابة المصرية، ويجعلها تتمسك بعدم الاعتراف برواية الادعاء الإيطالي، أن روما أعلنت في بادئ الأمر ضلوع سبعة متهمين من الشرطة في قتل ريجيني، ثم انخفض العدد إلى خمسة، وفي آخر اتهام خلصت القضية إلى أربعة مشكوك في حقهم.
ويرى البعض أن القاهرة تشعر بالريبة من إعلان إيطاليا أن تصرفات فردية خلف مقتل ريجيني، في حين أن الأسماء المعلنة تشغل مناصب في أجهزة أمنية، وبإمكانها الاستعانة بعناصر أقل في المستوى الوظيفي للقيام بالمهمة، طالما أنهم يتصرفون بشكل فردي بعيدا عن وجود مخطط لذلك من جانب الدولة.
وأكد عمرو الشوبكي لـ”العرب”، “مهما كانت القاهرة غير مقتنعة بالرواية الإيطالية، فإنها معنية بمنح القضية أولوية لتثبت وجهة نظرها عمليا، لأن التاريخ أثبت خطورة التلكؤ في حسم ملفات من هذا النوع، وكانت ثغرة لمشكلات كبيرة”. ومن غير المتوقع، أن يمثل المتهمون الأربعة أمام الادعاء الإيطالي، لأن ذلك يفترض أن يكون من خلال النيابة المصرية التي أعلنت قبل أيام، غلق القضية مؤقتا من جانبها.