زواج الأم بعد وفاة الأب حق ترفضه العائلة والمجتمع في مصر

تصطدم الأرملة في المجتمع المصري برفض العائلة لفكرة زواجها ثانية وتتهم بأنها خائنة للعلاقة التي جمعتها بزوجها المتوفى وتصبح يخشى عليها من الانحراف، في حين أن نفس العائلة تحث الرجل المتوفية زوجته على الزواج من أخرى، وتعمل جاهدة على إقناعه بذلك. ويرى خبراء العلاقات الأسرية أن الصورة الذهنية السلبية عن زواج الأم هي السبب الأبرز في رفض تأسيسها حياة جديدة.
القاهرة - اصطدمت عزة كامل، وهي أم مصرية لثلاثة أبناء في مراحل جامعية مختلفة، بردة فعل عنيفة من أولادها وأخواتها عندما أوحت لهم بأن زميلا لها في العمل تحدث معها للزواج منها، وتعرضت لعبارات قاسية من عائلتها أكثرها مرارة عندما قيل لها إنها تخون العشرة مع زوجها الذي توفى منذ خمس سنوات.
تراجعت الأم عن الفكرة لكن ما زالت تعاني من استعادة علاقتها بأولادها إلى ما كانت عليه، لمجرد أنها فكّرت في الزواج لمرة ثانية بعد وفاة الأب، حتى أخواتها وصفوها بالشقيقة الخائنة التي تهتم بحياتها دون اعتبار لنظرات الناس وتلميحاتهم، وبلغت القسوة حدا مرتفعا عندما قال لها أحدهم، إنه يخشى عليها من الانحراف مستقبلا.
قالت السيدة لـ”العرب” إنها لم تفكر لحظة بعد وفاة زوجها في الزواج مرة ثانية، وبدأت تدرس الأمر بعد إقناع زميلها في العمل بأنه أيضا بلا شريكة بعد وفاة زوجته، ويرغب في أن يبني معها أسرة ويكون لأولادها الأب الذي يعوضهم عن رحيل والدهم ويوفر لهم احتياجاتهم مثل أبنائه دون تمييز.
منذ طرحت الأم المصرية الفكرة وهي تعيش منبوذة من أقرب الناس إليها، مع أن شقيقها الأكبر عندما توفيت زوجته لم يُكمل العام الأول على رحيلها ثم تزوج، وعندما واجهته بما فعله، تحجج بأن لديه أبناء يحتاجون إلى رعاية، كما أنه "رجل ويخشى على نفسه من الانحراف نحو علاقات محرمة، والدين لم يمنعه من ذلك".
تعكس الواقعة كيف ينظر البعض إلى فكرة زواج الأم الأرملة، ويعتبر هذا التصرف مشينا ويجعلها موصومة، في حين يمنح الرجل أكثر من مبرر ليتزوج مرة ثانية وثالثة بلا اكتراث بحق كل سيدة أن تفعل نفس الأمر، بعيدا عن اختزال زواجها في الجنس وإقامة أولادها مع رجل غريب.
في بعض المجتمعات العربية يتم دفع الرجل من عائلته وأصدقائه إلى الزواج بعد وفاة زوجته أو حدوث الطلاق ولا يجب أن يعيش وحيدا، بل يبحث عن امرأة تعوّضه عن الحرمان العاطفي والمعنوي والجسدي، وإذا رفض ذلك تُمارس عليه ضغوط كبيرة، ليقتنع بالفكرة ويعيش حياة سوية مثل باقي أقرانه ولو كان في سن متقدمة.
في حالة الزوجة الأرملة يحدث العكس تماما، فلا تجرؤ على فتح باب النقاش حول الفكرة، وإذا فعلت ذلك تحت أي مبرر قد تتعرض لقطيعة أسرية حتى صار ارتباط النساء الأرامل محفوفا بالمخاطر ومحاطا برفض عائلي، حتى لو كانت صغيرة في السن وترغب في الزواج خوفا من نظرة الناس السلبية إليها.
البعض لا يزال على قناعة بأن زواج الأرملة يهدف في المقام الأول إلى إشباع رغباتها الذاتية، وهي نظرة تأسست على الفكر الذكوري ويتعامل مع الأنثى على أنها كائن خُلق لأجل المتعة
وغالبا ما يكون الأبناء حائط الصد المنيع أمام زواج الأم الأرملة بدافع الغيرة عليها ورفضهم أن تعيش أو يعيشوا هم مع رجل غريب بعد رحيل الأب، أو لعدم قدرتهم على أن يتخيلوا والدتهم مع شخص آخر ولو بزواج شرعي يقره الدين، ويتمسك الأبناء بأن تظل الأم علاقتها مقطوعة بأي رجل لتركز حياتها معهم وحدهم.
صحيح أن هذه غيرة مشروعة وطبيعية، وكثيرا ما تكون خارجة عن إرادة الأبناء، لكن هناك فرقا بين الغيرة والأنانية، لأن احتياجهم لتكرّس الأم حياتها لهم وحدهم، يتطلب قدرا من العقلانية والتوازن بأنها بحاجة إلى رجل يعوضها عن الحرمان من الحد الأدنى للعاطفة والاحتواء والمشاعر والأمان الذي تحتاجه كل امرأة.
ما زال البعض من المصريين على قناعة بأن زواج الأرملة يهدف في المقام الأول إلى إشباع رغباتها الذاتية، وهي نظرة تأسست على الفكر الذكوري الذي يهيمن عليهم، ويتعامل مع الأنثى عموما على أنها كائن خُلق لأجل المتعة، ولا يخلو ذلك من تعامل الأكثرية مع الزواج بمنطق التزاوج.
يصعب فصل النظرة الدونية للأم الأرملة التي تفكر في الزواج عن الصورة المعيبة التي قدمتها وما زالت تقدمها العديد من الأعمال الفنية حولها، فهي إما امرأة لعوب أو خائنة لأولادها أو تبحث عن المتعة أو أنانية تهتم بنفسها على حساب أولادها.
وإذا كانت هناك شريحة أكثر عقلانية وانفتاحا في مسألة زواج الأم الأرملة، فإن ذلك يصعب وربما يستحيل حدوثه في المناطق الريفية والشعبية، باعتبار أن النظرة الدائمة للأم في هذه البيئة قائمة على كونها ربة منزل وعائلة لأولادها، إذا مات الأب لا يجب عليها أن تخرج من بيتها إلا للضرورة ولا تختلط بالرجال.
ويرى متخصصون في شؤون الأسرة أن استقلال الأرملة بحياتها بعيدا عن تدخلات العائلة يظل مرهونا بشجاعتها على المواجهة، وقدرتها على إقناع أسرتها بمبررات الزواج الثاني ومدى استعدادها لخوض معارك طويلة مع المحيطين بها، لتوفر لنفسها الحياة التي تتلاءم معها وترضي طموحاتها بعيدا عن ميراث العيب والوصمة.
وينصح هؤلاء الأم التي ترغب في الزواج بعد رحيل الأب أو طلاقها أن تختار الشريك المناسب، لا أن تتعامل بمنطق الاحتماء في “ظل رجل”، لأن إقناع الأبناء بالزواج يتأسس على طبيعة الشخص الذي يحل مكان والدهم، ويكون جزءا من العائلة، فكلما كان ودودا ويعاملهم بالحسنى يصبح منسوب رفض زواج الأم محدودا.
وقالت هالة حماد استشارية العلاقات الأسرية وتقويم السلوك بالقاهرة، إن الصورة الذهنية السلبية عن زواج الأم هي السبب الأبرز في رفض تأسيسها حياة أسرية جديدة، وتزداد المعضلة عندما يكون أولادها في سن مراهقة، حيث ينتابهم الشعور بالعداء والغربة تجاه هذا الشخص، وهنا تقع عليه مسؤولية التقارب معهم ومعاملتهم كأبنائه.
وأوضحت لـ”العرب” أن إقناع المجتمع والعائلة بحق الأم في الزواج الثاني مهمة شاقة تحتاج إلى خطاب توعوي فني وإعلامي وديني وثقافي لتكريس مشروعية هذه الخطوة، ونسف المعتقدات البالية عن المرأة التي تفكر في تأسيس أسرة مع رجل آخر، فإذا كان المبرر إجبارها على التضحية والاستمرار في الرهبنة من أجل أولادها، فلماذا لا تنطبق هذه المبادئ على الأب أيضا؟
ولفتت إلى أن معايير الزواج عند قسم من المجتمع في مصر تجاه ارتباط المرأة بعد رحيل زوجها، ما زالت مختلة وتفتقد لبعض الإنسانية، فهم يتعاملون بمنطق الخجل والعيب، مع أن كل سيدة يكبر أولادها تشعر بأنها وحيدة، وتصبح بحاجة ملحة إلى الأنس والإحسان بالأمان، لا شيء آخر، ومطلوب تغيير صورة زوج الأم عند المجتمع، فهو ليس دائما شريرا ولا مغتصبا للحقوق، بل يمكن أن يكون شريكا متفاهما وأبا مثاليا.
وإذا كان حصر دور الأرملة في خانة التضحية الأبدية لأجل الأبناء صعب تغييره، فالمفترض أن تكون بداية التعاطي مع زواج الأم من العائلة أولا، والأبناء ثانيا، بشكل إنساني بحت، ويتطلب ذلك اعتراف الطرفين بأن حقوق الرجل والمرأة في الزواج متساوية، ولكل منهما حرية اختيار الحياة المناسبة بعيدا عن الانصياع للأعراف والتقاليد الصماء.