رمضان يكسر الحجر الصحي قبل أوانه في تونس

تونس - مع حلول أول أيام شهر رمضان، سارع التونسيون كعادتهم إلى المحلات التجارية والفضاءات الكبرى للتزود بحاجياتهم الأساسية. ليس من الغريب أن يكون الإقبال كثيفا في الشهر الفضيل، لكنه يبدو استثنائيا في ظل انتشار فايروس كورونا في البلد.
وأثار الإقبال المكثف للتونسيين على الأسواق مع بداية شهر رمضان مخاوف من كسر الحجر الصحي قبل أوانه مع استعدادات السلطات إلى رفعه بشكل تدريجي. ودفع إلى التساؤل فيما كانت حركة شعبية تلقائية فرضتها عادات شهر الصيام، أم تراخيا من قبل أجهزة الدولة في فرض الالتزام بالحجر ومراقبة مدى تطبيقه.
وتبدأ تونس الانتقال من الحجر الصحي العام إلى الموجه، بداية من 4 مايو القادم، إثر تأكيد رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ إقرار التمديد في فترة الحجر الشامل حتى 3 مايو المقبل، على أن يتم بعده الانطلاق في الحجر الصحي الموجه.
ولم تثنِ حتمية الالتزام بالحجر، التونسيين من الاصطفاف أمام أبواب المحال التجارية والسوق المركزية بالعاصمة وغيرها، رغم حزمة الإجراءات التي أقرتها وزارة الصحة في خطوة لاحتواء كوفيد19-. وبدت الحركة في الأنهج المتفرعة عن شوارع العاصمة عادية، حيث أقبل المواطنون بكثافة على السوق المركزية للخضر والغلال، فضلا عن محال بيع المصبرات الغذائية والتوابل، وهو ما خلق نوعا من التلاصق والاكتظاظ في نقض واضح للتباعد الاجتماعي الذي يعتبره خبراء الصحة ضروريا للحد من انتشار الوباء.
ويشرح السياسي والأمين العام لحزب “تونس إلى الأمام” عبيد البريكي لـ”العرب” تغافل التونسيين عن الالتزام بالحجر خاصة مع بداية شهر الصيام. وحسب رأيه فإن “عدم احترام الحجر في شهر رمضان يعود لواقع اجتماعي وعلى ارتباط وثيق بنسبة الفقر لشريحة اجتماعية واسعة والذي حال دون الانضباط للحجر الصحي حيث أدى التسابق نحو القوت والأكل إلى تجاوزات كبيرة”.
وعزا البريكي الأمر إلى عوامل موضوعية، وقال “النتائج المعلنة للتحاليل في الأيام الأخيرة خلفت نوعا من الطمأنينة وأصبح التعامل مع الوضع عاديا على عكس التخوف الذي انطلق في البداية”.
وبدأ الأطباء في تونس في استخدام التحاليل السريعة في مسعى لتطويق الإصابات المحتملة بفايروس كورونا المستجد. ويشدد خبراء الصحة على أن الالتزام بالحجر الصحي الوسيلة الناجعة لمحاربة الوباء.
وعلى الرغم من أن دعوات السلطات إلى الالتزام بالحجر الصحي رافقه تزايد مخاوف وزارة الصحة من استمرار تراخي المواطنين في تطبيق الحجر وتدهور الوضع الوبائي في البلاد، فإن العديد من التونسيين خرجوا من بيوتهم بحجة التبضّع لاقتناء حاجياتهم الاستهلاكية تزامنا مع حلول شهر رمضان، أو بهدف استئناف أنشطتهم الحيوية.
وتجمّع المواطنون، أمام محال بيع الخضر واللحوم في مناطق عدة من العاصمة تونس التي صنفتها وزارة الصحّة بؤرة لتفشي الوباء، وشهدت إقبالا مكثفا بعيدا عن احترام إجراءات الوقاية كالتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات.
وذكرت وسائل إعلام محلية، استئناف عدة أنشطة تجارية منذ الاثنين الماضي، من بينها محلات بيع الأقمشة ومواد بيع البناء والمفروشات وأواني الطبخ بمحافظة أريانة بالقرب من العاصمة، وفتح التجار محلاتهم للعموم وهو ما خلق حركة تجارية تعتبر عادية قياسا بباقي أيام السنة.
وشهدت بعض الأسواق عودة مظاهر الانتصاب الفوضوي وبيع الكمامات في المسالك غير المنظمة، فضلا عن رصد إخلالات تتعلق بترويج المستلزمات الصحية غير المطابقة للمواصفات بمسالك توزيع غير قانونية.
ولم تكف جهود مكونات المجتمع المدني لتوعية الأفراد بضرورة التقيّد بشروط السلامة العامة، ويجد المتطوعون عدة صعوبات في تحسيس المواطنين بالالتزام بمسافة الأمان أمام المحلات التجارية والفضاءات العمومية ومراكز البريد وغيرها.
واستدعى عدم الالتزام بترتيبات الحجر، تدخّل السلط الأمنية بمختلف تشكيلاتها لفرض التقيد بمبدأ التباعد الاجتماعي، وتم حجز البضائع وإغلاق المحلات بالقوة العامة وسط امتعاض كبير للمواطنين.
وخلقت ثنائية إلزامية الحجر للتوقي من الفايروس وإكراهات الواقع المعيشي، معادلة صعبة أمام التجار في ظل تراكم ديونهم وركود المنتوجات، كما طرحت بقوة مدى توفيق السلطات في فرض الحجر وضمان السير العادي لحياة المواطنين.
وسبق أن أعلن رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ، تمديد الحجر الصحي الشامل حتى الثالث من شهر مايو المقبل، والانطلاق في الحجر الموجه بداية من الرابع من الشهر ذاته كإجراء تدريجي لوقف انتشار كوفيد – 19.
وأشار الفخفاخ إلى أن المؤسسات الاقتصادية ستعود إلى عملها الطبيعي، وخصوصا منها الاستراتيجية والشركات المصدرة التي تعتمد على المنافسة العالمية في عملها.
كما أكد أن الفضاءات التجارية الصغرى، كمحال الحلاقة والنجارة والحدادة والحرف ستعود إلى عملها فضلا عن عودة وسائل النقل العمومي ضمن شروط يتم ضبطها في كراس شروط وبشكل تدريجي.
وفي معرض تعليقه على تصريحات رئيس الحكومة، يعتقد البريكي أن الفخفاخ “ارتكب خطأ اتصاليا وسياسيا عندما عرّج على موعد الحجر الموجّه”، وأضاف “حتى لو كان قرار الرفع التدريجي ناجعا، ما كان ليكون طرحه بتلك الطريقة”.
وتباطأت نسبة انتشار الفايروس في تونس بفعل الحجر الصحي العام والقيود المفروضة على حركة التنقل.
ولكن المرصد الوطني للأمراض المستجدة، كان أشار إلى أن نسب تفشي فايروس كورونا تأخذ منحى أسرع في مدن بالجنوب وفي تونس العاصمة مقارنة بشمال البلاد والمناطق المحيطة بها.