رحلة في أوروبا عبر 15 فيلما جديدا

يقدم مهرجان الفيلم الأوروبي في عمّان إطلالة بانورامية على أبرز إنتاجات السينما الأوروبية، حيث يقدم في كل دورة لمحة عن أبرز الأفلام التي تطرح قضايا إنسانية هامة، لا تتوقف عند حدود ما تواجهه المجتمعات الأوروبية، بل تتطرق إلى قضايا إنسانية متنوعة، وهو ما يبرز دور السينما في تحقيق الانفتاح والتكامل بين المجتمعات.
على غرار العديد من المهرجانات السينمائية في العالم، التي تُقام افتراضيا التزاما بالتباعد الاجتماعي، في ظل انتشار جائحة كورونا، نظّم وفد الاتحاد الأوروبي وهيئة المعاهد الثقافية الأوروبية في الأردن، بالشراكة مع الهيئة الملكية الأردنية للأفلام النسخة الثانية والثلاثين من مهرجان الأفلام الأوروبية أونلاين عبر منصة رقمية مخصصة له.
استمر المهرجان أحد عشر يوما منذ مطلع سبتمبر الجاري، وهو أطول مهرجان للأفلام الأجنبية في الأردن، استقطب منذ إنشائه الآلاف من رواد السينما، ويُعد الحدث الأبرز في النشاطات الثقافية التي يقيمها الاتحاد الأوروبي في الأردن، حيث يفتح مساحة للتعاون والتبادل والحوار والتنوع بين الثقافات، ويشكّل فرصة لسفارات الاتحاد الأوروبي والمعاهد الثقافية/اللغوية لاصطحاب رواد السينما في رحلة سينمائية لاكتشاف الشعوب الأوروبية ومناظرها الطبيعية وثقافتها وتقاليدها.
فعاليات المهرجان
تضمنت فعاليات هذه الدورة من المهرجان بث أكثر من 15 فيلما روائيا طويلا وقصيرا مترجما إلى اللغتين العربية والإنكليزية، إضافة إلى فيلمي رسوم متحركة (أنيميشن)، وأعقبت بعض هذه الأفلام مناقشات عبر الإنترنت مع صانعي الأفلام أو الممثلين أو المنتجين.
واشتملت الفعاليات على مسابقة للأفلام القصيرة، وقد توج بها فيلم “جذور متقطعة” إخراج عاصم طارق وسارة الزيات، إضافة إلى ورشتي عمل حول تصميم الأزياء في مدينتي عمّان وإربد، وورشة تدريبية بعنوان “مساعد المصور الأول” أقيمت في الهيئة الملكية الأردنية للأفلام– مركز أفلام وادي رم.
وهدفت هذه الورش إلى تطوير مهارات المشتركين في تصميم الأزياء المستخدمة في صناعة الأفلام، ومساعدي المصور الأول والثاني والثالث ممن يرغبون في استكمال مسيرتهم المهنية كمصورين مساعدين، لتعلم الاحتياجات والمهارات والمعرفة اللازمة لمساعد المصور مثل أنواع المعدات، وضبط الكاميرا والموقع، وضبط أماكن الممثلين والتواصل مع الطاقم وما إلى ذلك. إلى جانب خريجي مدارس السينما والتلفزيون الذين يحتاجون إلى تحسين مستواهم العملي على وجه التحديد، وأولئك الذين يعملون أو عملوا في مجال تصميم الأزياء وقسم التصوير.
وقد تضمنت ورشة تصميم الأزياء، التي أشرفت عليها هالة شهاب، مقدمة في فن تصميم الأزياء الخاصة بالأفلام، ودورها في تشكيل الشخصيات، وترجمتها في النصوص، وإعطاءها الأبعاد الاجتماعية والتاريخية والنفسية، مع الأخذ بعين الاعتبار العنصر الفني من ناحية الألوان والأشكال، ومن ثم تشكيلها بطريقة تتناغم مع باقي عناصر النص والشكل البصري للفيلم.
أما ورشة “مساعد المصور الأول” فقد أشرفت عليها تانيا مرّار، وهي مساعد كاميرا أول أردنية، عملت في العديد من الإنتاجات التلفزيونية الدرامية والوثائقية الكبيرة مع “نتفلكس” و”بي.بي.سي” و”هيستوري شانل”.
افتتح المهرجان بالفيلم الألماني الدرامي “محطمة النظام” للمخرجة نورا فاينشت، الذي سبق أن حصد جائزة الدب الفضي في مهرجان برلين السينمائي، وترشح لعشر جوائز في مسابقة الفيلم الألماني السنوية بنسختها الـ70، التي تعرف باسم جوائز “Lola”، وحصد ثماني منها، بما في ذلك جائزة أفضل فيلم، أفضل سيناريو، أفضل مخرج، أفضل ممثلة مساعدة، أفضل مونتاج وأفضل تصميم صوت.
الورش هدفت إلى تطوير مهارات المشتركين في تصميم الأزياء المستخدمة في صناعة الأفلام، ومساعدي المصور الأول والثاني والثالث ممن يرغبون في استكمال مسيرتهم المهنية
بطلة الفيلم “بيني”، التي أدت دورها هيلينا زينجل، طفلة شغوفة بالتمرد تبلغ من العمر تسع سنوات، وتعاني من نوبات الغضب المتفجرة، التي تضعها في مواقف محرجة، فتتركها أمها “بيانكا كلاس” في دور الرعاية لأنها لا تقوى على تحمل هذا القدر الهائل من العنف لدى ابنتها، وفي سعي الطفلة الدؤوب للحب تدفع الجميع من حولها إلى اليأس، حيث تتنقل بين بيوت الرعاية ولا تمكث فيها فترة طويلة، مما يدفع مؤسسة حماية الطفل إلى وصف حالتها بـ”محطمة النظام”، وهو الأمر الخطير للغاية داخل المجتمع الألماني المنظم.
وعلى الجانب الآخر ثمة شخصية “ماريا بافاني” أخصائية الرعاية الاجتماعية التابعة لها الطفلة، والمخالفة للأم تماما، فهي الوحيدة التي لم تتخل عن “بيني”، وتصمم على أن تجد لها مكانا، على الرغم من طردها من العديد من المنازل بحيث يرفض الباقون قبولها. وعند شفاء الطفلة تؤخذ إلى المطار لتسافر إلى كينيا، لكنها تغافل الجميع وتجري بقوة، ثم تنتحر بالقفز من أعلى، في مشهد من أكثر مشاهد الفيلم شجنا، وكأنه تأكيد على رغبة الطفلة في التحرر.
وقد كتب بعض النقاد أن هذا الفيلم من أكثر الأفلام التي تخاطب قلب المشاهد قبل عقله، وتجعله يبكي بين مشاهده، متأثرا بتلك الصغيرة التي تعاني وتتألم، وفي الوقت ذاته تعذب الذين من حولها، وأزمتها كلها تكمن في افتقارها إلى حنان أمها.
ومن جماليات الفيلم المميزة قدرة المخرجة على إحداث تداخل رائع بين الأحداث الحقيقية والصور الضبابية للأحلام شبه الكابوسية المصحوبة بموسيقى تزيد من حالة التوتر.
أفلام بقضايا مختلفة
شاركت في المهرجان، إلى جانب فيلم الافتتاح، مجموعة أفلام هي “رسائل من أنتاركتيكا” (بلغاريا)، إخراج ستانيسلاف دونتشيف، ويدور حول أم عزباء تبذل كل ما بوسعها لحماية طفلها البالغ من العمر 8 أعوام من المعاناة والألم، إذ أخبرته أن والده ذهب في بعثة إلى القطب الجنوبي لتخفي حقيقة وفاته، لكن تأجيل اعترافها بوفاة الأب يلحق الضرر بها وبولدها.
كما شارك فيلم “قصة عشيق الصيف” (رومانيا) للمخرج بول نيجويسكو، وهو كوميدي يروي قصة أستاذ الرياضيات في جامعة البوليتكنيك في بوخاريست “بيترو”، الذي يعيش حياة خالية من الهموم، ويرتبط بعلاقة غير جادة مع “إيرينا” التي لا يُخفي عنها علاقاته الحميمة مع الأخريات بين حين وآخر. ويجد “بيترو” نفسه مجبرا على تغيير نمط حياته، والنضوج عندما يعلم أن “إيرينا” حامل، ويقرر أحد أصدقائه كتابة قصة حياته في كتاب.
كذلك نجد فيلم “الرجل الثاني عشر” (النرويج)، إخراج هارالد زوارت، وهو دراما حربية، يتناول قصة 12 مقاتلا من المقاومة النرويجية، خلال الحرب العالمية الثانية، يعبرون بحر الشمال بقارب صيد لتنفيذ عملية نوعية ضد أحد المطارات العسكرية الألمانية، ويفجرون القارب بعد نزولهم. لكن الجيش النازي يقتل 11 منهم ويلوذ الأخير “يان بلسرود” بالفرار سباحة في البحر المتجمد حتى يصل إلى بر الأمان بمساعدة السكان المحليين، في إشارة إلى شجاعتهم، ومواجهتهم للقوات النازية المعتدية عليهم.
وحضرت سلوفاكيا بفيلم “المعلمة” للمخرج جان هيريبيك، وهو فيلم درامي ذو طابع كوميدي يسلط الضوء على انقلاب حياة الطلاب وذويهم رأسا على عقب منذ قدوم المعلمة الجديدة “ماريا درازديخوفا” إلى المدرسة الواقعة في ضاحية براتيسلافا عام 1983، إذ يتسبّب سلوك المعلمة الفاسد، الذي يُعتقد أنه السبب وراء محاولة انتحار أحد الطلاب، باستدعاء مدير المدرسة لأولياء أمور الطلاب إلى اجتماع طارئ، والطلب منهم التوقيع على مذكرة للمطالبة بإبعاد المعلمة، لكنهم يخافون لكونها نافذة في الحزب الشيوعي.
فعاليات هذه الدورة من المهرجان بثت أكثر من 15 فيلما روائيا طويلا وقصيرا مترجما إلى العربية والإنجليزية
ومن هولندا استضاف المهرجان فيلم “رافاييل” إخراج بين سومبوغارت، وهو دراما رومانسية تدور أحداثه حول شاب تونسي يدعى “نذير” يعيش في بلده ويتزوج من مصممة شعر هولندية اسمها “كيمي”، ويحاول كلاهما أن يفعل كل شيء ليعيشا معا من أجل إنجاب ابنهما “رافاييل”. لكن حالة التوتر التي تجتاح تونس بعد ثورة الياسمين التي أزاحت حكم الرئيس زين العابدين بن علي، ترغم “نذير” على خيار الهروب إلى أوروبا، عبر البحر الأبيض المتوسط، فيُعتقل في جزيرة “لامبيدوزا” الإيطالية كونه مهاجرا غير شرعي.
وشاركت أيرلندا بفيلم “بلاك 47” إخراج لانس دالي، وهو يتناول أحد فصول الصراع التاريخي بين حركة التحرر القومي الأيرلندية والاحتلال البريطاني وقمعه الوحشي الذي كان يمارسه ضد الأيرلنديين، خلال المجاعة الكبرى التي ضربت البلد مدة خمسة أعوام، وبلغت ذروتها عام 1847.
وفي هذه الخلفية القاتمة يصور الفيلم قصة جندي أيرلندي اسمه “مارتن فيني” متميز بمهاراته العسكرية حينما كان يقاتل في صفوف إحدى فرق الجيش البريطاني في المستعمرات، وعندما يعود إلى بلده يجد أن بعض أفراد عائلته قد مات من الجوع، وبعضهم الآخر بسبب قهر الاحتلال الذي يجثم على صدر البلاد.
وحمل الفيلم الكرواتي عنوان “بلا هزل” للمخرج نيفيو ماراسوفيتش، وهو يروي قصة مصمم غرافيك شاب اسمه “يانكو”، يتعرض للانهيار العاطفي جرّاء خيانة صديقته “ناتاشا”، ويحاول عبثا تجديد علاقته المقطوعة بها.
وشاركت السويد في المهرجان بأربعة أفلام قصيرة هي “كارليكينزفارغ”، “ديت سيستا سوم دور”، “ساي يا” و”إنيا يالتار”. أما فيلما الرسوم المتحركة فكانا من هنغاريا “روبن براندت” للمخرج ميلوراد كرياستيك، ومن الدنمارك “كلبي الصغير مايسترو” للمخرج ماريا ماك دالاند.