دائرة الخلافات في النهضة تتوسع وتنذر بانفجارها من الداخل

يعيش حزب حركة النهضة، واجهة الإسلاميين في تونس، مخاضا سياسيا عسيرا بعد الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد، والتي أزاحت منظومة بأكملها كانت تقودها الحركة على امتداد ما يزيد عن عشر سنوات، وبات التصدّع والخلافات واقعا يوميا في النهضة، ما ينذر بتفكّك داخلي للحزب.
تونس – بدأت دائرة الصراعات في حركة النهضة تتوسّع، بعد توقيع عدد من أعضاء مجلس الشورى عريضة لسحب الثقة من عبدالكريم الهاروني من رئاسة المجلس، في خطوة تمهّد حسب المراقبين إلى تداعي بنيان الحزب وتنذر بانفجاره من الداخل.
ووقّع عدد من أعضاء مجلس شورى النهضة، عريضة للمطالبة بعرض سحب الثقة من عبدالكريم الهاروني، وفق ما أشارت إليه مصادر مطلعة.
وأشارت تلك المصادر إلى أن عدد الموقعين لم يبلغ النصاب المطلوب وهو خمسون توقيعا، وأن عدد الموقعين إلى حدّ الآن بلغ تسعا وأربعين.
وعبّر الموقّعون على العريضة عن “رفضهم لما يعتبرونه سوء إدارة الهاروني لمجلس الشورى وتهميش دوره داخل مؤسسات الحركة وانحيازه لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في اتخاذ المواقف”.
وترى أوساط سياسية أن النهضة بدأت تتخلّص من مكانها السياسي تدريجيا، ولم يعد لها أي موقع في المشهد مستقبلا.
وأفاد النائب المستقل بالبرلمان حاتم المليكي، أن “الخلافات وإن كانت شأنا داخليا فإنها تبرهن على أنه لم يعد للنهضة مكان في تركيبة المشهد السياسي”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “النهضة اليوم تعود إلى حجمها الحقيقي، وظهرت بوادر ذلك منذ سنوات بيد منتسبيها وقياداتها عبر الخطابات المزدوجة والاستلاء على السلطة”.
واستطرد المليكي “من يعارضون سياسة الحركة هم يدركون جيدا أن النهضة لا يمكن أن تتواصل بتلك الحالة”.
ورجّح مراقبون ولادة حزب سياسي جديد على أنقاض الحركة الإسلامية بسبب توسّع دائرة الخلافات وتصاعد الأصوات المعارضة لشقّ الغنوشي، وفقدان الحزب لقواعده في الشارع التونسي.
وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي أن “أصل الخلافات بدأ منذ2011 بين مجموعة قيادات داخل التراب التونسي وأخرى خارجه، ما دفع رئيس الحركة راشد الغنوشي إلى تعيين علي العريض (ينتمي إلى مجموعة الداخل) في الحركة”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “الخلاف تعمّق خصوصا بين عبد اللطيف المكي (وزير صحة في الحكومة السابقة) والغنوشي، فضلا عن التحاق قيادات أخرى برئيس الحركة وأبرزهم عبدالكريم الهاروني”.
وتابع “اليوم هناك شقّ يدافع عن مبادئ الثورة وشقّ آخر استغل الدولة العميقة وساهم في استشراء الفساد، والخلافات ستفضي إلى ولادة حزب جديد على أنقاض النهضة القديمة”، قائلا “هناك قيادات تنتهج مسار الرئيس قيس سعيد، وعندما طلب الغنوشي يوم السادس والعشرين من يوليو الماضي من أنصاره النزول إلى الشارع نصرة للديمقراطية، لم تلق دعواته صدى كافيا، وتبيّن أن الشارع خرج عن إدارة النهضة”.
وأشار الناشط السياسي إلى أن “الجانب المالي سيلعب دورا كبيرا في هذه المرحلة، حيث لم ينجح حمادي الجبالي (رئيس حكومة سابق) الذي انسلخ من الحزب رغم علاقاته الدولية الكبيرة خصوصا مع دولة قطر في تكوين حزب سياسي، لأن النهضة هي التي تستأثر بالجانب المالي وكل التمويلات الخارجية موجهة إليها”.
وتابع “السبب الوحيد الذي يمكن أن يقسّم النهضة هو عند فتح القضاء للملف المالي الذي يتحكّم فيه الغنوشي، والملف سيفتح أيضا مصادر التمويل الخارجي واللوبييغ، إلى جانب ما سيقوله القضاء في ملفات التسفير والاغتيالات السياسية، وكلّها ستكون لها انعكاسات قبل المؤتمر القادم إن عُقد”.
وسبق أن أكد وزير الصحة السابق والقيادي في الحركة عبداللطيف المكي، أن أخطاء حركة النهضة تراكمت في السنوات الأخيرة وأدت لابتعادها عن المطالب الشعبية للفئة المتوسطة.
وقال المكي في تصريح لوسائل إعلام محلية، “إن مسألة إدارة الوفاق مع نداء تونس والرئيس الراحل الباجي قايد السبسي كانت من الأخطاء الكبيرة للنهضة لأنها أدارت الوفاق دون أجندة اقتصادية وتنموية واجتماعية ودون أجندة حوكمة لمقاومة الفساد”، مضيفا أن “الحركة كان عليها أن توقف الوفاق وتعيد الأمان للتونسيين”، كما اعتبر أن “خطأ الغنوشي كان في الذهاب لرئاسة البرلمان فضلا عن إسقاط حكومة إلياس الفخفاخ بتلك الطريقة”.
والأسبوع الماضي، دعا نحو مئتي شاب من منتسبي النهضة، بينهم خمسة نواب بالبرلمان، القيادة الحالية للحركة إلى تحمل مسؤولية ما اعتبروه تقصيرا في تحقيق مطالب الشعب التونسي، وتفهم حالة الاحتقان.
وقالوا في عريضة لهم “إن ذلك يعود إلى عدم نجاعة خيارات الحركة وطريقة إدارتها للتحالفات والأزمات السياسية”، حسب تعبيرهم، مطالبين رئيس البرلمان ورئيس الحركة راشد الغنوشي “بتغليب المصلحة الوطنية، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لتأمين عودة البرلمان إلى سيره العادي واستعادة الثقة في هذه المؤسّسة”.
ويرى مراقبون أن تفرّد الغنوشي بالرأي عمّق الخلافات بين القيادات، وسط تنبّؤات بتشظي الحركة إلى مجموعات متصارعة في المستقبل.
ويجمع المراقبون على أن الحركة تعيش أزمة داخلية منذ مدة، وهناك أجنحة متصارعة داخلها، وهو ما أدى إلى انسحاب البعض الذين قدموا استقالاتهم وأفصحوا عن خلافهم مع قيادتها، فضلا عن تفرد الغنوشي والشقّ التابع له بسلطة القرار وإدارة شؤونها المالية واختيار التحالفات والعلاقات العربية والدولية.
وتعمّقت الأزمة الداخلية للحركة بعد قرارات الرئيس سعيّد، وسط ترجيحات بتشظيها إلى مجموعات متصارعة والتحاق بعض قياداتها بأحزاب أخرى وتكوين أحزاب على هامشها.
وفي وقت سابق، وجّه حوالي مئة عضو من حركة النهضة من بينهم أعضاء في المكتب التنفيذي الوطني ومجلس الشورى والكتلة البرلمانية فضلا عن بعض القيادات بالجهات والمحليات (على غرار عبداللطيف المكي ونورالدين العرباوي وفتحي العيادي وسمير ديلو وآخرين) رسالة مفتوحة إلى الغنوشي طالبوه فيها بالإعلان عن عدم الترشّح لرئاسة الحركة في المؤتمر القادم.