خطة تونسية واعدة لإنقاذ قطاع صناعة الأدوية

إطلاق مبادرة "فارما" لتعزيز القدرة التنافسية للشركات، وتوقعات بانتهاء أزمة نقص الأدوية بحلول مارس المقبل.
الاثنين 2019/01/07
إلقاء أزمة القطاع على المهربين

تسارعت محاولات إنقاذ صناعة الأدوية التونسية المتعثرة بسبب الأزمات الاقتصادية، والتي أدت إلى شلل شركات الإنتاج واختفاء العديد من أنواع الأدوية من الصيدليات وسط تصاعد القلق والتذمر بين المواطنين من حدوث أزمة صحية كبيرة في البلاد.

تونس – تصدى مجلس التحاليل الاقتصادية في تونس لأزمة الأدوية المتفاقمة بإطلاق مبادرة “فارما” لتعزيز القدرة التنافسية لشركات صناعة الأدوية، وأعلن عزمه تنفيذ المبادرة خلال الربع الأول من العام الحالي.

ويشكل فقدان أنواع من الأدوية طيلة الأشهر الماضية خللا كبيرا في نظام الرعاية الصحية بالبلاد، ما تسبب في حالة من الفوضى داخل القطاع ودفع الصيادلة إلى تعليق الاتفاقية المبرمة مع الصندوق الوطني للتأمين على المرض (كنام).

ويرى العاملون في القطاع أن ذلك يختزل مشهد ارتباك إدارة الطبقة السياسية الغارقة في صراعاتها ويؤكد فشل سياسات الحكومات المتعاقبة في تطوير قطاع يعاني من الفساد.

ونسبت وكالة الأنباء التونسية الرسمية لعضو المجلس سامي الزاوي قوله إن “إطلاق ميثاق ‘فارما’ يأتي لتطوير تنافسية قطاع الصناعات الصيدلية، الذي يتم إعداده في إطار خطة الانعاش الاقتصادي 2019-2020”.

وأوضح الزاوي، وهو خبير مالي، خلال انعقاد الجلسة العامة العادية لجمعية الخبراء المحاسبين الشبان في العاصمة السبت الماضي، أن “المبادرة تهدف إلى التوصل لاتفاق بين القطاعين العام والخاص حول ما يستوجب القيام به لتعزيز ودفع تنافسية القطاع عبر جمع الإجراءات المدرجة بهذا الميثاق وضمان متابعتها”.

36 شركة متخصصة في صناعة الأدوية تعمل حاليا في تونس، وفق ما تشير إليه البيانات الرسمية

وأشار إلى أنه “تبعا لهذا الميثاق تلتزم الدولة بتنفيذ مجموعة من الإجراءات في ما يتعهد القطاع الخاص بتحقيق أهداف الاستثمار والتصدير وتوفير فرص عمل جديدة”.

وبحسب البيانات الرسمية، فإن هناك 74 شركة، من بينها 36 شركة مختصة في صناعة الأدوية، فيما تركز البقية على صناعة المستلزمات الطبية، برقم معاملات يبلغ سنويا 250 مليون دولار.

ويقول مراقبون إن قطاع الرعاية الصحية من أكثر القطاعات فسادا، وإنه ينافس فساد القطاعات الأخرى وإنه أصبح بيئة مثالية لاستيلاء بعض اللوبيات على أموال الشعب بالتحايل عبر صفقات مشبوهة.

ولعل شهادة وزراء الصحة الذين تعاقبوا على تسيير وزارة الصحة، مثل الوزيرة السابقة سلوى مرعي، أكبر دليل على تفشي ظاهرة الفساد.

وسبق للوزيرة أن كشفت قبل عامين عما بات يعرف بفضيحة “اللوالب القلبية الاصطناعية”، إضافة إلى صفقة توريد مواد مخدرة للاستخدامات الطبية فاقدة الصلاحية.

ومن المستبعد أن تكون الاتفاقية التي أبرمتها وزارة الصحة مع هيئة مكافحة الفساد للحد من إساءة إدارة المؤسسات الصحية في القطاع العام، ذات تأثير نظرا لوجود جهات تسعى لوأدها لأنها تتعارض مع مصالحها.

وينسحب ذلك على الصفقات التي تعلنها الوزارة بين الفينة والأخرى للحصول على مواد أو معدات وخدمات طبية. وقد أكدت بيانات حديثة لهيئة مكافحة الفساد أن ربع تلك الصفقات يذهب لجيوب الفاسدين.

وتشير التقديرات إلى أن ديون المستشفيات البالغ عددها 166، إلى جانب أكثر من ألفي مركز صحي، تجاوزت 207 ملايين دولار في العام الماضي وتؤكد أنها لم تعد تصلح لتقديم الخدمات الطبية وتحتاج إلى إصلاحات عاجلة.

وتتعلق مبادرة “فارما” بتكوين لجنة موحدة تعنى بتحديد أسعار الأدوية والترخيص لصنع منتجات صيدلانية جديدة وتعزيز الصادرات ومواصلة دعم عملية منح تراخيص توزيع الأدوية في السوق المحلية.

ويطالب الموقعون على المبادرة بتقليص آجال دراسة الملفات إلى عام واحد فقط، بدل بين سنتين وثلاث سنوات في الوقت الحالي.

سامي الزاوي: المبادرة هدفها عقد شراكات بين القطاعين العام والخاص لتطوير الصناعة
سامي الزاوي: المبادرة هدفها عقد شراكات بين القطاعين العام والخاص لتطوير الصناعة

وفي إطار خطة الإنعاش الاقتصادي التي وضعتها الحكومة، تم وضع ست مبادرات لتطوير التنافسية في عدة قطاعات وهي صناعات النسيج والملابس والسيارات ولا تزال 3 مواثيق من بينها ميثاق الأدوية في طور الإنجاز.

وكان وزير الصحة عبدالرؤوف الشريف قد قال في تصريحات إذاعية الشهر الماضي، إن “مشكلة نقص الأدوية لا يمكن أن تنتهي بين عشية وضحاها رغم أن الصيدلية المركزية تخطت مشاكل توفير الأدوية لصيدليات البلاد”.

وتعهد بأن تنتهي مشكلة اختفاء الأدوية بحلول مارس المقبل ملقيا بالمسؤولية في ذلك على المعربين الذين يجنون أموالا طائلة من هذه السوق السوداء.

واعتبر أن انخفاض أسعار الأدوية في السوق المحلية مقابل ارتفاعها في الدول الأخرى وخاصة ليبيا والجزائر يعد السبب الرئيسي في تفاقم التهريب، وهو ما تسبب في النقص المسجل للأدوية.

ويشكل تدهور قيمة الدينار وغلاء أسعار المواد الأولية المستوردة من الخارج عائقين للشركات أمام التصنيع وساهما في نقص الأدوية.

ورغم كل الظروف، تشكل تونس بالنسبة لشركات الأدوية العالمية قاعدة استثمارية تساعدها على غزو أسواق جديدة بفضل موقعها الجغرافي.

وكشفت أكبر شركة صينية لصناعة الأدوية في مايو الماضي أنها تتفاوض مع شركات محلية لخوض مغامرة الاستثمار في القطاع في تونس باعتبارها واحدة من أبرز الأسواق الواعدة في قارة أفريقيا.

وتعكف شركة ييتشانغ على استكشاف الفرص، خاصة وأن تونس بإمكانها أن تكون قاعدة إقليمية للإنتاج والتوسع بالنسبة للشركات الصينية التي تنوي النشاط مستقبلا.

10