حنا ورد فنان سوري يرسم السينما بلغة الضوء

مدير التصوير حنا ورد يرى أن اللقطات السينمائية الصعبة أو المشاهد المستنسخة من أفلام أخرى لا تصنع فيلما جيدا.
الأربعاء 2020/04/22
مهنة جمالية تستدعي قدرات ذهنية خارقة

شارك مدير التصوير البرتغالي العالمي إلزو روك في العديد من الأفلام السينمائية السورية، فطلب مرة أن يشاهد بعض الأفلام السينمائية لزملاء المهنة السوريين، وبعد مشاهدته فيلم “تراب الغرباء” الذي كان مدير التصوير والمصوّر فيه السوري حنا ورد قال “لماذا تأتون بي من أوروبا، ولديكم هكذا مبدع”.

دمشق- حنا ورد فنان سوري درس في معهد فغيك في الاتحاد السوفييتي فنون الإضاءة السينمائية والتلفزيونية، وهو أحد أهم معاهد دراسة السينما في العالم، وتخرج فيه عام 1978 وعاد إلى سوريا، ليبدأ العمل فيها مشاركا المخرج محمد ملص فيلمه الوثائقي “المنام” عام 1980.

شكّل عمله مع المخرج السوري سمير ذكرى جدلية فنية ناجحة في نطاق عمله داخل المؤسسة العامة للسينما السورية حيث كانا يعملان، كما كان شريكا فاعلا للمخرج الوثائقي الشهير عمر أميرالاي في العديد من أفلامه منها “السيدة رئيسة الوزراء بنازير بوتو” و“الرجل ذو النعل الذهبي” عن رفيق الحريري وكذلك فيلم “نور وظلال” عن نزيه الشهبندر السينمائي السوري الشهير.

ويوضح حنا ورد رؤيته لفن الإضاءة في السينما لـ“العرب” التي حاورته فيقول “الإضاءة هي من أهم الأدوات الإبداعية في السينما، وهي تعطي الأجواء الدرامية المطلوبة للفيلم بناء على نص السيناريو الدرامي والحلول الإخراجية للمخرج، من هنا تأتي أهمية الإضاءة  فنحن نبحث عن العنصر الفكري وليس الجمالي. الإضاءة عنصر درامي كما الممثل وبقية الحلول الدرامية، وهي ربما الأهم، لأنها تضيء تلك الحلول الدرامية الأخرى وتجعل من الممكن أن نشاهدها”.

مصطلحات جديدة

"تراب الغرباء" مكّن ورد من نيل جائزتي أفضل تصوير وإضاءة من مهرجاني السينما  البحريني والقاهرة الدولي
"تراب الغرباء" مكّن ورد من نيل جائزتي أفضل تصوير وإضاءة من مهرجاني السينما  البحريني والقاهرة الدولي

حنا ورد من مواليد 1950، درس في الاتحاد السوفييتي. صوّر العشرات من الأعمال السينمائية والتلفزيونية في سوريا وخارجها، ونال العديد من الجوائز الهامة منها: الجائزة الأولى عن التصوير والإضاءة للمسلسل التلفزيوني “الجوارح” القاهرة 1995، وجائزة أفضل تصوير وإضاءة عن فيلم “الكومبارس” من مهرجان ريميني – إيطاليا 1995، وجائزة أفضل تصوير وإضاءة عن فيلم “تراب الغرباء” في مهرجان القاهرة الدولي 1999، وأخرى عن الفيلم ذاته من مهرجان السينما العربية في البحرين 2000.

وفي عالم السينما تبدو الإضاءة فضاءً متناسقا من الأضواء والألوان التي تُحقّق منظومة بصرية متكاملة تكون جسرا لإيصال فكرة إلى المتلقي، فمن خلال ما يرسمه لونيا مدير الإضاءة سنصل إلى فكرة الفيلم في هذا الاتجاه، ومن هنا يرى ورد “الرسم بالضوء هو لب الفن السينمائي الذي أؤمن به، الإضاءة هي التي تعكس مزاج المخرج ومضمون الأفكار الموجودة في السيناريو وتساعد الممثل في صناعة أجواء المكان والجو المحيط بالعمل. الإضاءة هي التي تعطي للصورة الحالة الدرامية النهائية”.

وفن السينما هو فن صورة بشكل أساسي، والصورة هي انعكاس وتطوير للمضمون الدرامي للسيناريو وتطوير لأداء الممثلين. الإضاءة هامة سواء كانت الكاميرا السابقة المعتمدة على الفيلم أو الحالية الإلكترونية، فلو كانت الكاميرا تُعطي نتائج بصرية كما العين، لكانت نصف الشركات المنتجة قد ابتعدت عن استخدام الإضاءة وصوّرت السينما بالأضواء الطبيعية. ولكن حتى اللحظة هناك مسافة بين ما تبصره العين الطبيعية وما تصوّره العدسة.

ولذلك يلجأ إلى موضوع الإضاءة لحاجة تقنية أولا ولحاجة درامية ثانيا كون الإضاءة تقدّم توظيفا دراميا للحدث الذي يجري، ويمكنها أن تعزّز الأفكار التي ترد في السيناريو.

ويقدّم ورد مثالا على ذلك، قائلا “في فيلم ‘القيامة الآن’ لكوبولا يمرّ مشهد حيث نكون في مناطق المتمرّدين بالغابة وآثار الحروب والدماء والخراب موجودة، فتظهر الغابة بألوان حمراء وأرجوانية وكأن القيامة قد قامت فعلا”.

تحضر في عوالم السينما الحديثة مصطلحات فنية جديدة، كان منها مصطلح “السينوغرافيا” الذي يحمل في تلابيبه معاني فيها التباس فكري ومهني. وعن ذلك يقول حنا ورد “خلال دراستي لفن الإضاءة لمدة سبع سنوات في موسكو وعملي في ثلاثة أفلام كمساعد مصوّر لم أسمع بمصطلح سينوغرافيا في الاتحاد السوفييتي الذي هو مركز فني عالمي كبير ومتقدّم مثل أميركا وأوروبا. المشكلة تكمن في مهنيي السينما في العالم الثالث. السينما في بعض دول آسيا مثلا متقدّمة جدا مقارنة بالسينما العربية، والسينمائيون هناك يعرفون تماما ما يفعلونه”.

ويُؤكّد ورد “المشكلة في عالمنا العربي، تكمن في غياب التعريفات، مثلا ‘فوكس بولر’ الذي يعرف بمساعد مصوّر، وحديثا ‘فيلم ميكر’ الذي لا توجد له ترجمة دقيقة مهنيا. الأمر ملتبس وهنا تعود مسألة الأكاديمية للظهور”.

ويسترسل “يقول أحدهم إن فيليني لم يدرس السينما، هذا صحيح. ولكنه تعلمها، يمكن لأحدهم أن يبدأ العمل بكناسة مسرح ما. ولكن من خلال الاحتكاك بالناس والمبدعين والقراءة والتمرين يمكنه أن يصير مخرجا. هناك معلومات وخبرة يجب أن تتوفّر سواء من الأكاديميات أو من الحياة. ولكن من المهم أن يتعلّم الفنان”.

العرب والإضاءة

"الجوارح" من المسلسلات التي كان لحنا ورد دور في نجاحها
"الجوارح" من المسلسلات التي كان لحنا ورد دور في نجاحها

عدم وجود مصطلح واضح يجعل المهنيين أمام فوضى مسميات، وعن ذلك يضيف “هذا ما أوصلنا إلى تسمية السينوغرافيا الحديثة نسبيا. أنا أرى في السينما وجود مخرج ومدير تصوير ومهندس ديكور ومصمّم مناظر. ضمن هذا السياق تعاملنا سابقا مع عدد من الفنانين في مجال السينما منهم لبيب رسلان وحسان أبوعياش وغيرهما، وصنعنا بتكامل العمل شيئا جميلا”.

وعن رأيه في تعامل السينما العربية مع فن الإضاءة وتاريخه المهني يقول حنا ورد “فن الإضاءة عربيا كان متغيرا حسب وضع الثقافة في البلد نفسه، وليكون الكلام أوضح نأخذ مثالا السينما في مصر. في الثلاثينات والأربعينات كانت الإضاءة هائلة بينما لم يكن الديكور جيدا. حينها أتوا بأجانب وخبراء في الضوء وتعلموا منهم،  فصار هنالك جيل مصري جيد”. أما عن فترة الخمسينات، يضيف “بعد تأسيس المعهد العالي للسينما كان هناك معلمون في الإضاءة. لكن السينما، ومنها الإضاءة، تعرّضت لاحقا لبعض الأخطاء وأصابها الخلل. وفي التلفزيون كانت الإضاءة عادية، وأنا أسميها عربية”.

ويرى ورد أن النقلة النوعية صنعها فنانون سوريون في بداية التسعينات منهم: عبدالقادر شربجي وهشام المالح وجورج لطفي الخوري وغيرهم من السينمائيين الذين استطاعوا نقل الإضاءة السينمائية إلى التلفزيون. وورد واحد من هؤلاء، حيث حقّق أعمالا جيدة منها “الجوارح” ونال عنه جائزة في مهرجان التلفزيون بالقاهرة 1995، حيث كان رئيس اللجنة حينها المخرج الشهير صلاح أبوسيف.

لو كانت الكاميرا تُعطي نتائج بصرية كما العين، لابتعدت الشركات المنتجة عن استخدام الإضاءة وصوّرت السينما بالأضواء الطبيعية

ويقول متذكّرا “في عام 2008 أتت الدراما التلفزيونية المصرية بمدراء إضاءة ومخرجين من السينما وكان السبب الأول اقتصاديا. وفي عام 2012 ومع دخول الكاميرا الإلكترونية، صارت لديهم خبرة بالسينما الإلكترونية وانعكس ذلك على مستوى السينما المصرية كاملا بحيث توفّرت قاعدة تقنية وبشرية عالية المستوى”.

ويُضيف مُقارنا “في سوريا ليس هناك هذا المنهج، وهذه القاعدة غائبة، بل هناك فقط طفرات فنية ناجحة، لا غير”. وهو يرى أن اللقطات السينمائية الصعبة أو المشاهد المستنسخة من أفلام أخرى لا تصنع فيلما جيدا؛ “السينما أعمق من هذا كله”.

وعن الدورة التدريبية التي أقامها منذ أشهر في الأردن ومدى تفاعل المتدربين معها وآفاق نجاحها، يقول “من خلال هذه الدورة صرت أفهم ماذا يعني قطاع عام وآخر خاص بالنسبة إلى العمل السينمائي، فأنا أرى أن الدولة لا يجب أن تنتج السينما وينبغي أن يكون دورها مقتصرا على تقديم  العون والتسهيلات اللازمة”.

16