محمد العتيق تشكيلي قطري يجدل الماضي بالمستقبل

يتحرك العديد من الفنانين نحو الإبداع وأيضا نحو رغبة جامحة في إحداث تغيير في لغة الفن وطريقة التفاعل من خلاله بشكل دائم، منطلقين من المحلية نحو مساحات جديدة أكثر انفتاحا. وضمن هذا التوجه تظهر تجربة الفنان التشكيلي القطري محمد العتيق الذي صنع من خلال موهبته حضورا لافتا في المشهد التشكيلي القطري يراوح بين المحلية والعالمية.
لا يغادر الفنان التشكيلي القطري محمد العتيق بيئته الصحراوية والساحلية التي نشأ فيها بمكوناتها الحياتية والتاريخية والمهنية، بل هي دائمة الحضور في أعماله حيث تحضر تجارة صيد اللؤلؤ التي تجذرت في وجدانه، وتحضر مراكب العمل البحرية والميناء والصحراء والبحر. وفي الآن نفسه لم ينغلق الفنان على بيئته تلك، فهو ليس فنانا متمسكا بالماضي، ينغلق على ما يعرفه ولا يخرج من عباءته، بل عمل في الفن المعاصر بما يحمله من أساليب ورؤى مختلفة.
ولدى محمد العتيق خيار خاص به في مواكبة الفن الحديث في فنون الرسم والطباعة والغرافيك الذي قدم فيه جهدا مميزا، صنع من خلاله هوية بصرية جديدة ومتميزة لتلفزيون دولة قطر ومازال يمارس عمله رئيسا لقسم الغرافيك.
دعم الناشئة
نشأ العتيق طفلا محبا لفن الرسم، دعمه أهله في البيت أولا وأساتذته في المدرسة، لكن رحيل والده المبكر أضاف تحديا لديه برغبة دفينة في أن يكون فنانا كبيرا يرفع اسم بلده في المحافل الخارجية.
يقول عن تعلمه الرسم وتطوره الفني “اتخذت القرار مبكرا بأن أكون فنانا وبدأت بتطوير نفسي. تعلمت الفن التشكيلي ذاتيا من خلال متابعة القراءة والسفر وزيارة المعارض والمتاحف والمهرجانات الفنية المختلفة. وهذا ما أوجد عندي ذخيرة معرفية كبيرة في الفنون عامة والتشكيل خاصة، شكلت جذرا معرفيا كبيرا لي”.
ويتابع “هذه المعرفة النظرية في الفن التشكيلي منحتني تقدما في العمل حتى بأشكاله الحديثة العصرية، استفدت منها في فن الغرافيك الذي مارسته في عملي بتلفزيون قطر ووضعت فيه جل خبرتي الفنية وصنعت تميزا عصريا هاما”.
وعن أهمية الفن عموما في حياة الإنسان يرى العتيق “أن الفن يمثل حالة هامة في تاريخ الشخص وحياته اليومية، وهو يحيط بالإنسان العادي في كل التفاصيل الصغيرة التي تتشكل منها حياته، بدءا من البيت ولون الجدران فيه وطريقة الإضاءة وكذلك التصميم الداخلي للأثاث وشكل الحي الذي يسكن فيه الشخص وطريقة زرع الشجر والأبنية والأرصفة.. حتى طريقة الملبس والألوان التي يلبسها الناس، كل هذه تفاصيل تحمل بعدا فنيا نعيشه ويمكنها أن تلبي طموحاتنا في أن نصنع شيئا جميلا”.
ويرى محمد العتيق أن الاهتمام بالناشئة هو السبيل الأهم لتطوير الفن، وهو ما يجب أن تتضافر فيه جهود الدولة والمجتمع الأهلي، فرعاية مواهب الأطفال الفنية هي السبيل الأهم لمعرفة الموهوبين منهم ومن ثم تثقيفهم وتدريبهم لكي يقدموا فنا تشكيليا متقدما في المستقبل.
وفي هذا السياق يقول لـ”العرب” إن “أبناءنا يقضون وقتا طويلا في التعامل مع الجوالات ووسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية دون هدف محدد يشكل قيمة معرفية يمكن أن تزيد من معرفتهم، من هنا علينا في المجتمع إيجاد الوسائل التي تضمن
تعريفهم بالفن التشكيلي واطلاعهم عليه ومتابعة عوالمه واستكشاف مساحاته الإبداعية والجديد الذي يقدمه لهم. يجب الاهتمام بذلك من سن مبكرة لأن الطفل يمتلك قدرة كبيرة على الاستكشاف وكذلك الجرأة على التجريب”.
ولا يهمل محمد العتيق أي شيء في محيطه، وهو يرى أنه “حتى الأشياء البسيطة التي يعتبرها البعض تافهة، يمكن بإعادة صياغتها وتغيير تموضعاتها أن توجد منظومات بصرية جديدة تأتي بأشكال فريدة وجميلة”. وهو ينطلق من الهوية البيئية البسيطة التي تحيط به لكي يصل من خلالها إلى آفاق عالمية رحبة.
ودأب الفنان القطري على الذهاب إلى مساحات إبداعية جديدة تقدم مفاهيم جديدة عن تفاصيل حياتية يمكن أن تتشكل بصريا فيما يلي حالتها المعروفة بين الناس. ففي أحد معارضه قدم تصورا مغايرا للصحن متجاوزا صيغته المتعلقة بالطعام ليبدو عنده محملا لإضافات صغيرة خرجت به نحو فضاءات فنية جديدة.
ويوضح لـ”العرب” أن “مفهوم الصحن يمكن أن يتجاوز مفهوم الأكل أو حتى الزينة من خلال استخدام بعض الأدوات التي تساعد في وضعه في مسارات مختلفة، مثل أقمشة محددة أو أشياء مكملة، وبالتالي الوصول به إلى حالات فنية جديدة”.
مشاركات مهمة
كان محمد العتيق ضمن الفنانين القطريين الذين حضروا بإبداعاتهم مهرجان بابل للثقافات والفنون العالمية الذي أقيم في شهر أبريل الماضي بمدينة بابل في العراق. قدم خلال مشاركته تلك لوحات عن فلسطين في جناح “غزة حجر السلام”، كما شارك في ندوة خاصة عن الفن التشكيلي القطري تحدث فيها عن بدايات الفن التشكيلي القطري، حيث قال “نشأ فن التشكيل القطري منذ عشرات السنين على أيدي فنانين قطريين تعلموا الفن التشكيلي أكاديميا من أهل الخبرة في العراق، عندما جاءوا دارسين منذ سبعينات القرن العشرين. وعلى أيدي هؤلاء تعلم القطريون الفن التشكيلي وعادوا به إلى بلادهم ليضعوا مرحلة التأسيس، ثم ما لبث أن جذر هؤلاء حركة التشكيل القطرية وتعلمت منهم أجيال وأجيال. وزخرت الحركة التشكيلية القطرية بالعديد من الفنانين الذين يشكلون طيفا واسعا في شكل الفن التشكيلي”.
أما عن مشاركته في المهرجان فيقول “لا يمكن للضمير الإنساني إلا أن يتعاطف مع ما يجري في غزة، كانت فرصة هامة لنا أن نشارك في هذه الفعالية التي أراها هامة وحاسمة، موعد المهرجان كان قريبا وضاغطا كونه لم يتح مساحة زمنية كافية، لكننا جهزنا لوحات وكان لا بد من مناصرة أهلنا في غزة الذين يعانون من آلام كبرى”.
محمد العتيق (1966) هو من أهم الشخصيات القطرية التي تشكل حضورا قويا ودائما في المشهد الفني القطري، يتعامل مع الفن التشكيلي بأسلوبه الكلاسيكي، كما يقدم فنا حديثا في فن الغرافيك تحديدا.
تقلد العديد من المناصب المهنية في بلده، منها رئيس الجمعية القطرية للفنون التشكيلية ونائب رئيس الجمعية القطرية للفنون التشكيلية. ساهم في تأسيس مجلة الأطفال “مشاعل”، كما أوجد في تلفزيون قطر قسم الغرافيك وصار رئيسا له، ومازال في المنصب إلى اليوم. وله مشاركات عربية وعالمية مختلفة من الصين حتى الولايات المتحدة.