جدل واسع في الجزائر بعد تخفيض معدل الباكالوريا

الجزائر- أثار قرار السلطات الجزائرية القاضي بخفض معدل الحصول على شهادة الباكالوريا إلى تسعة من عشرين، لغطا كبيرا لدى المختصين والرأي العام في البلاد، لما له من عواقب على المنظومة التعليمية وعلى صدقية الشهادة التي جرت في ظروف استثنائية بسبب وباء كورونا، وفي أجواء سياسية غير مسبوقة في البلاد.
وينتظر الأولياء وطلاب مدارس التعليم الثانوي في الجزائر، الإعلان عن نتائج شهادة الباكالوريا للموسم الدراسي الحالي وسط أجواء من الحيرة بعد إعلان وزير التربية محمد واجعوط، عن قرار الحكومة بخفض معدل تحصيل الشهادة إلى تسعة من عشرين، مما أثار جدلا واسعا في البلاد حول الخلفيات الحقيقية للقرار.
واضطرت الجهات المسؤولة إلى تأجيل موعد إجراء الشهادة إلى شهر سبتمبر الماضي، بسبب تفشي كوفيد – 19 وتوخّيا لأي انزلاق صحي في الأوساط المدرسية، والذي أدى حينها إلى تعطيل العمل الدراسي منذ شهر فبراير، مما أرغم الحكومة على اتخاذ إجراءات استثنائية في ما يتعلق بالانتقال من المستوى الابتدائي إلى المستوى المتوسط ومن المتوسط إلى الثانوي.
أكدت نقابة التربية أن هذا القرار على غرار باقي القرارات المتخذة من طرف وزارة التربية الوطنية، قرار ارتجالي غير مدروس، رغم مزاعم الوزارة بتوسيع الاستشارة مع الشركاء الاجتماعيين
ورغم أنه تم القبول على مضض بتسهيل الانتقال شبه الآلي من مرحلة إلى مرحلة، مع إلغاء شهادة التعليم المتوسط، إلا أن خفض معدل شهادة الباكالوريا دون معدل العشرة أثار استياء كبيرا لدى الرأي العام، كونه وظّف الشهادة في خدمة شراء السلم الاجتماعي عشية الذهاب إلى الاستفتاء الشعبي على الدستور الجديد.
ونفى الناطق الرسمي لنقابة أسلاك التعليم في أطوار التعليم مسعود بوذيبة، أن الوزارة قد استشارت الشركاء الاجتماعيين في القرار المذكور، أو أن تكون المسألة قد تم تناولها في المشاورات التي جرت بين الطرفين خلال الأسابيع الأخيرة.
وذكر المتحدث أن “الوزارة اتخذت القرار بصفة انفرادية، وتم تغييب السلط البيداغوجية التي يقع على عاتقها الفصل في مثل هذه المسائل، وأن الاستئثار بالقرار هو الذي سيضع أبرز شهادة تعليمية في مسار الطالب الجزائري على المحك، ويهدد مصداقيتها أمام الشارع والرأي العام البيداغوجي المحلي والدولي”.
وأضاف “حتى لما كان يتم اللجوء إلى مثل هذه الإجراءات، فقد كان يمر تحت مسمى باكالوريا بالإنقاذ، تقوم خلاله الهيئات البيداغوجية المخولة بدراسة المسار الدراسي للطالب وتقييم مردوده في العام الدراسي، قبل منحه فرصة الحصول على الشهادة دون الحصول على معدل عشرة من عشرين”.
وذكر بيان لنقابة التربية، اطلعت “العرب” على نسخة منه، أنه “تم تذكير وزير التربية خلال اللقاء الثنائي المنعقد هذا الأسبوع، بموقف النقابة الرافض للقرار المتخذ في نهاية السنة الماضية المتعلق بخفض معدلات الانتقال من مستوى دراسي إلى آخر، لما ينجر عنه من انعكاسات وخيمة، إلا أنه أبى الخوض في هذه المسألة وتفادى مناقشة كل النقاط المتعلقة بالدخول المدرسي وتسيير السنة الدراسية الجديدة، مبررا ذلك بتخصيص اللقاء للسماع إلى الانشغالات المهنية والاجتماعية دون غيرها”.
ولا يستبعد مهتمون بالشأن التعليمي في البلاد، أن تكون الوتيرة العادية للنتائج قد أظهرت ضعفا لافتا، ولذلك تم اللجوء إلى خفض المعدل إلى دون العشرة من عشرين، أو أن الوصاية ومن ورائها الحكومة تريد شراء سلم اجتماعي قبل الاستحقاق الدستوري، لكن النتائج جاءت عكس توقعاتها.
وأكدت نقابة التربية الوطنية، أن “هذا القرار على غرار باقي القرارات المتخذة من طرف وزارة التربية الوطنية، قرار ارتجالي غير مدروس، رغم مزاعم الوزارة بتوسيع الاستشارة مع الشركاء الاجتماعيين من خلال جلسات الحوار الشكلي التي تعقدها معهم، والتي تهدف أساسا إلى تلميع الواجهة وإضفاء الطابع الاستشاري التشاركي في اتخاذ مثل هكذا قرارات”.
رغم أنه تم القبول على مضض بتسهيل الانتقال شبه الآلي من مرحلة إلى مرحلة، مع إلغاء شهادة التعليم المتوسط، إلا أن خفض معدل شهادة الباكالوريا دون معدل العشرة أثار استياء كبيرا لدى الرأي العام
وتساءل البيان عن “الدوافع والخلفيات الحقيقية التي أدت إلى اتخاذ هذا القرار، لأن التبريرات المقدمة واهية ومضللة للرأي العام، فلا يمكن التستر وراء الجائحة الصحية، لأن المواضيع المقدمة في امتحان الباكالوريا اقتصرت على الفصلين الأول والثاني من العام الدراسي، وأن كل التدابير الوقائية كانت مهيأة كما أن هذا الامتحان مرّ في أحسن الظروف حسب التصريحات الرسمية”.
ولفت إلى أنه “حذّرنا من مغبة السعي إلى تحقيق السلم التربوي على حساب المدرسة النوعية التي نسعى إلى النهوض بها، وأن مثل هذه القرارات اللامسؤولة لا ترمي إلاّ إلى تكريس الرداءة وتشجيعها في قطاع التربية، وتؤدي إلى المزيد من التدني في مستوى التعليم والمساس بمصداقيته”.
وخلص إلى أن “نقابة التربية الوطنية ترفض هذا القرار جملة وتفصيلا وتتبرأ منه أمام الرأي العام، وتُحمل أصحابه كافة المسؤولية المنجرة عن عواقبه، وتدعو في هذا الصدد، رئيس الجمهورية إلى التدخل العاجل من أجل إبطاله ووضع حد للعابثين بالمدرسة الجزائرية ومستقبل البلاد”.