جدل تونسي حول "إهداء" امتياز تشغيل مطار النفيضة لتركيا

شركة تاف التركية تريد استغلال استثناء مطار قرطاج الدولي من اتفاق "السماوات المفتوحة" للاستفادة بشكل أو بآخر من مطار النفيضة.
الاثنين 2019/11/11
وضع حد للتغول التركي ضروري

تصاعد الجدل داخل الأوساط النقابية والاقتصادية والشعبية حول الصفقات السرية، التي تبرمها الحكومة مع أنقرة بين الفينة والأخرى لفسح المجال أمام الشركات التركية للاستئثار بالنصيب الأكبر من الاستثمارات، إذ كان آخرها منح الشركة المشغّلة لمطار النفيضة الدولي امتيازات تفضيلية لا تستجيب إلى المعايير المتفق عليها.

تونس- أثارت تصريحات نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل، أكبر النقابات العمالية في البلاد، حول إبرام السلطات صفقة “مشبوهة” مع الشركة التركية المشغّلة لمطار النفيضة الدولي، الجدل بشأن الارتهان لأنقرة.

ويواجه التقارب الاقتصادي بين تونس وأنقرة معارضة كبيرة من قبل شريحة واسعة من الأوساط الاقتصادية والشعبية التونسية نظرا إلى التركة الثقيلة، التي خلفتها حكومة الترويكا حين فتحت الباب على مصراعيه أمام الشراكات التركية.

ويتداول ناشطون على الشبكات الاجتماعية منذ السبت الماضي، مقطع فيديو يظهر فيه الطبوبي خلال حوار مع صحيفة لابراس المحلية الناطقة بالفرنسية قال فيه إنه “تم إبرام اتفاق لتمكين الجانب التركي من تخفيض بنحو 65 بالمئة في امتياز استغلال مطار النفيضة الحمامات الدولي من خلال جدولة ديونه”.

وتابع في تصريح للموقع الإلكتروني للصحيفة أنه “من خلال الاتفاق الذي تم للأسف في سرية تامة وكأننا أهدينا مطار النفيضة مجانا للأتراك”.

نورالدين الطبوبي: الاتفاق تم في سرية وكأننا أهدينا مطار النفيضة مجانا للأتراك
نورالدين الطبوبي: الاتفاق تم في سرية وكأننا أهدينا مطار النفيضة مجانا للأتراك

واعتبر الطبوبي أن هذه المسألة خطيرة للغاية، وطالب بفتح تحقيق في هذا الملف للكشف عن ملابسات هذا الاتفاق، وتتبع كل من اتخذ القرار بشكل أحادي دون القيام باستشارة واسعة مع نواب الشعب.

ولم يتسنّ لـ”العرب” الحصول على تعليق فوري حول هذه المسألة من الاتحاد العام التونسي للشغل أو السلطات التونسية.

وكانت مجموعة تاف القابضة التركية قد فازت في 2007 بمناقصة بناء المطار، كما منحت السلطات إبان حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي امتياز تشغيله لمدة أربعة عقود لتؤسس الشركة فرعا لها باسم تاف تونس لإدارة المطار.

وبعد أحداث يناير 2011، تبدلت الأوضاع وبدأت الحكومات المتعاقبة، التي يحركها حزب حركة النهضة الإسلامية بالتأثير على المسؤولين من أجل الميل بشكل “فاضح” لتركيا عبر عقد صفقات زادت من تداعياتها على الاقتصاد المحلي المتعثر.

ويعتقد محللون أن تونس تغامر بالدخول في هذا الطريق، خاصة وأن كثيرين يلقون باللوم على الحكومات المتعاقبة في السنوات التسع الماضية، والتي تكون النهضة طرفا فيها، حين أغرقت البلاد في حالة من الفوضى الاقتصادية.

وأكد الخبير الاقتصادي معز الجودي أن كل طرف يجب أن يتحمّل مسؤولياته، مبديا تساؤلات حول مآل هذه القضية إذا لم تقدّم الحكومة توضيحا وفق أي قانون تمّ إبرام هذا الاتفاق مع تركيا.

وقال في تصريح لـ”العرب”، إنه “من الضروري القيام بتدقيق حول أي طرف أخلّ بتعهداته لأن الاتفاق أساسا هو عبارة عن آلية تعامل بين بلد وشركات أجنبية لبناء واستغلال منشأة معينة”.

وأوضح أن تصريح الطبوبي يفسر وجود توجّس لدى النقابة العمالية نظرا إلى التقارب الأيديولوجي والسياسي بين تركيا وأحد الأطراف السياسية في تونس، في إشارة إلى النهضة.

وينص الاتفاق الجديد المبرم بين الطرفين على أن تستغل شركة تاف التركية مطار النفيضة الدولي لتعويض خسائرها ومصاريفها، التي فقدتها قبل 2011 وتحقق الأرباح وثم ترجع المطار للدولة التونسية.

وأضاف الجودي أن “الشركة التركية تحقق أرباحا والدولة التونسية بدورها تحقق أرباحا من خلال إنشاء مشروع لم تموله تركيا بعد 2011 ولم تكن تأمل من الربح من المطار ومن الواضح أن أحد الأطراف لم يحترم الاتفاقية”.

وأشار إلى أن التفويض للشركة التركية سابقا ضرب مصداقية تونس، ومن الواضح أن هناك محاباة وغموضا في آن معا بخصوص هذه الصفقة.

وكانت تاف قد التزمت في يونيو الماضي تجاه الحكومة التونسية بإعادة الاستثمار في مطار النفيضة بعد أن هددت وزارة النقل قبل ذلك بسحب امتياز المجموعة التركية.

وذكرت مصادر لـ”العرب”، أن هذا القرار تم اتخاذه بعد عدة مفاوضات مع وزير النقل هشام بن أحمد، بسبب خلافات حول شروط استعمال المطار وصيانته، من قبل الشركة التركية، التي كلفها تشييده نصف مليار دولار.

معز الجودي: هناك توجس من التقارب التركي مع أحد الأحزاب في تونس
معز الجودي: هناك توجس من التقارب التركي مع أحد الأحزاب في تونس

ويبدو أن شركة تاف تريد استغلال استثناء مطار قرطاج الدولي من اتفاق “السماوات المفتوحة”، الذي أبرمته تونس مع الاتحاد الأوروبي لفتح أجوائها أمام شركات الطيران منخفضة التكلفة، للاستفادة بشكل أو بآخر من مطار النفيضة.

ولكن الخبير الاقتصادي منجي المقدم يرى أن هناك تواطؤا من وزارة النقل لإبرام اتفاق يرضي تركيا، خاصة وأن مردود المطار ضعيف بالنسبة للشركة التركية، حيث تراجعت عوائدها إلى نحو 65 بالمئة قياسا بالسنوات السابقة.

وأرجع المقدم ذلك في تصريح لـ”العرب” بأن قرب مطار المنستير المنافس لمطار النفيضة الحمامات أدّى لتراجع أعمال شركة تاف التركية لذلك مارست ضغوطا على تونس للحصول على حصة أكبر.

وأوضح أن تونس اقترحت على الشركة التركية اقتسام أعمالها على المطارين حتى لا تخسر المزيد من العوائد، ولكن مع ذلك ظلت تاف تريد الاستحواذ على أنشطة المطارين بالكامل.

وليس دخول الشركات التركية إلى تونس وحده المتسبب في اتساع مشاكل البلاد من الناحية الاستثمارية، بل إن المبادلات التجارية التي تميل إلى أنقرة سبب إضافي لعدم رغبة التونسيين في التعامل مع تركيا.

ووفق البيانات الرسمية، يبلغ حجم المبادلات التجارية بين تونس وتركيا نحو 1.25 مليار دولار حاليا، وتسعى أنقرة إلى زيادتها إلى ملياري دولار.

وتعود أسباب غزو السلع التركية لتونس إلى العام 2004 حين تم إبرام اتفاقية الشراكة والتبادل الحر بين الطرفين.

وما يرفع منسوب الشكوك حول الجدوى الاقتصادية من الميل إلى تركيا هو ضعف مساهمات أنقرة لدعم تونس في مؤتمر الاستثمار نهاية نوفمبر 2016، حيث لم تقدّم تركيا سوى 100 مليون دولار كوديعة.

ولا تستثمر سوى 26 شركة تركية بين 3455 شركة أجنبية تنشط في تونس، إذ يبلغ حجم أعمالها 400 مليون دينار (138 مليون دولار) وهو مبلغ بسيط للغاية.

والهدف الوحيد، الذي استفادت منه تونس من هذه الشركات، هو امتصاص جزء من البطالة عبر توفيرها قرابة 2.5 ألف فرصة عمل.

11