تونس تنافس على تانيت قرطاج بثلاثة أفلام تنتصر لعاطفة الأبوة

الأفلام التونسية الثلاثة المنافسة على تانيت مسابقة الأفلام الروائية بمهرجان أيام قرطاج السينمائية، تأتي استعراضا عاطفيا لعلاقة الآباء بأبنائهم، وهي ثيمة قلّ التطرق إليها في السينما التونسية والعربية على السواء.
الثلاثاء 2018/11/06
"في عينيّا" كتابة سينمائية لا تخلو من شاعرية

تونس - تضم برمجة المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة من أيام قرطاج السينمائية الـ29 التي تتواصل فعالياتها بتونس حتى العاشر من نوفمبر الجاري، 13 فيلما عربيا وأفريقيا، تنافس تونس ضمنها بثلاثة أفلام، وهي “في عينيّا” لنجيب بلقاضي، و”ولدي” لمحمد بن عطية و”فتوى” لمحمود بن محمود.

 

تنافس تونس في الدورة الـ29 من أيام قرطاج السينمائية التي انطلقت مساء السبت 3 نوفمبر الجاري وتتواصل حتى العاشر منه، بتسعة أفلام في مسابقات المهرجان الأربعة وهي: مسابقة الأفلام الروائية الطويلة بثلاثة أفلام، ومسابقة الأفلام الروائية القصيرة بأربعة أفلام، ومسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة بفيلم واحد وكذلك الشأن بالنسبة لمسابقة الأفلام الوثائقية القصيرة.

من الفتور إلى الحميمية

يعد فيلم “في عينيّا”، ثالث الأفلام الطويلة للمخرج التونسي نجيب بلقاضي، بعد فيلمه الوثائقي “كحلوشة” والروائي “باستاردو” اللذين حصدا العديد من الجوائز العالمية، ليكون “في عينيّا” أول أفلام بلقاضي المشاركة في المسابقة الرسمية لأيام قرطاج السينمائية، وهو الذي سبقت له المشاركة به في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي وأيضا المهرجان الدولي للسينما بلوس أنجلس.

و”في عينيا” من بطولة نضال السعدي وإدريس خروبي وسوسن معالج وآن باري وعزيز الجبالي ومنى نورالدين.

وتدور أحداثه بين فرنسا وتونس، وهو يروي قصة “لطفي”، المهاجر التونسي المقيم بفرنسا والذي اضطر إلى العودة إلى تونس ليعتني بابنه “يوسف” المصاب بالتوحّد.

وهو فيلم يحكي بطريقة سينمائية لا تخلو من شاعرية، رغم تشعّب الحالة الصحية للابن/الطفل، عن علاقة تبدأ فاترة بين أب وابنه، لتنتهي بحميمية في آخر الفيلم الذي قال عنه مخرجه بلقاضي “أمضيت سنة ونصف السنة في مراكز الأطفال المتوحّدين، لاحظت خلالها نظرة خاصة لديهم، هي في الحقيقة ‘لا نظرة’.. وتساءلت طويلا من يمكنه أن يؤديها، وفي النهاية عثرت على إدريس، وهو طفل شديد الذكاء ويملك موهبة فذة، مثل لي اكتشافا كبيرا”.

ويبدع فعليا إدريس خروبي في أداء دور الطفل “يوسف” المصاب بالتوحّد، حيث أتقن رغم صعوبة الدور شخصية المصاب بالتوحّد بكل تفاصيلها: حركات اليد والنظرات العاجزة عن التعبير والنوبات العصبية، ليبدو وكأنه مصاب بالتوحّد وما هو بمصاب.

نماذج متشابهة

"فتوى" أب يبحث في أسباب وفاة نجله
"فتوى" أب يبحث في أسباب وفاة نجله

غير بعيد عن علاقة الآباء بالأبناء، يأتي أيضا فيلم المخرج التونسي محمد بن عطية “ولدي” بعد فيلمه الطويل الأول “نحبك هادي” المتوج بجائزتين في مهرجان برلين السينمائي 2016.

و”ولدي” يطرح أيضا علاقة استثنائية بين أب وابنه، لكن بمنظار مغاير عن العلاقة الإنسانية التي تناولها فيلم “في عينيّا” لنجيب بلقاضي، إذ يروي الفيلم قصة الكهل “رياض” الذي يشتغل سائق رافعة في ميناء بحري بتونس، يكرّس هو وزوجته “نازلي” حياتهما للاعتناء بابنهما الوحيد “سامي” الذي يستعد لاجتياز امتحان الباكالوريا، وهو يشكو من نوبات الصداع النصفي وفي الوقت الذي يشعر فيه الابن بالتحسّن، يختفي فجأة ويتوجه إلى سوريا فيلقى حتفه هناك، رغم التحاق الأب به وإقناعه بالعودة إلى تونس.

وسبق للفيلم أن شارك في مسابقة “نصف شهر المخرجين” في الدورة الـ71 لمهرجان كان السينمائي، وهو من بطولة محمد ظريف ومنى ماجري وزكرياء بن عايد وإيمان الشريف.

وكما ناقش فيلم “ولدي” لمحمد بن عطية قضية التطرف الديني في تونس ومعانات العائلات جراء تعرض أبنائهم للاستقطاب من قبل الجماعات الإرهابية، يأتي فيلم “فتوى” للمخرج التونسي محمود بن محمود ليحكي المشكلة ذاتها، حيث يضطر “إبراهيم” (الممثل أحمد الحفيان) العائد من فرنسا لحضور جنازة ابنه “مروان” المتوفى في حادث مرور إلى البحث في أسباب موت نجله، بعد أن اكتشف أنه كان ينتمي إلى جماعة إسلامية متشددة، فيبحث عن الدوافع التي جعلت من ابنه يسلك هذا الطريق المظلم.

والفيلم كما يقول مخرجه محمود بن محمود “يقدم نموذجا لمأساة أسرة تونسية وقع ابنها ضحية التيارات التكفيرية التي دفعته إلى العصبية والتطرف، في سعي لتقديم صورة تنويرية عن الإسلام في شخصية الأب إبراهيم الذي بذل كل ما في وسعه لتربية نجله على مبادئ الحداثة والتسامح، لكنه لم يفلح في إنقاذه من براثن الفكر المتطرف”.

ومخرج “شيشخان” و”قوايل الرمان” و”عبور” و”الأستاذ” يمثّل “فتوى” عمله السينمائي الخامس في مسيرته، وقد عرفت مراحل تصويره في تونس جدلا كبيرا بعد منع تصوير مشاهد منه داخل أروقة البرلمان في تونس، وهو من بطولة أحمد الحفيان وغالية بن علي ومحمد ساسي غربال.

ومن هناك تأتي الأفلام التونسية الثلاثة المنافسة على تانيت مسابقة الأفلام الروائية بالمهرجان، استعراضا عاطفيا لعلاقة الآباء بأبنائهم، وهي ثيمة قلّ التطرق إليها في السينما التونسية والعربية على السواء، حيث تعوّد المشاهد العربي على قصص تنتصر للأمومة الموغلة في تجسيد تضحيات الأم من أجل أبنائها.

وهو ما شاهدناه سابقا في فيلم “زهرة حلب” لرضا الباهي الذي تتشابه ثيمته كثيرا مع فيلمي “ولدي” و”فتوى”، إلاّ أن الأم “سلمى” (هند صبري) في “زهرة حلب” كانت هي النموذج المشرق من الوالدين في بحثها عن ابنها “مراد” المُغرّر به من قبل الجماعات التكفيرية، في حين مثّل كل من رياض في فيلم “ولدي” وإبراهيم في فيلم “فتوى” الجانب المشرق من الوالدين، ليكون لطفي في فيلم “في عينيّا” نموذجا رائعا لأب كرّس كل حياته لأجل طفله المتوحّد، فنجحا في أن يتوحّدا معا في عقل واحد، في حين لم ينجح كل من “رياض” و”إبراهيم” في إنقاذ ولديهما من آفة التطرف، رغم ما يتمتعان به من وسطية واعتدال.

وإلى ذلك تطرح الأفلام التونسية الثلاثة، الآن وهنا، من منظار سينمائي، ينتصر في “في عينيّا” لثقافة الحياة، في حين يسائل فيلما “ولدي” و”فتوى” ثقافة الموت التي حصدت أرواح الآلاف من شبابنا العربي في زمن موسوم بـ”الربيع العربي”!

"ولدي" عن أسرة كانت سعيدة
"ولدي" عن أسرة كانت سعيدة

 

16