تونس تلجأ لإنشاء المناطق الحرة لمحاصرة التهريب

وجهت الحكومة التونسية أنظارها نحو تسريع إنشاء المناطق الحرة بهدف محاصرة صناعة التهريب، التي توجه إليها أصابع اللوم في اتساع الاختلالات الاقتصادية، والتي فشلت محاولات سابقة في مكافحتها بسبب الأوضاع الأمنية المضطربة والأزمة المالية التي عانت منها الدولة في السنوات الأخيرة.
تونس – تحاول الحكومة التونسية إعطاء نفس جديد لاقتصاد البلاد المتعثر بالتركيز على محاصرة عمليات التهريب وتوفير فرص عمل للشباب بالإسراع في إنشاء مناطق حرة وخاصة على الحدود الجزائرية والليبية بعد سنوات من التأخر في تنفيذ هذه الخطط.
وباستثناء المنطقة اللوجستية والتجارية في بن قردان جنوب البلاد، والتي يتوقع أن يتم الانتهاء من تشييدها بحلول العام المقبل باستثمارات تقدر بحوالي 33 مليون دينار (12 مليون دولار)، لا تزال مشاريع أخرى تنتظر التنفيذ، في مشهد يختزل البطء الشديد لمراحل سير مثل هذا النوع من الاستثمارات.
وكانت تونس قد أبرمت في 2003 اتفاقية مع الجزائر تقضي بإقامة منطقة تبادل حر على طول الحدود بين البلدين تضم 14 منطقة تجارية مشتركة للمساهمة في تنمية المناطق الحدودية والتقليص من ظاهرة التجارة الموازية، لكن لم يتم حتى اليوم تحقيق تلك الوعود على أرض الواقع.
وفعليا، ثمة منطقتان للتبادل التجاري الحر في البلاد إحداها في بنزرت وقد تأسست في العام 1993 والثانية بمدينة جرجيس التابعة لولاية مدنين في الجنوب، وتم إنشاؤها في 1994، ولكن دورهما غير كاف في الاقتصاد المحلي رغم أنهما تمتصان جزءا من البطالة عبر توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة.
المناطق التجارية الحرة
- فضاء الأنشطة الاقتصادية في بنزرت
- فضاء الأنشطة الاقتصادية في جرجيس
- منطقة بن قردان اللوجستية والتجارية
ولا توجد بيانات دقيقة حول العوائد التي تحققها كل من هاتين المنطقتين سنويا، لكن خبراء يعتقدون أن المضي قدما في إنشاء مناطق حرة أخرى في البلاد سيسهم بدرجة كبيرة في تأمين مداخيل إضافية للدولة قد تساعدها في تحقيق أهدافها التنموية وفي مقدمتها امتصاص معدلات البطالة البالغة 15.4 بالمئة، كما أنها ستعزز الاستثمارات والصادرات.
وتراهن تونس على جذب المزيد من المستثمرين الأجانب للدخول في مثل هذه المشاريع الواعدة بعد أن استطاعت انتزاع اتفاق من بكين مؤخرا ضمن مبادرة “الحزام والطريق” الجديد لبناء منطقة حرة تشمل مصانع صينية في جرجيس.
وانطلقت السلطات في حشد جهودها منذ فترة من أجل تحقيق خططها والتي ستتوجها من خلال ندوة تنظمها الأسبوع المقبل في ولاية بنزرت تحت عنوان “المناطق الحرة قاطرة لنمو الاقتصاد” وذلك بمشاركة العديد من الشركات من دول أفريقية وأوروبية وكذلك 60 شركة تمثل المنطقة الحرة ببنزرت.
وتسلط الندوة الضوء على مقارنة التجربة التونسية في هذا المجال مع بقية دول العالم بهدف تحسين جودة الخدمات المقدمة ومواكبة التغيرات الحاصلة في ظل التنافسية مع ارتفاع عدد المناطق الحرة لتصل لأكثر من 3500 منطقة حرة في العالم وكل منطقة ودولة تتميز بخاصياتها.
وتقول فاطمة شيبوب، الرئيس المدير العام لفضاء الأنشطة الاقتصادية (المنطقة الحرة) ببنزرت، إن تجربة المناطق الحرة في تونس لا تزال تسير ببطء ولكنها تعتبر ناجحة يمكن تطويرها إذا ما توفرت الاستثمارات اللازمة، نظرا لدورها الكبير في دفع عجلة النمو.
ويبدو الهدف الأبرز من الاندفاع إلى إنشاء مناطق حرة هو محاولة الحد قدر المستطاع من ازدهار السوق الموازية التي نخرت الاقتصاد التونسي في السنوات التي تلت الإطاحة بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، بشكل غير معقول.
ولم تكن تجارة التهريب مزدهرة قبل عام 2011، رغم أن البعض كان يمارسها تحت أنظار السلطة، لكنها اليوم أصبحت تشكل عبئا ثقيلا على خزينة الدولة “الفارغة” في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور والذي تقول عنه الحكومة إنه يسير نحو التحسن.
ويفجّر ازدهار ظاهرة تهريب السلع عبر المنافذ الحدودية الجدل بشأن قدرة الحكومة على التصدي لها ضمن خطة شاملة، رغم تأكيد رئيس الحكومة يوسف الشاهد منذ توليه لمنصبه في أغسطس 2016 على تمسكه بتعزيز إيرادات الدولة ووضع خطوة على طريق إعادة عجلة النمو إلى الدوران.
ويمثل تهريب الوقود من الجزائر وليبيا إلى تونس المشكلة الأكبر، إذ يباع لتر البنزين المهرب بستة أضعاف ثمنه في البلد الأصلي، وفق البنك الدولي، فضلا عن تهريب منتجات مجهولة المصدر مثل المواد الغذائية والسجائر، والتي ألحقت ضررا كبيرا بالصناعة المحلية وأدت إلى غلق العديد من الشركات أبوابها.
وتستهدف تونس التقليص من حجم الاقتصاد الموازي من نحو 50 بالمئة في الوقت الحالي، وفق التقديرات الرسمية، إلى 20 بالمئة بحلول عام 2020، علاوة على تخصيص موارد مالية كبيرة لمكافحة الجريمة المنظمة.
ويجزم اقتصاديون أن الحكومة أمام تركة هائلة من المشكلات تتعلق بالتهريب والتي لم تحل حتى الآن، وأن عليها تحديد خارطة واضحة المعالم للحد من هذه الآفة، التي خصصت لها الحكومة السابقة، نحو 240 مليون دولار لمحاربتها ولم تأت بنتائج ملموسة.
وسعت الحكومات السابقة في السنوات السبع الأخيرة إلى وضع حد لتغول الفاسدين داخل جهاز الجمارك، ومع ذلك، تشير المعلومات إلى مدى عجزها عن مكافحة الظاهرة التي تستنزف موارد الدولة سنويا بأكثر من 600 مليون دولار.