تونس تعترف بأمراض نظامها المالي تمهيدا لعلاجها

تونس – اعتبر خبراء أن تحركات تونس نحو إصلاح النظام المالي من خلال افتتاح مكاتب صرافة تعمل وفق القانون جاءت متأخرة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب.
وضيعت السلطات على نفسها فرصة تطويق أزمة انهيار الدينار التي بدأت منذ عام 2011 وتسارعت في عهد الترويكا، رغم وجود قانون صادر في أغسطس 2014 يسمح بممارسة نشاط صرف العملة عن طريق فتح مكاتب صرافة رسمية.
ويعول المسؤولون الماليون على الخطوة، الأولى من نوعها، لتحديد مكامن الخلل بين أسعار صرف الدينار في السوقين الرسمية والموازية لدعم قيمة العملة المحلية ووقف استنزاف الاحتياطات من العملة الصعبة.
وأصدرت الحكومة قرارا يتعلق بإحداث مكاتب صرافة “قصد توجيه عملات الصرف التي تتم بصفة غير شرعية نحو القنوات الرسمية وتدعيم المجهود الوطني في مكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب”.
ويتضمن القرار، وفق بيان الحكومة، مجموعة من الشروط التي تخول فتح مكاتب الصرافة من أبرزها أن يكون المسؤول عن المكتب مختصا في الميدان المالي.
كما تم تحديد السقف الأدنى للضمان البنكي بمبلغ 50 ألف دينار (20.1 ألف دولار) يتم إصداره لفائدة البنك المركزي التونسي من قبل المؤسسة البنكية العاملة بالبلاد.
ويتوقع أن تشن السلطات حملة واسعة على تجار العملة في السوق السوداء في كافة الولايات خلال الفترة المقبلة من أجل تهيئة الظروف لبدء عمل مكاتب الصرافة.
وقال الخبير الاقتصادي أنيس القاسمي في تصريح لـ“العرب” إن “تونس مجبرة على السير في طريق إصلاح نظامها المالي في ظل الضغوط المسلطة عليها حتى يتسنى لها تطويق الأزمة تدريجيا”.
|
ورغم تأخر هذه الخطوة كثيرا، وفق رأيه، إلا أنه أكد أن اعتماد مكاتب صرافة رسمية سيتيح للسلطات معرفة تحركات الأموال التي تدور في السوق السوداء، وبالتالي وضع استراتيجية حتى لا ينهار الدينار أكثر.
وكان البنك المركزي قد أصدر قرارا بتغيير الأوراق النقدية من فئة 20 دينارا الصادرة في 1992 ومن فئة 30 دينارا الصادرة في 1997 ومن فئة 50 دينارا الصادرة في 2008، والتي لن تكون صالحة للتداول مطلع أبريل المقبل بهدف امتصاص أموال السوق السوداء.
وتطالب جهات محلية ودولية منذ سنوات تونس بإرساء نظام مالي لمحاصرة السيولة المتداولة في السوق الموازية باعتبارها الحلقة الأولى في تمويل الإرهاب.
ويعتقد مسؤولون حكوميون ومختصون في القطاع المالي والمصرفي في تونس أن من أبرز وأهم أسباب انتشار ظاهرة غسيل الأموال بالبلاد هو حالات الفوضى السياسية والفوضى الاقتصادية والإدارية التي عقبت الإطاحة بنظام بن علي.
ويلقي الكثير من المتابعين للشأن الاقتصادي التونسي باللوم على حكومة الترويكا التي قادتها حركة النهضة حيث أغرقت البلاد في حالة من الفوضى الاقتصادية أدت إلى الدخول في نفق من الأزمات المتتالية، ما أدى إلى فقدان الدينار قيمته بشكل غير مسبوق.
ويعتبر إنشاء مكاتب صرافة في تونس خطوة أولى نحو تجرع العلاج المر الذي تطالب به المؤسسات المالية الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي؛ نحو تحرير أسعار الصرف، وهو ما نفته الحكومة والبنك المركزي مرارا.
وقال الخبير الاقتصادي مراد الحطاب لـ“العرب” إن الأزمة في تونس “ستؤدي إلى تدهور قيمة الدينار أكثر أمام العملات الرئيسية ليبلغ 3.3 دينار لليورو ونحو 2.9 دينار للدولار”.
وتؤكد المؤشرات الحالية توقعات المحللين، فمنذ بداية العام الجاري يلاحظ استمرار تراجع قيمة الدينار حيث بلغ أمس سعر صرف الدولار نحو 2.48 دينار، أما اليورو فبلغ سعره 2.99 دينار، وهو مستوى لم تعرفه العملة التونسية من قبل.
وخفض قيمة الدينار هو إصلاح تعهدت به تونس لصندوق النقد منذ أن دخلت في مفاوضات للحصول على قرض بقيمة 2.9 مليار دولار في مايو 2015، وهو إجراء من شأنه أن يساهم في زيادة الصادرات وتقليص الواردات وبالتالي خفض العجز التجاري الكبير.
وفقد الدينار خلال السنوات السبع الأخيرة نحو 60 بالمئة من قيمته أمام العملات الرئيسية، وهي نسبة كارثية، وفق محللي أسواق المال.
وتشير التقديرات إلى أن السوق السوداء تستحوذ على 50 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لتونس، وهي تستنزف أكثر من 600 مليون دولار سنويا من خزينة الدولة، ما يعتبر أحد أهم العراقيل أمام تحسن معدل النمو.
ويشكل ادماج القطاع الموازي في الدورة الاقتصادية الرسمية أحد أبرز مطالب النقابات في البلاد وفي مقدمتها الاتحاد التونسي للتجارة والصناعة والصناعات التقليدية (يوتيكا) للخروج من نفق الأزمة.
وأكد محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري الشهر الماضي أن النية تتجه للتعامل بالعملة الرقمية “البلوك تشين” للحد من الاقتصاد الموازي الذي التهم مليارات الدولارات في السنوات الماضية وتسبب في تبخر عوائد كانت ستعزز خزائن الدولة.