تنامي مخاوف السلطات التونسية من إرباك العلاقات مع ليبيا

تنامت مخاوف السلطات التونسية من سعي بعض الأطراف للمزيد من إرباك العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع ليبيا وتوتيرها، ولئن أكدت تونس على ضرورة حماية العلاقات بين البلدين في اجتماع دول جوار ليبيا بالجزائر فإن وزير خارجيتها عثمان الجرندي أكد حالة التوتر الأمني بين الطرفين.
تونس - تخشى تونس تصاعد التوتر في علاقاتها مع الجارة ليبيا، حيث أكدت وزارة الخارجية حالة التوتر الأمني والسياسي بين البلدين، على خلفية التصريحات الأخيرة التي رافقتها اتهامات بتصدير الإرهاب، فضلا عن ترجيحات المحللين التي تفيد بوجود أطراف تسعى لإرباك الاستقرار بين الجارتين.
وأفاد وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي في تغريدة عبر تويتر بأن ما قاله في ختام اجتماع الجوار الليبي الذي عقد الثلاثاء من “ضرورة تجنب كل ما يمكن أن يربك العلاقات بين تونس وليبيا ويسيء إليها باعتبار أن التحديات الأمنية ومكافحة الإرهاب وما يتصل به من جريمة منظمة يستدعي منا التنسيق المحكم خاصة مع انسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب” كان “إحدى أهم رسائلي لاجتماع دول جوار ليبيا بالجزائر”.
وجاءت التصريحات الدبلوماسية للجرندي بعد لقاء مع وزيرة الخارجية الليبية، نجلاء المنقوش.
وعبر الجرندي، نقلا عن صفحة وزارة الخارجية التونسية في فيسبوك، عن استغرابه من تصريحات رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة حول “تصدير الإرهاب إلى بلاده انطلاقا من تونس”.
وأشار إلى أن بلاده تستغرب هذه الاتهامات وترفضها، مذكرا “بأن أمن واستقرار ليبيا من أمن واستقرار تونس”، قائلا “بلادنا مستهدفة بدورها بالإرهاب ولا يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال قاعدة لتصديره أو مصدرا لتسلل الجماعات الإرهابية إلى ليبيا”.
وسبق أن صرّح الدبيبة بأن بعض الدول الجارة اتهمت ليبيا بالإرهاب، ورد هذه الاتهامات بالقول إن عشرة آلاف إرهابي دخلوا ليبيا من خارج ليبيا.
وأضاف “الإرهاب جاء من الخارج، وخصوصا من دول الجوار”، في خطوة فهم منها أنها إشارة إلى تونس.
وقال إنه أرسل وفدا إلى تونس من أجل الحصول على إيضاحات بشأن الاتهامات الموجهة إلى ليبيا.
وغرد رئيس الحكومة الليبية على تويتر محاولا تخفيف حدة التوتر مع تونس قائلا “تعاني أوطاننا من مشكلة الإرهاب وتونس الشقيقة ليست استثناء، ما ورد من ادعاءات مغلوطة بشأن الأوضاع الأمنية بين البلدين لن يؤثر في عمق العلاقة الأخوية وسنظل شعبا واحدا في بلدين”.
وفي وقت سابق تحدثت تقارير إعلامية عن وجود نحو مئة من الإرهابيين والمرتزقة في قاعدة الوطية الجوية، يستعدون للهجوم على الحدود التونسية، وصدرت اتهامات من تونس لليبيا بتصدير الإرهاب.
ولا تزال الحدود مغلقة بين البلدين لكبح تفشي فايروس كورونا، لكن البعض يربط ذلك بالاتهامات المتبادلة بين الطرفين على خلفية الإرهاب، إذ عندما سارعت ليبيا إلى فتح الحدود لم تقم تونس بالخطوة نفسها، فبقيت الحدود مغلقة.
ويرى مراقبون أن هناك أطرافا تسعى لتوتير العلاقات التاريخية بين البلدين، في خطوة لزعزعة الاستقرار بين تونس وليبيا وتحقيق مصالح سياسية بالأساس.
وأفاد المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني بأن “هناك بعض الأطراف التي تسعى لتوتير العلاقات بين البلدين في ظل التغييرات الإقليمية”.
وأضاف في تصريح لـ“العرب” أن “هناك عدة أطراف لها مصالح في ليبيا، على غرار تركيا التي تعتبر لاعبا جديدا في الساحة ويزعجها التقارب التونسي – الليبي مع الحكومة الجديدة”.
وتابع “هناك حرب مصالح، وحركة النهضة بعد خروج حكومة فايز السراج وقرارات الرئيس قيس سعيد أصبحت في حالة تخبط، والراعي التركي أصبح يراهن على توقعات جديدة قد تكون حتى مع حركة طالبان”.
واستطرد “هناك محاولات لتوتير الأجواء، لكن العلاقات التونسية – الليبية هي روابط تاريخية تحكمها المصاهرات والتقارب والجغرافيا”.
ولم ينف محللون ليبيون وجود محاولات لبث الفتنة بين الدولتين المتجاورتين، فضلا عن وجود مساع تركية تستخدم الدبيبة في خلق صراع مع تونس نتيجة للتغيرات السياسية الجديدة.
وأفاد المحلل السياسي الليبي عزالدين عقيل في تصريح لـ”العرب” بأن “هناك محاولات لبث الفتنة بين تونس وليبيا، وأعتقد أن الحكومة الليبية لم تصل بعد إلى تجميع الليبيين”.
وأضاف “التعامل التونسي مع تصريحات الدبيبة كان يجب أن يكون مختلفا لأن هذه الحكومة أنتجها الغرب، ونحن أيضا (الليبيون) تأذينا من تصرفات الدبيبة غير المسؤولة وإنفاقه مئات الآلاف من الدولارات، وهي حكومة لم يأت بها الليبيون”.
وتابع “في تونس هناك تغييرات سياسية كبيرة، والأطراف التي خسرت (حركة النهضة) تمر بحالة قلق جديد وتحاول ممارسة الضغط على الرئيس سعيد”، وذكر أن “الأتراك يتحكمون في الدبيبة بشكل كبير وتركيا تريد أن تحاصر تونس باعتماده (الدبيبة)”.
وأردف عقيل “تونس لها الحرية الكاملة في أن تأخذ احتياطاتها الأمنية، ودخلنا الآن في صراع بين دولتين سيؤثر في كل شيء، تركيا خططت لجلب الدبيبة إلى ليبيا وتونس يمكن أن تسائل أنقرة أو تتحدث مع السفير الأميركي بتونس”، مؤكدا “ثمة مؤامرة بين أطراف إقليمية لتوتير العلاقات بين البلدين”.
والأربعاء دعا وليد الحجّام، المستشار لدى رئيس الجمهورية التونسية، إلى “الكفّ عن التشويش وخلق الإثارة وبث البلبلة بين تونس وليبيا”.
وأكد في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية أن ما يجمع البلدين من علاقات وروابط أخوة وتعاون وشراكة هو أقوى وأكبر من أن يتأثرا بما يتداول من إشاعات على مواقع التواصل الاجتماعي ومعلومات مغلوطة وتحاليل مجانبة للصواب، “صادرة عن جهات لا تريد الخير للبلدين والشعبين الشقيقين”.
وقال الحجام “العلاقات التونسية – الليبية تاريخية وراسخة ومتينة واستثنائية بكل المقاييس ولا تخضع للمعايير التقليدية في إدارة العلاقات بين الدول”.