تشريعات تعاقب الأطفال لخفض الجريمة في مصر

تصطدم مساعي مجلس النواب المصري للنزول بسن الطفل من 18 إلى 16 عاما، كأحد الحلول لمواجهة ظاهرة ارتكاب حديثي السن لجرائم جنائية، بمعضلة دستورية، واتفاقيات دولية وقّعت عليها القاهرة قبل سنوات، بأن تلتزم بألا يُحاكم القضاء الأطفال بعقوبات مشددة.
القاهرة – تقدّم أكثر من عشرة نواب في البرلمان المصري بمشروعات قوانين لتعديل سن الطفل، بحيث يُحاكم مرتكبو جرائم القتل والاغتصاب أمام محاكم البالغين بعقوبات قاسية تصل إلى السجن المشدد والمؤبد والإعدام، بعد وقوع أكثر من حادثة قتل هزّت الرأي العام من جانب صغار السن.
وبرر كل نائب تحرّكه لتعديل القانون بأن التكوين النفسي والعقلي والجينات الوراثية للأطفال اختلفت، والطبيعة البدنية للصغار أصبحت أكبر من أعمارهم، كما أن الثورة التكنولوجية جعلتهم أكثر وعيا بأفعالهم، ولم يعد ممكنا معاملتهم على أنهم لا يدركون تصرفاتهم.
وتثار قضية خفض سن الأطفال في مصر كل فترة، لكنها أخذت أبعادا اجتماعية وإعلامية وبرلمانية وسياسية عقب واقعة مقتل طالب بالمرحلة الثانوية بمحافظة المنوفية، شمال القاهرة، على يد زميله بسبب تدخّل المجني عليه للدفاع عن فتاة تعرّضت للتحرش الجنسي.
أمام المطالب الأسرية والاجتماعية بضرورة توقيع عقوبة الإعدام على المتهم، اصطدم المتضامنون مع الضحية، بأن سن الجاني هي أقل من 18 عاما، وأقصى عقوبة سوف يوقعها القاضي عليه هي أن يصدر حكما بسجنه 15 عاما وفق قانون الطفل.
الضغوط الأسرية لتعديل القانون تواجه برفض واستهجان من جانب المنظمات الحقوقية المعنية بشؤون الطفل
وتجددت الدعوات مع سقوط ضحية جديدة في محافظة الدقهلية غرب القاهرة، عندما قام طفل لم يتجاوز عمره 17 عاما، بتمزيق جسد شاب باستخدام سلاح أبيض، ومع كل جريمة من طفل تزداد الضغوط على البرلمان والحكومة لاتخاذ ما يلزم من إجراءات للحدّ من الظاهرة.
وما يعزز إمكانية النزول بسن الطفل في مصر، أن هناك حملة أسرية غير مسبوقة لاتخاذ هذه الخطوة، لأن الصمت على جرائم صغار السن وعدم ردعهم بعقوبات مشددة، يدفعهم إلى ارتكاب المزيد، لقناعتهم بأن أقصى عقوبة سوف تكون الحبس لسنوات.
تواجه الضغوط الأسرية لتعديل القانون، برفض واستهجان من جانب المنظمات الحقوقية المعنية بشؤون الطفل، إذ تعتبر أنه مهما بلغت جرائم صغار السن، فإنهم ضحايا أسر لم تُحسن تربيتهم، ومجتمع عاجز عن مواجهة البلطجة، وإعلام يشجّع على العنف.
وبغض النظر عن مسببات جرائم الأطفال، والخطوة الحكومية لمواجهة الظاهرة، يظل الحكم الذي تصدره محكمة القضاء الإداري، القول الفصل في حسم هذا الجدل، بعدما تقرّر مدى قانونية ودستورية تغيير عقوبات حديثي السن من عدمه، فإذا رفضت الدعوى التي تطالب بتغليظ الأحكام، سوف تقع المسؤولية كاملة على الأسرة لتقويم سلوك الصغار.
والمتابع عن قُرب لسلوك الأطفال في مصر، يجد بعضهم يحمل أسلحة بيضاء وآلات حادة، بمعنى أنهم يجهزون أنفسهم للانتقام، وربما القتل في أيّ لحظة، حتى أن البالغين أصبحوا يخشون الدخول في مشاجرات ومشاحنات مع صغار السن، خوفا من تعرضهم للأذى.
ويتذكر أحمد علي، وهو معلم مصري، أن أحد زملائه تعرّض للاعتداء من جانب ثلاثة طلاب في المرحلة الإعدادية أعمارهم 13 سنة، وقاموا باستخدام آلات حادة كانوا يحملونها في حقائبهم المدرسية، والمفاجأة أنهم لم يتعرضوا للفصل النهائي من المدرسة.
وقال علي لـ”العرب”، إن صمت المؤسسات التعليمية على جرائم الطلاب، وتجاهل ثقافة التربية على حساب الاهتمام بالنواحي التربوية أحد الأسباب الرئيسية التي أنشأت أجيالا غير سوية في السلوكيات والتصرفات، حتى أصبحت بعض المدارس تعلّم مجرمين صغار وليسوا طلاب علم.
وأكد أحمد مصيلحي، رئيس شبكة الدفاع عن حقوق الطفل المصري، أن ما يخطط له مجلس النواب للنزول بسن الطفل، عبث غير مقبول، لأن الحكومة وقّعت على اتفاقيات دولية بأن السن القانوني للأطفال هو 18 عاما، ولا يجوز محاكمتهم بأحكام يُحاكم بها البالغون.
وتنص الاتفاقيات الدولية، والقانون المصري، على حظر محاكمة أيّ طفل أمام المحاكم العادية، بل تُنظر قضاياهم في محكمة الطفل. وفي حال الحكم بسجنهم، يتم إيداعهم دور الأحداث لحين انتهاء فترة العقوبة، ولا يجوز وضعهم في السجون حفاظا عليهم.
وأوضح لـ”العرب”، أن مصر إذا أرادت تعديل عقوبات الطفل، عليها أن تتقدّم بتحفّظ للأمم المتحدة على بنود الاتفاقية المعنية بآلية معاقبة الأطفال، وتبلغ الدول الموقعة عليها، وحتى إذا فعلت ذلك، لا بدّ أن يقوم البرلمان بتعديل المادة الخاصة بسن الطفل في الدستور.
وإذا تحرك البرلمان لتعديل الدستور، فإنه سوف يصطدم بمعضلة أخرى ترتبط بأن النزول بسن الطفل يضاعف زواج القاصرات، في حين أن الحكومة أخفقت في الحد من انتشار الظاهرة رغم تغليظ العقوبات المفروضة على الأسر التي تزوّج بناتها قبل بلوغهن 18 عاما.
ويقود بعض نواب البرلمان حملة مناهضة للرفض الحقوقي، قوامها أن يتم تغليظ العقوبات الموقعة على الأطفال للهروب من ورطة انسحاب مصر من الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها، بحيث يستمر سن الطفل كما عند 18 عاما، ولكن يتم تشديد العقوبة.
ودعّم الكثير من أساتذة القانون المدني والجنائي والدستوري هذا التوجه، وقالوا، إنه “حق أصيل للحكومة ومجلس النواب”، ولا يضع مصر في مأزق دولي مع الأمم المتحدة، ما شجّع لجنة الشؤون التشريعية والدستورية على المضي قدما في مناقشة التعديلات.
وتؤيد الحكومة فكرة إعادة النظر في العقوبات الموقعة على الصغار دون النزول بسن الطفل، وهو ما ظهر في تصريحات محمد درويش، مستشار وزيرة التضامن الاجتماعي، أمام البرلمان، بتأكيده أخيرا أن الحكومة لا تمانع البحث في العقوبة بالتشاور مع البرلمان.
وما يلفت انتباه الحقوقيين المدافعين عن شؤون الطفل أن ثورة الغضب الأسرية على جرائم الصغار لم تتطرق إلى أن الآباء والأمهات هما السبب الرئيسي في أن يكون هناك أطفال يقتلون ويغتصبون ويمارسون الانتقام، بسبب سوء التربية وغياب المتابعة والقدوة الحسنة.
ويرى هؤلاء أن تغليظ العقوبة لن يقضي على الظاهرة، طالما استمر تهرّب الأسر من تحمل المسؤولية الأكبر، ورفضهم مراجعة أنفسهم وطريقة رعايتهم وتربية صغارهم حتى يشبوا ويكبروا كأسوياء، ويبادرون بمعاقبتهم على كل خطأ.
ويقول المعلّم أحمد علي، “في الماضي كنا نستعين بوليّ أمر الطالب المخطئ لتقويم سلوكياته وتعنيفه أمام المعلمين وباقي زملائه، أما اليوم فإن الطفل الذي يرتكب خطأ ويعاقب من جانب المدرسة، قد يأتي والده للانتقام له، حتى أصبح عنف الصغار برعاية ودعم ومباركة الأسرة”.
وبنفس المنطق، ألقى رئيس شبكة الدفاع عن حقوق الطفل المصري، بالمسؤولية كاملة على أرباب الأسر، لأنهم سبب انتشار جرائم الصغار، فهناك مئات الآلاف من العائلات تفكّكت بسبب طلاق الزوجين، ولم يعد أغلب الآباء يهتمون بمتابعة أبنائهم ويراقبون دائرة صداقاتهم، حتى ارتفع سقف التمرد والتحرر في التصرفات بين الأجيال الصاعدة.
وأشار مصيلحي، إلى أنه في الدول المتقدمة، يشكّل الإعلام 60 بالمئة من أخلاقيات الأطفال، مقابل 80 بالمئة في الدول النامية، ولأنه لا توجد استراتيجية متكاملة للحفاظ على الأخلاق والقيم في الأعمال الدرامية والسينمائية، أصبحت البلطجة رمزا في عيون الصغار.