"تأتون من بعيد" الحروب تتشابه في صنع المآسي

المخرجة المصرية أمل رمسيس تنافس على تانيت الأفلام الوثائقية الطويلة في أيام قرطاج السينمائية من خلال فيلمها "تأتون من بعيد".
الأربعاء 2018/11/07
أشقاء لكنهم غرباء

تونس - تحضر المخرجة المصرية أمل رمسيس في أيام قرطاج السينمائية المقامة حاليا بتونس لتنافس على تانيت الأفلام الوثائقية الطويلة، من خلال فيلمها “تأتون من بعيد” (84 دقيقة)، والذي تدور أحداثه حول مفهوم الغربة بين الأهل والأسرة والوطن من خلال تفرّق إحدى العائلات الفلسطينية في أكثر من بلد، والعمل سيناريو وإخراج أمل رمسيس التي قامت بتصويره في إسبانيا، متنقلة بين أكثر من بلد أوروبي وعربي كاليونان وروسيا ولبنان.

وعن الفيلم قالت أمل رمسيس “انطلقت في تصوير أولى مشاهده في العام 2007، وانتهيت منه في العام 2018، رحلة بحث طويلة وشاقة قادتني لاكتشاف أناس غيّروا حياتي”.

وتسترسل رمسيس “تأتون من بعيد” فيلم عن المتطوعين العرب الذين شاركوا في الحرب الأهلية الإسبانية، كما يتناول القصة الاستثنائية للكاتب والمناضل الفلسطيني نجاتي صدقي.

ومحمد نجاتي بن بكر صدقي ألاي أميني (1905-1979) كاتب وناشط وطني فلسطيني، وأحد أهم نشطاء الحركة الشيوعية في العالم العربي في بدايتها، اشتهر بأسفاره المتعددة في خدمة الكومنترن وبنفاشاته مع خالد بكداش، الزعيم التاريخي للحزب الشيوعي السوري، ترجم عددا من عيون الأدب الروسي إلى اللغة العربية، كما ألّف عددا من الكتب المتعلقة بنقده الأدبي وبتجربته السياسية.

وحارب صدقي ضد الفاشية وضد فرانكو في الحرب الأهلية الإسبانية، وبسبب مشاركته في هذه الحرب، فقد ابنته في روسيا، وعاش منفصلا عنها على مدار عشرين عاما.

هنا تتدخّل كاميرا رمسيس لتنقل لنا عبر كتابة سينمائية هادئة تتتبّع خطى أبناء صدقي الثلاثة: دولت وسعيد وهند، منطلقة من البنت الكبرى دولت التي عاشت حياتها بروسيا أين تركتها والدتها الأوكرانية من أصل يهودي، كما يتكشّف ذلك في نهاية الفيلم، في ملجأ، فاضطرت الأم لوتكا للتخلي عن ابنتها وهي التي لا تعلم أين سيكون المستقر؟

وبين ما ترويه دولت باللغة الروسية وما ترويه الأخت الصغرى هند باللهجة اللبنانية، تتحرّك كاميرا رمسيس بين موسكو وأثينا وبيروت لتنقل مدى وقع الشتات على أختين لم يعرفا بعضهما إلاّ من خلال بعض الصور العائلية، أختان وأخ ثالث لم يجتمعا إلاّ لماما، كل يتحدّث لغة مختلفة عن الأخرى، فالأخت الكبرى التي ولدت وترعرعت في روسيا لم تتعلم في حياتها سوى اللغة الروسية، أما الأخت الصغرى وما بينهما الأخ الأوسط سعيد، فكلاهما يتحدثان اللهجة اللبنانية واللغة الإنكليزية، التي لا تتقنهما دولت.

وحفل الفيلم بالعديد من المواقف العاطفية لأسرة عذّبها الشتات، وفرّقت بينها سبل الحياة في بلدان اللجوء، بين لبنان وروسيا واليونان والبرازيل، أين يقيم الأخ سعيد، كما يحسب لمخرجته أمل رمسيس توظيفها الرشيق لمشاهد أرشيفية من الحرب الأهلية الإسبانية والحرب العالمية الثانية، وكذلك الحرب الأهلية اللبنانية، وأيضا مشاهد من غزو العراق في العام 2003، وكأنها أرادت أن تقول “إن كل الحروب متشابهة في المأساة والشتات”.

ولعل من أجمل لقطات الفيلم تلك التي أتت بصورة خلفية لمواطن لبناني يلتقط صورة سيلفي، أمام صخرة الروشة، في حين تأتي صور مُظللة لرسومات دولت التي رسمتها في زياراتها القليلة للبنان، وفي ذلك إشارة ربما للبون الشائع بين أن ترسم وطنا من الذاكرة وبأقلام التلوين، وبين أن يوثّقه هاتف ذكي في صورة عابرة، ليمضي الرجل مزهوا بلياقته وعدسته.

ومع ذلك، يعاب على مخرجة الفيلم أمل رمسيس اعتمادها المباشرة في طرح مواقف أتت أشبه بكليشيهات من فيلم عربي، والحال أن الفيلم وثائقيا يخاطب المشاعر بلسان أصحابها لا برؤى المخرجة،
ومثالنا على ذلك طلب دولت في آخر الفيلم أن تحقّق لها حفيدتها وصيّتها بأن تحمل رماد جسدها حين تموت لتدفنها في القدس (بلدها الأم)، لعلّ روحها ترتاح هناك، والحال أنها وعلى امتداد زمن الفيلم أكدت في أكثر من مرة أن الوطن بالنسبة إليها هي روسيا التي احتضنتها ورعتها صغيرة وفي خريف العمر أيضا.

16