بهلوان – 22

عندما كتب الروائي الأميركي جوزيف هيلر روايته الشهيرة “كاتش-22” عن مفارقات مفترضة خلال الحرب العالمية الثانية، كان يريد أن يصف محاولة الجنود التوفيق بين تناقضات تذهب بالعقول. المهمة ونقيضها في آن، معضلة حقيقية نواجهها كثيرا. اللغة الإنجليزية التقطت فكرة التناقض هذه وصار مصطلح كاتش-22 يعني مواجهة ألغاز منطقية تبدو وكأن لها حلا، لكنها في الحقيقة بلا حل.
خذ مثلا شخصا ضعيف البصر إلى درجة كبيرة لا يستطيع أن يستغني عن نظارته ويعيش وحيدا. كيف سيجد نظارته التي وضعها في مكان ما من البيت.
الوضع المدرسي في العراق كاتش-22. ها هم الأطفال يعودون إلى مقاعد الدراسة. الدراسة في العراق شبه متوقّفة منذ بداية أزمة وباء كورونا. تراجع الوباء، فتحركت عجلة المدارس، أو هكذا يفترض. المهمة تعني إعادة الزخم للعملية التعليمية التي نابها من الويلات خلال العقود الماضية ما يجعل المراقب يستغرب من استمرارها أصلا. في بلد يريد الخروج من نكبات الحروب والحصار والعزلة والتراجع في الوعي، ليس لديه من إنقاذ غير التعليم. والتعليم يحتاج من ينقذه.
المشكلة في كثرة مفردات التناقض هناك. كلما تمسك شيئا لتنقذه من الكسر، يسقط آخر ويتكسّر. الوباء منع التلاميذ من الذهاب إلى المدرسة. البديل، كما حدث في العديد من دول العالم هو التعليم عن بعد. وفر الكمبيوتر، تتعطل المسألة بسبب ضعف خدمة الإنترنت. وفر الكمبيوتر وخط إنترنت يشتغل، تنقطع الكهرباء. وفر الثلاثة في حي لأثرياء، تعلم 5 في المئة من التلاميذ، وتترك البقية بلا تعليم تقريبا. تخف الجائحة ويبدأ التلاميذ بالعودة إلى المدارس، لا يجدون ما يكفي أعدادهم من مقاعد الدراسة.
في بيئة مثالية وقد توفر كل شيء، التعليم يقوم به معلمون ومدرسون درسوا في مراحل سياسية واقتصادية صعبة في تاريخ العراق الحديث ويفتقرون إلى الحد الأدنى من القدرة على التعليم وإيصال المعلومة للعقول الناشئة. مشاهد من يوتيوب في فصول دراسية تكشف فجوة هائلة في العملية التعليمية. استمع إلى كيفية نطق الكلمات الإنجليزية من معلم يدرس تلاميذه وستقول فورا إن هذا المعلم لم يستمع في حياته إلى محادثة بالإنجليزية في مشهد من فيلم، دع عنك أنه درس اللغة في معهد أو جامعة. معلمون يدرسون خرافات على أنها تاريخ إسلامي. منْ أعد المناهج؟ طابور تلاميذ طويل يقف في فناء المدرسة ينتظر دوره من عصا المدير. الإدارات المدرسية توجه من مديريات تسمى مديريات التربية. تربية على انتظار ضربة العصا. ثم نسأل من أين يأتي كل هذا العنف.
نحتاج إلى سك كلمة عربية تقابل كاتش-22. شيء يصف حالة بهلوان في سيرك يمشي على حبل ويرمي كرات من زجاج هش ويلتقطها تباعا دون أن تسقط وتتكسر، وهناك من يمد يده ليهز الحبل ويؤرجحه ليسقط البهلوان. ربما تعليم-22 أو تلميذ-22 أو بهلوان-22.