بعد هدوء عاصفة المسلسل الخليجي "أم هارون"

أثار مسلسل “أم هارون” الكثير من ردود الأفعال بين الجماهير العربية، واتجهت الأضواء إليه لأنه حمل مضامين سياسية من خلال قصة ممرضة يهودية عاشت في أربعينات القرن الماضي وواجهت تحديات صحبة أسرتها والجالية اليهودية عموما في بعض دول الخليج.
القاهرة – اعتبر مغردون مسلسل “أم هارون” الذي عرض على شاشة “إم.بي.سي” خلال شهر رمضان الذي شارف على الانتهاء دعوة للتطبيع مع إسرائيل، ورآه آخرون يشوّه الحقائق التاريخية، ويمثل إساءة متعمدة لمرحلة سياسية وحقبة مهمة في حياة القضية الفلسطينية.
وهناك فريق ثالث ذهب إلى أنه كان جريئا في تناوله لجانب من تاريخ اليهود في المنطقة، ويقدّم حالة التعايش والتسامح الديني بين أبناء الديانات الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية) على أرض واحدة.
التقت “العرب” مخرج العمل، المصري محمد العدل، الذي أكد أن العمل تعرّض للهجوم قبل عرضه ومشاهدة حلقاته، كما أبدى قطاع كبير من الجمهور الخليجي اندهاشا، فلم تكن لديه دراية بشأن تاريخ اليهود في منطقته.
وأوضح أن “المسلسل لا يحمل دعوة للتطبيع ولم يتناول إسرائيل، بل يناقش التعايش بين الأديان، فثمة فارق بين اليهودية كدين والصهيونية كفكر واحتلال، لكن للأسف تلك هي نظرتنا، وهي الاتهامات التي لاحقتني عند إخراج المسلسل المصري ‘حارة اليهود'”.
المخرج المصري يعترف بأن من بين الصعوبات الكبيرة التي واجهته في المسلسل اختلاف البيئة والعادات والأجواء العامة
وأشار العدل إلى أن كل عمل يتناول اليهود تتقاذفه الاتهامات بالتطبيع، ودعا الرافضين إلى مشاهدة العمل قبل توجيه اللوم، ولا بد من التفرقة بين اليهود الذين عاشوا في المنطقة العربية وانتقلوا إلى إسرائيل عند قيامها وساندوا تأسيسها، ويهود الدول العربية الذين كانوا جزءا من نسيجها الوطني قبل احتلال أراضي فلسطين.
واستدعى إخراج محمد العدل للعمل اسم عائلته “العدل” صاحبة شركة (العدل جروب) للإنتاج الفني، المعروف عنها مواقفها المساندة للقضية الفلسطينية، فوالده المنتج جمال العدل، وعماه المنتج محمد العدل والكاتب مدحت العدل، ولهم جميعا مواقف مناهضة ومعروفة للتطبيع.
وقال لـ”العرب” “بعيدا عن عملي كمخرج، فأنا شخص صاحب أيديولوجية سياسية، وناصري الفكر، ومن المستحيل أن أشارك في عمل يمجّد إسرائيل أو يدعو للتطبيع معها، ولو كلفني اعتزال المهنة، كما لا يمكن الإقدام على عمل يصبّ في صالحها، والقضية الفلسطينية كانت حاضرة في المسلسل منذ حلقاته الأولى من خلال التظاهرات التي ترفع شعار ‘تحيا فلسطين'”.
وأضاف “لو شككت ولو للحظة واحدة أن المسلسل له توجّه يخدم مصالح إسرائيل ما قبلت بإخراجه واعتذرت على الفور عنه، لكن من خلال قراءة النص لم أجد أي نوع من التطبيع”.
حسابات وقناعات
واجه محمد العدل عاصفة من الهجوم عند عرض المسلسل المصري “حارة اليهود” قبل خمسة أعوام، ومع ذلك وافق على “أم هارون”، ولم تساوره مخاوف بمواجهة اتهامات بالتطبيع مرة أخرى، قائلا “لا يهمني مواجهة المشكلات، فما يعنيني هو العمل، وكوني قادرا على بلورة رؤية جديدة من عدمه، وتقديم تقنية وأفكار تمثل إضافة لتجربتي المهنية ووجهة نظري، فإذا استقبله الجمهور بامتنان سأكون سعيدا، وإذا انتقده سأهتم بمعرفة أسبابه كي أتعلّم منه”.
وشدّد في حواره مع “العرب” على أنه لا يخشى التطرّق إلى القضايا الحرجة التي تثير الهجوم، لأنه مقتنع بما يقوم به ولا ترتبط حساباته بالمخاطر، إنما بالقناعات، ولا يمكن أن يقدّم عملا مهما كان نوعه، كوميديا أو تراجيديا، إلاّ وهو على اقتناع بأفكاره، لأنه لا يتّخذ الفن وسيلة لكسب العيش، بل امتهنه حبا للفن في حد ذاته.
وأضاف “أبتغي أن أترك اسما وتاريخا يتذكّرهما الناس بشكل إيجابي، ومن ثم أحرص على انتقاء الأعمال التي أخرجها والتي تمثل إضافة، وقد يصبح الموضوع كبيرا وجريئا أو بسيطا مثل مسلسل ‘لأعلى سعر’ الذي لا يحمل بين طياته قضية كبيرة، لكنه نجح، وشعرت أنني قدّمت من خلاله إضافة وإشارة للجمهور أن المجتمع تغيّر، وهذه الثيمة تمّ اللعب عليها في مسلسلات مصرية كثيرة لاحقا”.
ويبدو التعايش السلمي بين الأديان هو الخيط الذي ربط بين “أم هارون” و”حارة اليهود”، وإن اختلفت البيئة الخليجية عن نظيرتها المصرية، إذ تباينت القصة والمناخ واللغة والأحداث، وهو ما أكّده العدل بقوله “يبقى التوجّه العام للعملين يكمن في التلامس مع فكرة تقبل الآخر، وفي النهاية هذا مسلسل وذاك آخر، وطريقتي في الإخراج اختلفت عبر الفارق الزمني بين العملين”.
وذكر أنه أخرج المسلسل المصري بذائقة فنية والكويتي بذائقة أخرى، وهذا الاختلاف ينبع من تطوّره كمخرج، فقد صنع “حارة اليهود” منذ خمس سنوات، وطبيعي لو قدّم العمل هذا العام فسيخرجه بشكل آخر، حيث أصبح أكثر نضجا وتعلم من تجاربه، ما جعله يصنع المسلسل الثاني بطعم وشكل يتباين عن الأول، وهو ما كان مبعث استغراب فريق العمل من الممثلين الذين لاحظوا خلال التصوير أنه يقدّم حالة من الانبهار لاستخدامه تكنيكا مختلفا عن المتّبع.
الدراما الخليجية
لم تكن للمخرج المصري الشاب محمد العدل سابقة عمل في السوق الدرامي الخليجي، ويعترف أنه لم يكن متابعا جيدا أو صاحب اهتمام بالأعمال الخليجية ونجومها، وحول كواليس إخراجه هذا العمل الذي يتّسم بقدر من المغامرة، قال “تلقيت عرضا لإخراج ‘أم هارون’، ولم أتردّد في الموافقة، واعتبرته تحديا في مسيرتي، إذا تمكنت من النجاح فسيكون خطوة مهمة، ووجدت ذلك فرصة لتقديم نوعية من المسلسلات لم أخضها من قبل”.
ومن بين الصعوبات الكبيرة التي واجهت العدل، اختلاف البيئة والعادات والأجواء العامة، وتعتبر اللهجة الكويتية عسيرة على الفهم لدى الكثيرين في المنطقة العربية غير الخليجية، ومثّلت عقبة بالنسبة له شخصيا.
وأوضح أنه اضطر إلى الاستعانة بمترجمة لهجات عاشت في الكويت لمدة عشرين عاما لتسهيل الحوار والسيناريو وفهم دراما العمل وما سيقوم بإخراجه، وعندما اطلع على “اسكريبت” العمل في المرة الأولى وجد اللهجة صعبة للغاية، لأن المسلسل به أبطال يتحدّثون باللهجة الكويتية والعراقية، ولكونه مصريا كان من الصعب فهم اللهجات المختلفة.
ووجد صعوبة أيضا في اختياره فريق العمل، وكان يتلقّى صور الممثلين ويتم استطلاع رأيه ومدى ملاءمة كل منهم لأداء الشخصية المقترحة من عدمه، سواء شخصية شريرة أو طيبة. وجاء اختياره عبر الشكل وليس معرفته السابقة، فلم يكن متابعا للدراما الخليجية ولا يعرف حجم كل ممثل وممثلة، وعلم لاحقا أن غالبيتهم من النجوم الكبار في الدراما الخليجية.
وتم تصوير المسلسل في الإمارات، بينما أنتجته مجموعة “إم.بي.سي” السعودية، ولم يحدّد العمل الدولة التي تدور فيها الأحداث، وقام ببطولته حياة الفهد ومحمد جابر وفخرية خميس وعبدالمحسن النمر وفاطمة الصفي ومحمد العلوي.
وألّف “أم هارون” الأخوان البحرينيان محمد وعلي عبدالحليم شمس، اللذان أكّدا أن المسلسل لا يحمل رسالة سياسية، وشخصية أم هارون مستوحاة من قصة قابلة يهودية تدعى أم جان عاشت في ثلاثينات القرن الماضي وانتقلت من العراق إلى البحرين، غير أن صناع العمل أشاروا إلى أن الشخصيات والأحداث من وحي الخيال.
وأكّد محمد العدل أن قصة وأحداث المسلسل غير حقيقية، وثمة نماذج موجودة في الحياة، فقد كان هناك يهود قبل احتلال فلسطين، والقصة والشخصيات من خيال المؤلفين ولم يتم تحديد المكان ضمن أحداث العمل عن مقصد، لأن صناع المسلسل أرادوا ذلك لتجنب ردود الفعل السلبية ضده من قبل جمهور الدولة التي تدور فيها الأحداث.
حول تدخلاته في السيناريو وبنية العمل، قال المخرج محمد العدل “تدخّلت ودعّمت أشياء ومشاهد ضمن العمل وأخرى وجدت بها مشاعر ناقصة وقدّمت مقترحات مختلفة، وتدخّلاتي في الأعمال التي أخرجها لا تأتي بدافع أو رغبة فرض رؤيتي أو أن أكون دكتاتورا أو لمجرد التدخّل، لكن هناك وجهة نظر أحاول تضمينها، لأن العمل يحمل اسمي فأقدّم مقترحات للمؤلف حتى نصل في النهاية إلى تفاهم كامل”.
ولم يخل المسلسل من مشاحنات بين بطلة “أم هارون” الممثلة الكويتية حياة الفهد ومخرجه، وكان يبدو أن ثمة توترا في العلاقة بين الطرفين بعدما دوّن المخرج المصري عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك قائلا “أنا أخرجت السنة دي (هذه) مسلسلا كويتيا، أنا عارف طبعا إن إحنا كمصريين عموما مش بنتابع (لا نتابع) أعمال خليجية، أنا عن نفسي قبل ما أعمل المسلسل مكنتش اتفرجت على أي مسلسل خليجي”.
وأضاف العدل “أحب أعرّفكم إن أخوكم مسلسله ‘تريند’ رقم 1 في خمس دول عربية، السعودية والكويت والإمارات والبحرين وعمان، ودي حاجة عمرها ما حصلت (هذا أمر لم يحصل) في تاريخ المسلسلات الخليجية أو غير الخليجية، تحيا مصر وفنانينها”.
ورأت الممثلة الكويتية الشهيرة حياة الفهد أن ذلك به انتقاص منها وفريق العمل، وبدأ سجال وتراشق على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر تصريحات صحافية من قبل الفهد.
وأكّد المخرج المصري أن من أرادوا مهاجمته لهم كامل الحرية، وأن الأحاديث الجانبية لا تشكّل أهمية بالنسبة له، وما يعنيه هو العمل والنتيجة التي يقدّمها للجمهور ومدى استيعابه، وهو ما يعتبره نجاحا لمهمته، ويكفيه أنه أخرج مسلسلا خليجيا لأول مرة في حياته يحتل رقم 1 في الدول العربية، وهذا ما يخصّه ويشغله.