انتفاضة ضد بيت الطاعة تمهد لتحرر المصريات من المعاشرة بالإكراه

رفض الأزهر لبقاء المرأة في منزل الزوجية دون إرادتها خطوة نحو حمايتها من تسلط شريك حياتها.
الاثنين 2021/05/17
هل تكسر مصر العصا الغليظة المذلة للمرأة والحامية للرجل

تبنّى الأزهر موقفا صارما ضد بيت الطاعة، بعدما أفتى بعدم مشروعية إجبار الزوجة على الإقامة مع شريك حياتها وهي تبغضه ولا ترغب في العيش معه، لأن ذلك ضد التعاليم الإسلامية التي تؤكد أن الزواج في الأصل قائم على المودة والتراحم لا على التسلط والإكراه.

 توحي الانتفاضة الدينية في مصر ضد قانون بيت الطاعة بأن عصر تركيع الزوجات وإجبارهن على المعاشرة بالإكراه قارب على الانتهاء، بعدما أفتى شيخ الأزهر أحمد الطيب بعدم مشروعية إجبار الزوجة على الإقامة مع شريك حياتها وهي تبغضه ولا ترغب في العيش معه، لأن ذلك ضد التعاليم الإسلامية التي أكدت أن الزواج في الأصل قائم على المودة والتراحم.

وقال شيخ الأزهر، قبل أيام، إن هيئة كبار العلماء حسمت أمرها بأن قانون بيت الطاعة لا وجود له في الإسلام، لأنه يهين المرأة ويجعلها أسيرة في بيت زوجها.

وتمهد هذه الخطوة الطريق لتحرر الكثير من الزوجات من الإذلال والقهر، بحكم أن المؤسسة الدينية تقدمت بقوانين الأسرة إلى مجلس النواب، ومن المقرر أن يناقشها قريبا، ولن يكون ضمنها ما يشير إلى إجبار المرأة على بيت الطاعة.

واستقبلت المؤسسات النسوية موقف الأزهر بترحاب كبير، باعتبار أن آراء بعض علماء المؤسسة الدينية كانت حجر عثرة أمام بعض السيدات للتحرر من سجن الزوجية تحت وطأة قانون “بيت الطاعة” الذي يجبر المرأة على البقاء بمنزل شريك حياتها بالإكراه، ويحق للرجل إرغامها على عدم الخروج مهما شعرت بالبغض وتعرضت للإيذاء النفسي والجسدي.

وتعج المحاكم المصرية بقضايا الطاعة التي يقيمها البعض من الرجال ضد زوجاتهم اللاتي تركن منزل الأسرة، وغالبا ما يحكم القاضي بعودة المرأة إلى البيت استجابة لطلب شريك حياتها دون الوقوف على الأسباب الحقيقية التي دفعتها للهروب منه، ومعرفة إذا كانت تتعرض للعنف والإهانة أم لجأت لهذا التصرف بلا مبررات واقعية.

وقبل كل حكم، كان يلجأ القاضي إلى سؤال الشهود والجيران حول الزوج وتصرفاته وسلوكياته لمقارنة أقوالهم بكلام الزوجة ومبررها للهروب، وفي كثير من الأحيان يقوم الزوج بشراء ذمم بعض الأشخاص كي يشهدوا لصالحه، وتخسر المرأة القضية ويتم الحكم ضدها وإلزامها بالعودة إلى بيتها بحكم قانون بيت الطاعة.

استقطاب النساء

آمنة نصير: التيارات المتشددة تحول دون تحرر المرأة من سيطرة زوجها
آمنة نصير: التيارات المتشددة تحول دون تحرر المرأة من سيطرة زوجها

هذه هي المرة الأولى التي ينتفض فيها الأزهر صراحة ويتبنى موقفا صارما ضد بيت الطاعة، فهو يستهدف مساندة الشريحة النسوية لقوانين الأسرة التي يرغب في أن يمررها مجلس النواب دون اعتراض، لأن الكثير من الأصوات تعارض تدخل المؤسسة الدينية في وضع التشريعات الحاكمة للعلاقات الأسرية لتكون أكثر مدنية.

وزاد الأزهر من استقطابه للنساء بأن الطيب أفتى بحق الزوجة في الخروج من منزل الأسرة متى شاءت، ولا يشترط ذلك الحصول على إذن مسبق أو مباركة من شريك حياتها خاصة لو كانت ذاهبة إلى أسرتها، وهو الموقف المغاير لآراء علماء الأزهر الذين تسببت فتاواهم في تحول الزوجة لتابعة وأسيرة لشريك حياتها.

وبغض النظر عن نوايا المؤسسة الدينية، فإلغاء بيت الطاعة قد يكون كفيلا بوقف الأضرار النفسية والمادية التي تتعرض لها الزوجة، فقد كانت تعيش مكرهة على الرضا بالأمر الواقع، وتستسلم لأي ضغوط أو تصرفات مهينة حتى لا يترتب على تمردها أن يحكم القاضي بأنها ناشز وتسقط حقوقها، وعلى رأسها الحرمان من النفقة الزوجية.

والكثير من الزوجات اللاتي لجأن لرفع قضايا طلاق للضرر، يبادر أزوجاهن بطلبهن في بيت الطاعة عن طريق المحكمة، ويستخدمون بعض الحيل للإضرار بهن، كأن يتم تسجيل عنوان وهمي لمقر سكن الزوجية، وبالتالي لا يصل إخطار الطاعة للزوجة، فلا هي استقبلته وعلمت به، ولا قامت بتنفيذ الحكم خلال المدة القانونية (شهر)، فتسقط عنها النفقة وتعتبر ناشزا.

صحيح أن الخسارة المادية للمرأة تبدو هينة، لكن هناك فئة من الزوجات يعتمدن على النفقة الزوجية اللاتي يحصلن عليها باعتبارها المنقذ الوحيد لهن من الشح المالي والتيسير عليهن في الإنفاق على الأبناء بعد الطلاق، وعندما تخسر الزوجة هذا المبلغ، أيّا كانت قيمته، تعيش أزمات متراكمة، فهي مطلقة وبلا مورد مادي ثابت ولديها أولاد مسؤولون منها.

الأذى النفسي

عنان حجازي: فوائد بيت الطاعة على الاستقرار الأسري تبدو منعدمة
عنان حجازي: فوائد بيت الطاعة على الاستقرار الأسري تبدو منعدمة

المعضلة الأكبر كانت في الأذى النفسي الذي تتعرض له الزوجة التي يتم إجبارها على الإقامة مع رجل تبغضه، ما يكرس لأوضاع غير إنسانية، يكون أحد ملامحها القهر والإذلال والاغتصاب والاستسلام للتصرفات والسلوكيات المشينة، وكلها يصعب على أي امرأة تحملها، حيث تشعر باليأس والإحباط وغياب الحد الأدنى من الرضا والراحة والعاطفة والمودة.

وقالت آمنة نصير أستاذة الفقه بجامعة الأزهر إن إلغاء قانون بيت الطاعة يضع حدا للتعامل مع الزوجة بطريقة عصر الجواري، ويعيد إليها إنسانيتها، لأن الإكراه على الحياة الزوجية يخالف النصوص القرآنية التي تحدثت عن الزواج بأنه يقوم على المعاملة الحسنة والمودة والتراحم، لا القهر، بدليل أن الله دعا إلى التفريق بين الزوجين بالإحسان وليس بالاستهداف.

وأضافت لـ”العرب” أن التيارات المتشددة التي تقدس الهيمنة الذكورية على المرأة تقف بالمرصاد ضد تحرر الزوجة من سيطرة شريك حياتها على جسدها، ولا يدرك هؤلاء مخاطر إجبار النساء على الزواج بهذه الطريقة، والتي تؤسس لحياة أسرية قائمة على الصراع والعناد والإذلال والمبارزة، وتفتقد كل معايير المحبة والترابط والتشارك على أسس إنسانية.

ويمهد إلغاء بيت الطاعة بمصر لوقف ابتزاز بعض الرجال لزوجاتهم بالموافقة على الطلاق، مقابل التنازل عن كل الحقوق، وعدم المطالبة بأي شيء عقب الانفصال الرسمي، وهذا تصرف شائع داخل بعض الأوساط، وكثيرا ما تضطر الزوجة للقبول بهذا الخيار للحصول على تحررها من سجن الزوجية لتكمل حياتها بعيدا عن الأذى.

تركيع المرأة

Thumbnail

يحمل تمسك شريحة من الرجال باستمرار بيت الطاعة مدى شغف العقلية الذكورية عند البعض بعدم خسارة ميزة تركيع المرأة وجعلها أسيرة لزوجها، باعتبار أن أحكام الطاعة سلاح رابح يتم استخدامه للتنكيل بأي سيدة تتمرد على الواقع الذي تعيشه، لأن نشوة الانتصار وإلحاق الهزيمة بشريكة الحياة لها مذاق خاص عند هذه الفئة.

وقالت عنان حجازي استشارية العلاقات الأسرية بالقاهرة إن فوائد بيت الطاعة على الاستقرار الأسري تبدو منعدمة، لأن المرأة عندما تعود لبيت الزوجية بأمر قضائي تكون مكسورة أمام زوجها، في حين أن القوانين الاجتماعية يفترض فيها تحصين الكيان العائلي من التصدع والشقاق وتكريس التعايش بشكل إنساني، وهذا يصعب تحقيقه مع تشريع يُستخدم لترهيب الطرف الضعيف.

وأوضحت أن معضلة بعض الرجال تكمن في تعاملهم مع الطاعة العمياء باعتبارها مقياسا للحفاظ على الكرامة أو دليلا على التحكم والسيطرة، ما يشير إلى أن هناك مفاهيم بالغة الخطورة في طريقة تربية الأبناء على التعامل مع الزوجة، بأن إكرامها وحسن معاملتها والحفاظ عليها ليس ضعفا، لكنه من شيم الرجولة والشهامة.

وبعيدا عن المبررات الخفية أو المعلنة لتمسك الرجل بالعيش مع امرأة مسلوبة الحرية وتنفر منه وترفض وصايته على جسدها، لكن بيت الطاعة بمفهومه الشامل يعكس حجم العنف الزوجي بين الأسر بدليل هروب زوجات كثيرات، لكن الخطر الأكبر عندما يعود بعضهن للمنزل إجبارا فيصبحن مدفوعات للخيانة ثأرا من الظلم وبحثا عن العاطفة والانتقام معا.

21