المماطلة والتوظيف السياسي عنوان أزمة المؤسسات الإعلامية المصادرة في تونس

صحافيو إذاعة شمس يرفضون القرارات المسقطة ويدخلون في اعتصام مفتوح.
الخميس 2021/03/18
ملف معلق منذ عشر سنوات

تتهم الهيئات المسؤولة عن الإعلام في تونس الحكومات المتعاقبة بالمماطلة في حل مشكلة المؤسسات الإعلامية المصادرة وبغياب الشفافية والوضوح في التعامل معها، وسط حالة من الارتباك تعيشها المؤسسات المعنية، وفي ظل تفاقم المشاكل المالية التي تهدد ديمومتها.

تونس – حذّرت الهيئات المشرفة على قطاع الإعلام في تونس من عدم جدية الحكومة في معالجة ملفات المؤسسات الإعلامية المصادرة وغياب الرؤية الواضحة في إعادة هيكلتها، ما يجعل مستقبل تلك المؤسسات المتخبطة في مشاكل مادية غامضا ودون حلول تذكر.

ونبّه مجلس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري (الهايكا) الاثنين مما أسماه “مؤشرات خطيرة تحف بتناول رئيس الحكومة هشام المشيشي ملف الإعلام” داعيا إياه إلى “ضرورة مراجعة سياسته في هذا المجال على قاعدة استقلالية القطاع وضمان حرية التعبير والصحافة وإعلاء شأن المصلحة العامة”.

وعبّر المجلس في رسالة مفتوحة نشرتها الهيئة بصفحتها على فيسبوك عن تفاجئه من “تعاطي الحكومة مع ملف إذاعة شمس أف أم المصادرة وخاصة تعيين مديرة عامة لها بشكل مفاجئ ودون الرجوع للهيئة، فضلا عن اعتماد أسلوب التعتيم في التعاطي مع عملية التفويت فيها للقطاع الخاص”.

واعتبر المجلس أن المشيشي “يُصرّ على عدم التداول في ملف الإعلام المصادر في إطار الشفافية والوضوح بما يضمن عدم توظيفه من أية جهة كانت”.

وحثّ المجلس المشيشي على ضرورة التنسيق في ما تختص به الهيئة دستورا وقانونا، منبها إلى أن “عدم الالتزام بالشفافية والوضوح في كل مراحل وإجراءات التفويت في إذاعة شمس أف أم لا يعد سوى تأكيد على غياب الرؤية والإرادة الحرة”.

ويعد ملف الإعلام المصادر رهانا مهما لحكومة المشيشي، بعد فشل الحكومات المتعاقبة في حل مشاكله، إذ صادرت الدولة التونسية مؤسسات إعلامية بعد ثورة يناير 2011 وعينت إدارات خاصة للإشراف عليها حتى التفويت فيها للقطاع الخاص.

هشام السنوسي: نحن في صراع لمحاولة عزل الإعلام عن التجاذبات السياسية
هشام السنوسي: نحن في صراع لمحاولة عزل الإعلام عن التجاذبات السياسية

وتعيش هذه المؤسسات حالة من الغموض والارتباك أثرت على سير العمل فيها، ما جعلها تعاني من مشاكل مالية كبرى انعكست على وضعيات الصحافيين العاملين فيها.

وأفاد هشام السنوسي عضو “الهايكا” بأن “الملف على طاولة البحث، وطال الحديث عنه”، وأضاف “مع الأسف لم يحسم إلى حد الآن”.

وذكر في تصريح لـ”العرب” “آن الأوان للحسم في المسألة، ونحن معنيون بإذاعة شمس التي هناك اتفاق للتفريط فيها للقطاع الخاص، فضلا عن إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم”.

ويقول السنوسي “تخيم الممارسات السياسية على كل الملفات المتعلقة بالإعلام، ونحن الآن في صراع لمحاولة عزل الإعلام عن التجاذبات السياسية والحفاظ على استقلالية القطاع، ومنذ سنة 2011 لا توجد حكومة واحدة حاولت بجدية أن تساهم من موقعها في إصلاح الإعلام، بل تفكّر في كيفية الاستثمار وتحويله إلى أداة دعاية”.

وأشار إلى أن “الهيئة تتعرض إلى الكثير من الضغوط الحزبية (في إشارة إلى الحزام السياسي للحكومة)، حيث تمتلك حركة النهضة وقلب تونس قنوات غير قانونية، يجب غلقها”.

وبالموازاة مع ذلك دخل صحافيو وعاملو إذاعة شمس أف أم في اعتصام مفتوح بمقر الإذاعة بداية من الاثنين، للتعبير عن رفضهم القطعي والمطلق لتعيين الصحافية حنان الفتوحي على رأس الإذاعة.

واعتبروا قرار التعيين مسقطا لا يستجيب لوضعية المؤسسة المالية الصعبة التي تحتاج إلى متصرف إداري ومالي له خبرة في إدارة المؤسسات ذات الصعوبات المالية، معربين عن استعدادهم لخوض كل الأشكال النضالية دفاعا عن المؤسسة وخطها التحريري، والنأي بها عن كل التجاذبات السياسية.

وأفادت رئيسة فرع نقابة الصحافيين بإذاعة شمس خولة السليتي بأن “المؤسسة محل مصادرة منذ 10 سنوات ولا يزال مصيرها غامضا إلى الآن، وديمومتها مهددة، ووضع المصادرة حال دون توفير المنتوج الإعلامي اليومي”، وقالت “حرية الإعلام مصادرة”.

وأضافت في تصريح لـ”العرب” “استبشرنا خيرا عند طلب عروض جدية للتفويت في المؤسسة، لكن تم رفضها، والتعيين الأخير بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، المؤسسة تتطلب شخصية متفرغة للعمل ويتوفر فيها شرط الكفاءة، ونرفض التعيين المسقط الذي عانينا منه سابقا”.

ولم تخف السليتي المساعي السياسية المعرقلة للتفويت في المؤسسة للقطاع الخاص، وقالت “التدخل السياسي في المسألة لم يكن مقترنا بحكومة المشيشي فحسب بل أيضا ارتبط بالحكومات السابقة، وكلما اقتربنا من انفراج الأزمة ظهرت مشكلة جديدة تعرقل عملية التفويت”.

وأشارت رئيسة فرع نقابة الصحافيين بإذاعة شمس إلى أن “العاملين بالمؤسسة مستعدون للتصدي لكل من يسعى من قريب أو من بعيد إلى الضغط على المؤسسة، ونحن منفتحون على كل التحركات والخيارات”.

كما دعت رئيس الحكومة وأعضاء اللجنة المصادرة ووزير المالية إلى “تحمل مسؤولياتهم ورفع أياديهم عن المؤسسة بوضع رؤية واضحة لحسم الملف”.

خولة السليتي: نحمّل المشيشي وأعضاء لجنة المصادرة مسؤولية حسم الملف
خولة السليتي: نحمّل المشيشي وأعضاء لجنة المصادرة مسؤولية حسم الملف

وتعاني المؤسسات المصادرة من ضبابية متواصلة تحول دون وضوح الرؤية بشأن وضعياتها المالية والإدارية.

وفضلا عن إذاعة شمس تعتبر دار الصباح من أعرق المؤسسات الإعلامية التونسية، حيث تأسست سنة 1953 وتصدر ثلاث صحف، اثنتيْن يوميّتين وواحدة أسبوعية، وتعاني من فوضى غير مسبوقة، إضافة إلى إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم التي تعاني من فوضى تسيير العمل، وتمّ الاتفاق بين النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين و”الهايكا” على إلحاقها بالإذاعة العمومية، لكن ذلك لم يتحقق حتى الآن.

كما تعاني مؤسسة “كاكتوس برود” من تردي الأوضاع الاجتماعية والإدارية حيث لا يتمتع الصحافيون والعاملون في المؤسسة بالتغطية الاجتماعية مع عودة المضايقات والتوعّد بالطرد التعسفي لمجرد الاختلاف في الآراء مع المتصرف القضائي، إضافة إلى غياب الشفافية في طريقة التعيينات في مؤسسة مصادرة تحت إشراف الدولة.

والمتصرف القضائي هو مدير عام يُعيّنه القضاء التونسي للإشراف على المؤسسات المصادرة، لأنّه لم يتم الحسم في وضعيّتها القانونيّة بعد عملية المصادرة.

وسبق أن استنكرت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والجمعية العامة للإعلام عدم جدية الحكومة في تناول هذه الملفات.

وفي فبراير الماضي أفادت النقابة والجمعية في بيان مشترك بأن وفدا نقابيا يضم ممثلين عنهما إلى جانب ممثلي فروع النقابتين في كل من إذاعة شمس ودار الصباح ومؤسسة “كاكتوس برود” انسحب من جلسة عمل انعقدت مع وزير الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار بمقر الوزارة، بعد رفضه التوقيع على أي محضر اتفاق في التعهدات التي كان قدمها شفويا بحجة أن الجلسة هي فقط لتبادل الآراء والنقاش وليست للتفاوض.

وأدانتا استخفاف الوزير بحجم المشاكل التي تعيشها المؤسسات الإعلامية المصادرة والتي تهدد ديمومتها، معربتين عن رفضهما لطريقة تعامله مع الهياكل النقابية وما أبداه من إقصاء وأحادية في التعامل مع هذه الملفات.

وتتصاعد وتيرة الاتهامات لأطراف معينة بشأن توظيفها هذه المؤسسات لأغراض سياسية شخصية. ويرى متابعون أن وضعية هذه المؤسسات مرشحة للتصعيد، في ظل إقحام ملف الإعلام في المصالح الحزبية، مع تنامي رغبة كل طرف في السيطرة على هذه المؤسسات لتحقيق أهداف سياسية.

18