الممارسات العنيفة والمنحرفة الطريق الأسرع للشهرة في مصر

خبراء علم النفس: لمواقع التواصل دورًا في تغذية ثقافة العنف والكراهية والتنمّر، ودفع المهووسين إلى توثيق لحظات صادمة وتسجيل تصرفات غريبة ومنحرفة ومستهجنة ومجرّمة.
الاثنين 2021/01/25
مصريون في فخاخ التقنيات الاستقطابية

القاهرة – لم يعد هناك حدّ للانشغال الهستيري بالشهرة على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، ولو اقتضى الأمر أحيانًا توثيق لحظات صادمة وممارسات عنيفة ومنحرفة وربما شاذة لبثها إلكترونيًّا.

ولم ينجُ المصريون من فخاخ التقنية الاستقطابية، فشرع بعضهم في بثّ صور سيلفي ومقاطع فيديوهات حافلة بالقسوة والانفلات من القيم الأخلاقية والضوابط المجتمعية، وربما مقرونة أيضًا بارتكاب جرائم تدينها القوانين البشرية والشرائع السماوية.

وأشعلت واقعة الحلوى الفاضحة مواقع التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي ولا تزال تداعياتها مستمرة، وتصدر هاشتاغ #التورتة_الجنسية الترند، حيث انتشرت صور حفل عيد ميلاد سيدة في نادي الجزيرة الراقي في القاهرة برفقة صديقاتها، وهن يتناولن حلوى مجسّمة على هيئة أعضاء جنسية.

أيمن منصور: الاضطرابات السلوكية والنفسية نتيجة للانفصام عن الواقع الحقيقي
أيمن منصور: الاضطرابات السلوكية والنفسية نتيجة للانفصام عن الواقع الحقيقي

وجرت تحقيقات إدارية في الواقعة بمعرفة وزارة الشباب والرياضة، وأخرى أمنية بمعرفة الشرطة، إلى جانب استنكار الواقعة بفتاوى دينية رسمية. وتناول الكثيرون بالمشاركة والتعليقات تفاصيل الواقعة بقدر من السخرية، متندرين على طبيعة الوقائع المثيرة والتافهة التي يتوقف عندها المصريون، وتنتفض ضدها أجهزة الدولة.

ويعزى تنامي ثقافة العنف والكراهية والتنمّر والاستمتاع بتصرفات غريبة ومنحرفة ومستهجنة، حد الشذوذ، إلى أسباب وعوامل متشابكة، من أخطرها قنوات الإعلام المغذّية للشحن والعصبية بمضامينها الرثّة، وصفحات مواقع التواصل المكرّسة للانعزالية، ما جعل تطبيقات التكنولوجيا الحديثة، بوصف خبراء، منصّة لتعزيز السلوكيات السيئة والمنفّرة، بل إن إطلاق منشور واحد على فيسبوك يعادل في تأثيره التدميري طلقات مدفع رشاش عشوائية.

وكانت الفنانة الشابة عبير بيبرس قد تصدرت الترند منذ فترة وجيزة بسبب التقاطها صورة سيلفي (وهي تخرج لسانها) إلى جوار جثة زوجها الذي قتلته في منطقة البساتين بالقاهرة، ما قرّبها من حافة الإعدام في القضية الجاري النظر فيها حاليًا أمام المحكمة.

وأظهرت تحقيقات النيابة أن المتهمة (35 سنة) ضربت زوجها (42 سنة) بزجاجة في صدره مرتين محدثة جرحًا غائرًا بعمق 7 سنتيمترات قبل أن يسقط على الأرض غارقًا في دمائه جثة هامدة في المنزل. واعترفت الممثلة بوقوع مشاجرة بينها وبين القتيل إثر مشادة كلامية بينهما.

ولولا “سيلفي الجثة” الذي وثقته الفنانة على الموبايل الخاص بها، لسبب خفيّ وراءه خلل نفسي بالضرورة، ربما لأفلتت بجريمتها من العقاب، إذ ادعت في البدء قبل افتضاح أمرها أن وفاة زوجها طبيعية بسبب إصابته بجرح في صدره. وكان القتيل قد صفعها على وجهها وسبها بألفاظ خادشة قبل أن تهم بقتله.

وحفلت منشورات المتابعين والمغردين وتعليقاتهم بأصداء “سيلفي مع الجثة”، في محاولة لفهم دوافع القاتلة لالتقاط هذه “الصورة العجائبية”.

كما سجّل مصريون آخرون وحشية قتل الحيوانات الأليفة في مقاطع فيديو دموية تعجّ بها صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وما يزيد من قسوتها اقترانها عادة بضحكات القاتل وسخريته حال تعذيبه الحيوان البريء الضعيف واستمتاعه بقتله، وتقديمه الفيديو للمشاهدين والمتابعين باعتباره عملًا طريفًا أو تصرًّفا بطوليًّا، ما يعكس انحرافات سلوكية.

وتقدم مواطن مصري ببلاغ للنائب العام مطالبًا فيه بالتحقيق مع شخص قتل قطة في محافظة القليوبية شمال القاهرة، بعد تعذيبها بلا رحمة أمام المارّة في الشارع، ووثق فعلته بفيديو نشره على قناته الشخصية في يوتيوب، ظهر فيه وهو يبتسم ويتلذذ بالتعذيب والقتل.

وانتشرت في مصر منذ فترة غير بعيدة وقائع ذبح القطط بأيدي شباب صغار وأطفال، وتصويرها وبثها عبر يوتيوب وصفحات التواصل الاجتماعي، واقترنت عادة بالقطط الضالة، خصوصًا المنتشرة في الأحياء الراقية والأندية الاجتماعية والرياضية الشهيرة، التي تعكّر صفو “أولاد الذوات”، ومن ثم فإنهم قاموا ببساطة بذبحها بأيديهم، الأمر الذي أثار الرأي العام بشدة ضد “ثقافة طبقات الهاي لايف الدموية السائدة”.

ويتفق خبراء علم النفس والإعلام والأمراض العصبية على أن لمواقع التواصل دورًا في تغذية ثقافة العنف والكراهية والتنمّر، ودفع المهووسين إلى توثيق لحظات صادمة وتسجيل تصرفات غريبة ومنحرفة ومستهجنة ومجرّمة.

Thumbnail

وأكد محمد خطاب، أستاذ مساعد علم النفس بجامعة عين شمس بالقاهرة، لـ”العرب”، أن “المجتمعات البشرية أصبحت تعاني في الآونة الأخيرة من الفراغ والخواء والاغتراب النفسي نتيجه أسباب عديدة، منها الشعور بالإحباط الذي يؤدي بدوره إلى العنف والعدوان والتنمر”.

وأضاف “مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت هي المجال للتنفيس والتفريغ الانفعالي العدواني عن هذه الإحباطات، كما صارت مجالًا لتحقيق الذات ولفت الانتباه والأنظار لهؤلاء الذين يعانون الإحباطات والنرجسية المجروحة واللامبالاة نتيجة تعرضهم للنقد واللوم والمقارنة والتوبيخ والمعايرة، ربما من الأهل، وعدم حصولهم على الحب الكافي والتقبل غير المشروط والتسامح مع الأخطاء”.

وتعمق مواقع التواصل الاجتماعي انتشار أمراض نفسية اجتماعية أخرى مثل الحسد والحقد والكراهية والغيرة والتنافس المرضي بين الأهل والأصدقاء والأقارب والجيران والتلصص والتجسس على الغير وفضحهم والتشفي فيهم، وتزيد العوالم الافتراضية أزمات الشخصيات المضطربة.

ويوصي أيمن منصور ندا، رئيس قسم الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة، بتقنين أوقات متابعة وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا للصغار. وقال لـ”العرب”، إن “الاستغراق الزائد على الحد في العالم الافتراضي يقود إلى مضاعفة الشعور بالاغتراب والانعزالية والجمود العاطفي، وأثبتت دراسات كثيرة أن العنف وغيره من الاضطرابات السلوكية والنفسية نتيجة مباشرة للانفصام عن الواقع الحقيقي، وتقمص الأفراد شخصيات عدوانية لا تخصهم بسبب انغماسهم الزائد في عوالم خيالية”.

ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت إمكانية الناس في التعبير عن أفكارهم واهتماماتهم أكبر، وثمة نماذج معينة من اضطرابات الشخصية قد يجد المصابون بها ضالتهم في وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي اضطراب الشخصية النرجسية، يشبه المصابون شخصية نركيس الأسطورية، الذي وقع في حب صورته المنعكسة على الماء، مستغرقًا بشؤونه دون الإحساس بوجود الآخرين.

ويشعر المصابون هنا بالتعالي، وبأنهم أصحاب شأن، ويبنون التخيلات التي تُشعرهم بأنهم مُتميزون، وينتظرون تلقي التقدير الكبير من المحيطين بهم، وعند هؤلاء سوف تكون وسائل التواصل الاجتماعي منصّة مناسبة لإظهار تفوقهم وتفرّدهم، وأحيانًا تأتي الأمور بصور كاريكاتيرية، فيكتب أحدهم على صفحته (الفيلسوف فلان)، أو يكون البروفايل باللغة الإنجليزية أو الفرنسية دونما وجود سياق أو معرفة تبرر ذلك.

19