الكاف التونسية تحتفي بالمسرح على امتداد دورة قمرية

كعادتها احتفت مدينة الكاف التونسية باليوم العالمي للمسرح الذي يوافق السابع والعشرين من مارس من كل عام، على طريقتها الخاصة، وهي التي دأبت منذ 18 عاما خلت على الاحتفاء بأب الفنون من خلال دورة قمرية كاملة يتصل فيها الليل بالنهار ليكون الفن الرابع نجما مشعا على تظاهرة “24 ساعة مسرح دون انقطاع“ بالكاف.
الكاف (تونس)- بلغ المهرجان الدولي “24 ساعة مسرح دون انقطاع” بمدينة الكاف التونسية (شمال غرب) هذه السنة حلقته الثامنة عشرة، مهرجان امتد هذا العام بشكل استثنائي بين 23 و27 مارس الماضي، ليقدّم لعشاق الفن الرابع برمجة ثرية ومتنوعة تتراوح بين المسرح والموسيقى والأفلام الوثائقية والرقص والتجليات وعروض الفنون التشكيلية والحكواتي من تونس ومن خارجها، حيث شاركت في الدورة الأخيرة خمسة دول أجنبية بين عربية وغربية، هي فرنسا وكندا والجزائر والأردن ومصر.
وعن خصوصية الدورة الحالية صرّح عماد المديوني، مدير المركز الوطني للفنون الدرامية والركحية بالكاف (الجهة المنظمة للمهرجان) لـ“العرب” قائلا “ككل سنة ينظم المهرجان احتفالا باليوم العالمي للمسرح، ليحتفي بأب الفنون بفضاءات المركز، إلّا أننا اخترنا هذا العام الانفتاح أكثر فأكثر على محيط المؤسسة وعلى فئات اجتماعية مختلفة عبر توزيع فقرات التظاهرة على فضاءات متعددة منها المركز وبعض دور الثقافة والمواقع الأثرية والشوارع وبعض الأحياء الشعبية والساحات والفضاءات الثقافية الخاصة بمحافظة الكاف، مع محاولة التوجه إلى فئات محرومة من النشاط الثقافي كفاقدي السند والسجناء والمسنّين تكريسا لمبدأ الحق في الثقافة للجميع”.
وهو التوجه الذي باركه المسرحي التونسي المخضرم رؤوف بن يغلان، ضيف المهرجان، مثمنا جهود القائمين على إدارة المهرجان في اعتمادهم اللامركزية في توزيع العروض التي تجاوزت حدود مركز الفنون الدرامية والركحية وامتدت إلى فضاءات مختلفة كالسجون والمستشفيات وأماكن أخرى من المدينة التي احتضنت منذ ما يزيد عن نصف قرن أعلاما مسرحية كبرى على غرار المخرج الراحل المنصف السويسي وفرقة الكاف الشهيرة التي أنجبت بدورها خيرة المسرحيين التونسيين كالأمين النهدي وسعاد محاسن وعزيزة بولبيار وغيرهم، علاوة على الأسعد بن عبدالله، مؤسس تظاهرة “24 مسرح دون انقطاع″ بالكاف.
وأضاف “الكاف كانت ولا تزال ولّادة للمسرح والمسرحيين في تونس، وهو ما لامسته في هذه الدورة، حيث وجدت تظاهرة ناشطة متجددة ومتنوعة تطرح عروضا بأشكال وتوجهات ومراجع ومدارس مختلفة”.
وبدورها أشادت المسرحية التونسية فاطمة بن سعيدان، إحدى المكرمات في النسخة الـ18 من التظاهرة، بالعروض المختارة هذا العام، وقالت لـ”العرب”، “هي فرصة لا تتكرر على مدار العام إلّا مرة فقط وعنوانها الكاف، فمن أضاع بحكم انشغالاته المهنية مشاهدة بعض العروض المسرحية، يجدها مُجمّعة دفعة واحدة بالكاف”.
وأضافت “أن ترى آخر العروض الكوريغرافية لنوال إسكندراني وآخر إنتاجات فضاء التياترو، وجل المسرحيات المنجزة أخيرا من مراكز الفنون الدرامية والركحية بتونس، فهذا الأمر يحسب للكاف وإدارة المهرجان وما علينا سوى المتابعة ليوم وليلة، ولنترك النوم جانبا ولو لمرة واحدة”.
وأتت دورة هذا العام بإجماع كل من واكبها ناجحة رغم الإكراهات التي رافقتها، من ذلك تردي البنية التحتية لأول مركز وطني للفنون الركحية والدرامية بتونس، في انتظار انطلاق أشغال تهيئة قاعتي العروض “نورالدين بن عزيزة” و“محمد بن عثمان” ومقر الإدارة والسياج الخارجي، إلى جانب ضعف الموازنة المرصودة من قبل وزارة الشؤون الثقافية التونسية التي لم تتجاوز الـ50 ألف دينار (حوالي 16.6 ألف دولار).
ومع ذلك واكب عشاق المسرح على امتداد خمسة أيام آخر الإنتاجات المسرحية التونسية وأجودها كمسرحية يوم الافتتاح الرسمي للتظاهرة، أو ذروة المهرجان، أي العروض المتعاقبة دون انقطاع، في الـ26 من مارس، والمعنونة بـ”هوامش على شريط الذاكرة” للمخرج أنور الشعافي وتمثيل رضا بوقديدة ومنى التلمودي، والتي تدور أحداثها حول رجل مسن ينبش في ذاكرته المفقودة، يعاين، يسجّل ويستعيد أحداثا بالصوت والصورة، لكنه يجعل الهامش والتفاصيل البسيطة في صدارة اهتمامه.
لتختتم التظاهرة صبيحة السابع والعشرين من مارس بمسرحية “القادمون” للمخرج سامي النصري، وهو العمل المقتبس عن “ديوان الزنج” لعزالدين المدني، في تمثيل لنورالدين الهمامي والمنجي الورفلي ولزهر فرحاني وسيف الدين الشارني ومحمد شوقي خوجة وناجي الشابي وضو خلف الله.
وتناولت المسرحية مسألتي الحكم والثورة، انطلاقا من حدث تاريخي تمثل في ثورة الزنوج في القرن الرابع زمن الحكم العباسي، هذه الثورة التي انطلقت في جنوب العراق وقادها علي بن محمد، حيث غاصت المسرحية في متاهات السلطة وإشكاليات التسلط بين حكم الشعب وحكم العسكر، وهو ما ينعكس اليوم على تونس ما بعد 14 يناير 2011، مما يطرح إشكاليات التهميش الاجتماعي والسياسي بالتوازي مع التغيرات الاقتصادية التي باتت تعيشها بعض البلدان التي شهدت ما اصطلح على تسميته بـ”ثورات الربيع العربي”.
وبين عرض الافتتاح والاختتام تابع عشاق الفن الرابع أزيد من 50 عرضا في شتى أنواع الفنون علاوة على الورشات المختصة كورشتي “الكوميديا دي لارتي” و“الرقص والإعلام” والندوة الفكرية التي ناقشت هذا العام علاقة المسرح بالإعلام.
وبالتوازي مع ذلك انتظم، ولأول مرة في تاريخ التظاهرة، معرض كتب تحت عنوان “كتاب مجاني”، حيث وضع على ذمّة ضيوفه ومواكبي التظاهرة 1500 نسخة تقريبا في أغراض مختلفة وزّعت بالمجان تشجيعا على المطالعة.
وعن المعرض قال عماد المديوني لـ“العرب”، “هو تثمين وتأكيد على أهمية الكتاب في عالم غلبت عليه الطفرة التكنولوجية والوسائل الافتراضية الحديثة، ولا ننسى أن العديد من المسرحيات الكلاسيكية هي في النهاية أفكار خطّت بين دفتي كتاب”، ولأجل ذلك صدر بمناسبة النسخة الثامنة عشرة من تظاهرة “24 ساعة مسرح دون انقطاع” مجلّد ضمّ 10 نصوص مسرحية تمّ إنتاجها في فترة الفرقة المسرحية القارة بالكاف وأعيدت كتابتها وطبعها اتحاد الكتاب التونسيين.
