الكاريكاتير يقاوم تقهقر الورق في معرض جماعي مصري

ملتقى روّاد الكاريكاتير يحتفي بأعمال نخبة ممن قدّموا إسهامات لافتة لإثراء فن الدهشة عبر عقود متتالية ويرفع لافتة “الفن السحري لا يموت” لتعزيز الكاريكاتير كفن مستقل بذاته.
الثلاثاء 2020/03/03
من حضور الجمهور فعاليات ملتقى رواد الكاريكاتير

القاهرة – يظل الكاريكاتير لغة الناس وفن السخرية الأصدق في قراءته للواقع بقضاياه وأحداثه وشخصياته، سواء كانت لوحاته مطبوعة أو إلكترونية.

وحمل ملتقى روّاد الكاريكاتير الأخير في دار الأوبرا بالقاهرة، رسالة قوية حول قدرة هذا الفن على مقاومة اندثار عصر الورق، حيث شهد مشاركة عشرات الفنانين من الروّاد والمعاصرين من أجيال مختلفة بمئتي عمل من لوحاتهم النادرة الأصلية التي يعود بعضها إلى أكثر من سبعين عاما.

من المجتمع ينبع فن الكاريكاتير، وإليه يتوجه، ممتلكا طاقات خلاّقة وقدرات خاصة في تفاعله مع الظواهر والأحداث المهمة والتفاصيل اليومية التي تشغل قطاعات البشر بروح تهكمية سهلة الهضم، إلى جانب رسم بورتريهات أمينة للشخصيات البارزة وتعريتها فوق ميزان العدالة.

الكاريكاتير لم يقف يوما عند العرض الإعلامي المحايد، بل ظل دائما صوت الشعب، لا يخشى السلطة ولا يخضع لرقيب

ولا يكتفي هذا الفن الكاشف عادة بالرصد والتسجيل، وإنما يتجه مباشرة إلى التحليل والاستبصار، وقنص الكامن تحت السطح، وفضح المسكوت عنه في سائر المجالات، السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، بهدف التعبير الصادق عن نبض الشعب وجوهر القضايا الملحّة، وتعزيز ما هو إيجابي وانتقاد ما هو سلبي.

ويمتلك فن الكاريكاتير الشفيف ما لا تمتلكه المقالات الصحافية المدبجة من تقنيات الفكاهة والسخرية والمفارقة والتضخيم وما إلى ذلك، من أجل تكثيف الضوء على أمور معيّنة لإبرازها، والنيل من أمور أخرى بتهميشها وتقليصها، وهذا سرّ نجاح الرسوم ذات الأثر الصادم المحرّك للخيال والمحرّض على التغيير.

وحفل ملتقى روّاد الكاريكاتير بأعمال نخبة من الذين قدّموا إسهامات لافتة لإثراء فن الدهشة عبر عقود متتالية إلى يومنا هذا، ومنهم: بيكار، حجازي، بهجت عثمان، حاكم، مصطفى حسين، إيهاب شاكر، طه حسين، تاج، وجيه يسى، عفت، عمرو سليم، رغداء حجازي. وشهد الملتقى حضور ضيوف شرف من الفنانين العرب، منهم: العراقي حمودي عذاب والإماراتية آمنة الحمادي.

اكتسب ملتقى روّاد الكاريكاتير أهمية كبيرة باستعادته الثقة في إمكانات فن الكاريكاتير وقدراته التعبيرية في تفجير رسالة فنية اجتماعية وتمريرها إلى المتلقي بغرض إمتاعه والتأثير فيه في آن واحد. وجاء الرهان على اللوحات الورقية التقليدية لفنانين رحل بعضهم عن هذه الحياة ليرفع لافتة أن هذا الفن السحري لا يمكن أن يموت، وإذا كانت نماذجه الحديثة تحقّق نجاحات غير مسبوقة وانتشارا أوسع في ثوبها الرقمي عبر الإنترنت والوسائط الإلكترونية، فإن النمط الورقي لا يزال له جمهوره.

عمل لضيف المهرجان حمودي عذاب
عمل لضيف المهرجان حمودي عذاب

وأشار الكاتب الساخر عماد جمعة، مدير الملتقى، إلى أن الكاريكاتير بشكله الورقي يواجه محنة بسبب إغلاق الكثير من الصحف الورقية وتقلّص مطبوعات الكاريكاتير في الكتب والمجلات والإصدارات المتخصصة.

وقال لـ“العرب”، “هذه الظروف المناوئة، إلى جانب شيوع تصميمات الديجيتال وأبجديات التكنولوجيا الحديثة، تزيد أهمية هذه المعارض الجماعية، التي تدعم الكاريكاتير، وتُتيح نماذجه الأصلية الرفيعة للجمهور دون وسيط إعلامي ظلت متعلقة به سنوات طويلة”.

ولفت مدير ملتقى روّاد الكاريكاتير إلى أمر آخر يتعلّق بإمكانية إسهام هذا الملتقى، وغيره من المعارض، في تشجيع الأفراد والمؤسسات على اقتناء أعمال الكاريكاتير، شأن اللوحات البصرية في المجالات التشكيلية الأخرى.

ومن ثمّ تصير رسوم الكاريكاتير ذات طابع شعبي أكثر فأكثر، وتتحوّل من العرض الضيّق المؤقت إلى العرض الدائم المفتوح، خصوصا في حالة اهتمام المجتمع المدني بذلك، والمنظمات الأهلية والمستقلة ومراكز الثقافة والمكتبات وغيرها.

قدّمت أعمال ملتقى رواد الكاريكاتير بالقاهرة بانوراما شاملة لكل ما انشغل به الرأي العام من اهتمامات في سائر المجالات والميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

مصطفى حسين ناقدا أحوال المجتمع المصري
مصطفى حسين ناقدا أحوال المجتمع المصري

وتناول الفنانون بالنقد والسخرية والتحليل الأمور الأكثر حيوية على وجه الخصوص مثل الصحة والتعليم والإسكان وارتفاع الأسعار والتلوّث والفساد والمحسوبية والعلاقات الأسرية والعاطفية بين الرجل والمرأة والعنف المجتمعي وغيرها، إلى جانب الشؤون السياسية الساخنة والانتخابات والحياة الحزبية، وكواليس الفن ومنافسات الرياضة ذات الطبيعة الجماهيرية.

وكشف الملتقى بوضوح كيف أن الصحافة المصرية، خلال عهدها الذهبي في القرن الماضي، قد أفسحت المجال واسعا لفن الكاريكاتير لكي يضطلع بدوره المنشود في تفجير القضايا الكبرى وإضاءة الأحداث التي تشغل الجمهور.

فلم يكن الكاريكاتير يقف عند العرض الإعلامي المحايد، لكنه ظل دائما صوت الشعب، الذي لا يخشى السلطة، ولا يخضع لرقيب، كونه يستخدم وسائط ورموزا أكثر كياسة من المقالات المباشرة التي قد تحتوي عبارات لا يمكن تمريرها وكلمات يتعذّر السماح بها.

وحوى الملتقى العديد من البورتريهات الكاريكاتيرية التي جاءت منفتحة على تقنيات البورتريه والكاريكاتير معا. فتجسيد الوجوه والشخصيات العامة هو إبحار في سمات الشخصية ودواخلها، في لحظة قد تبدو ثابتة، لكنها مشحونة بالديناميكية والنبض والانفعالات المُضطربة والحالة المزاجية.

وتحقّقت هذه الدلالات من خلال المفارقات والتضخيم والسخرية والمرح والبكاء في آن، حيث تحرّرت الرسوم من قيود النقل الميكانيكي، وانفلتت من قبضة المعقول. ومن هنا فإن صور الشخصيات قد اقتربت أحيانا من الرمز أو الأيقونة أو الأسطورة، وهذا ما ميّزها عن فن التصوير النمطي، وأكسبها نبضا وشعبية.

16