الكاتب السعودي خالد الغنامي: الشعراء العرب كانوا فلاسفة

المثقفون يحملون فكرا نخبويا وهذا يجعلهم في معركة خاسرة أمام جماهيرية الفنانين والرياضين ونجوم شبكات التواصل الاجتماعي.
الجمعة 2019/12/13
ما حدث في السنوات الأخيرة كان مفاجأة

يعدّ خالد عاذي الغنامي واحدا من الكتاب والمثقفين السعوديين التنويريين الذين نادوا بالتسامح الإسلامي. وقدّم للقارئ العربي العديد من الإصدارات الأدبية والفكرية والترجمات التي أثارت جدلا ونقاشات طويلة. “العرب” توقفت معه في حوار تناول بعض القضايا الثقافية والفكرية المتعلّقة بالتحولات الوطنية الأخيرة.

لا يعلم خالد الغنامي الكثير مما يدور في وزارة الثقافة، فهو يعبّر عن نفسه بأنه من صعاليك الثقافة الذين يعيشون على الضفاف، وكل ما يملكه هو الأمنيات، فهو بعيد عن المنصات الرسمية وعن عالم الأندية الأدبية والملتقيات الثقافية، ولا يعرف الكثير عن القضايا التي يتم نقاشها أو الطموحات المرجوة لها، لكن يظل، حسب قوله، المثقفون هم “ملح البلد” الذين يتمنى أن يكون لهم حراك ملموس لمواكبة حركة التغيير العظيمة التي تمر بها السعودية.

الغنامي عضو في حلقة الرياض الفلسفية التي تأسست في عام 2008 على أيدي مجموعة من المهتمين بالمعرفة الفلسفية في الرياض، حيث تعقد نشاطات وفعاليات فلسفية وفكرية، وتتضمن تقديم أوراق وندوات في الفلسفة.

الشعر والفلسفة

تهدف الحلقة الفلسفية السعودية إلى نشر وممارسة الفعالية والمعرفة الفلسفية، وإلى تلاقح الأفكار بين المهتمين بها من أجل رفع قيمة السؤال الفلسفي والمعرفة الوجودية، حيث تتيح الحلقة للمهتمين تقديم أوراقهم سواء كانوا من داخل الحلقة أو من خارجها، لكن السؤال الذي يحيط بطبيعة الحركة الفلسفية في المملكة هو كيف يمكن نشوء حركة فلسفية في ظل أنساق ثقافية عالية تجرم التفكير خارج الصندوق الإسلامي. ألا يعد الفعل الفلسفي مجرد وهم؟

من أوجه السعادة
من أوجه السعادة

يقول الغنامي “الحركة الفلسفية في السعودية ليست بوهم، بل حقيقة ناصعة. هناك جيل من الشباب الذين تبهج الصدر رؤية ما يكتبونه في هذا الحقل المعرفي الجوهري. ثم إن الفلسفة لم تغب يوما من الدهر عن الإنسان العربي. ليس بالضرورة أن تخرج الفلسفة من تحت عباءة أفلاطون وأرسطو أو أن تتعلم منطقه، فهناك الفلسفة الهندية التي سبقت فلسفة الإغريق، وقد اكتملت فيها تضاريس الفلسفة، من بحث في الوجود وفي نظرية المعرفة وفي الأخلاق. والعربي كذلك، لطالما تفلسف من خلال ديوانه ‘الشعر‘. مر على ديوان جرول بن أوس، ذلك الإنسان الجميل الذي يقولون له ‘الحطيئة‘ وستجد روحا فلسفية شقية تتساءل بشغف وألم”.

ويضيف “أقدم أعظم فلاسفة القرن الماضي مارتن هايدغر على إلغاء تاريخ الفلسفة واعتبر أن الشعر هو من يقوم بتأسيس الوجود، يقصد أنه تأسيس باللغة التي ترى العالم، خلافا لأفلاطون الذي كان يرى الشعر مجالا للوهم والزيف. كان هايدغر يرى الشعر مجالا خصبا لتحقيق الإبداع، بل إنه يرى الفلسفة هي من تحتاج لإدراك شروط التجربة الشعرية لتوجه التفكير وفقها. ولو عدت لشعراء العربية الكبار لوجدت عندهم روح التفلسف هذه، وإن لم يكتبوا كتابا يشرح أرسطو، انظر في شعر المتنبي أو الجواهري على سبيل المثال”.

أما بالنسبة إلى الصندوق فيرى الغنامي أنه لم يعد هناك صندوق يحبس الناس ويفرض عليهم نمطا خاصا من التفكير ما دمت لا تسير في خط معارض للدولة، وهذه هي الأجواء المناسبة لازدهار الفكر الفلسفي، وهي البيئة التي طالب سبينوزا بإيجادها ورآها سببا لازدهار الدولة.

جهود فردية

بعد إطلاق وزارة الثقافة لمبادراتها، وتعيين الروائي محمد حسن علوان رئيسا لقطاع الأدب والترجمة والنشر، الذي سيكون مسؤولا عن تطوير القطاع بكل ما يرتبط به من نظم وآليات وأجهزة، ما مدى قدرة الوزارة على تبني المبادرات الخاصة بالترجمة، وتحويل مشاريع المترجمين من أعمال فردية يقوم بها المترجم بجهده الشخصي إلى عمل مؤسساتي مدعوم من قبلها؟ وفي المقابل كيف تنظر إلى ملف ترجمة الإنتاج السعودي للغات أخرى؟

وعن هذا الملف يشير الغنامي إلى أنه لا يستطيع التحدث باسم وزارة الثقافة، وإن كان متفائلا بالأجواء العامة وبالدكتور محمد حسن علوان، لمعرفته بأنه رجل صاحب رسالة. يقول “بالنسبة إلى الترجمة في السعودية، لا توجد لدينا إلى اللحظة حركة ترجمة، لا شيء سوى جهود فردية هنا وهناك، فما تترجمه مراكز الترجمة في الجامعات لا يتجاوز المقررات الدراسية، وما يترجم في الغالب هو كتب العلم الطبيعي والتخصصات العلمية. وبحسب علمي، لا توجد حركة لترجمة كتب الأدب والفكر والفلسفة. بكل تأكيد أتمنى أن يكون الحال قد تغير أو في طريقه للتغيير، وأتمنى للإخوة في الوزارة التوفيق الذي يكفل التغيير”.

وفي معرض حديثنا عن امتداد الصحوة في زمننا هذا، لاسيما بعد الموقف السعودي الرسمي من الخطاب الصحوي مؤخرا، وهل يمكن اعتبار الموقف السعودي الشاهد الأخير على قبر الصحوة، يقول ضيفنا “لا بد من القول في البداية إن الإسلام كدين كان موجودا قبل الصحوة، وسيستمر بعد غروبها. ما يسمى بعصر الصحوة كان سنين الازدهار لحزب الإخوان المسلمين الذي تأسس في 1928 وارتفع صوته بعد هزيمة 1967 وهيمن نسبيا بعد حادثة الحرم 1979”.

بذرة للتفكير في الاصلاح
بذرة للتفكير في الاصلاح

ويتابع “بعد إعلان ولي العهد السعودي الأمير الشجاع محمد بن سلمان عن الحرب على هذا التيار، بدأت سريعا علامات الأفول. لقد ظهر للناس الزيف في رموزهم، بل وفي أنفسهم. لقد اكتشف كثيرون أن التحاقهم بركب الصحوة لم يكن صادقا منذ البداية، لم يكن سوى ركوب للموجة ومواكبة للمجتمع، ومهادنة للصوت الأعلى. غلطة وقع فيها الجميع وانتهت. نعم، سيبقى الإسلامي المتدين، لكنه سيبقى كواحد من الآخرين، دون هراوة يهددهم بها أو يحاول إسكاتهم أو الاستفراد بالحديث وختم المواضيع”.

مفاجأة كبرى

يرى الغنامي أن كل مثقف سعودي يدعي أنه كان يتوقع ما حدث من تغيرات وتحولات اجتماعية ووطنية عميقة في زمن العاهل السعودي الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان هو بحاجة لأن يراجع صدقه مع نفسه. يقول “ما حدث في الخمس سنوات الماضية كان مفاجأة كبرى لم نتوقع أبدا أن تحدث في حياتنا، ما كنا نكتب عنه منذ العشرين سنة الماضية تحقق في لحظة، لكن هل كان للمثقف دور في ما حدث؟ طبعا كان له دور مهم، ولكن في نهاية المطاف فإن السياسي القوي، صاحب الرؤية، هو من يصنع التاريخ، وينقل الفكر من الكتب إلى الواقع على الأرض. كل المفكرين العظماء، كنْت وهيغل ونيتشه، كلهم احتاجوا إلى سلطة الدولة لتحويل أفكارهم إلى واقع معيش”.

وعن رأيه في منهجة الفلسفة والتفكير الناقد في مناهج التعليم السعودي يقول “أعلن وزير التعليم السابق في آخر سنة من عهده عن إدراج مادة الفلسفة في التعليم، ثم تم التراجع عنها بإصدار كتاب في ‘التفكير النقدي‘، وهذا الكتاب أيضا تم التراجع عنه. لا أدري ما هي خطة الوزارة لكني أرى من الضروري جدا تدريس الفلسفة والتفكير النقدي لطلابنا، فما خرج الإرهاب إلا من منهج التعليم التلقيني الذي يجعل الطالب أداة طيعة في يد من يمنحه الثقة، مسلوب الفكر والقرار والإرادة. هذا النوع من الطلبة مستعد لأن يرتكب كارثة بعد محاضرة بسيطة تهيج عاطفته الدينية”.

ويؤكد الغنامي في نهاية الحوار على أن المثقفين يحملون فكرا نخبويا، وهذا يجعلهم في معركة خاسرة، ليس أمام جماهيرية الفنانين والرياضين فقط، بل أمام نجوم شبكات التواصل الاجتماعي، ومن يتبعونهم، حيث يمارسون تكريس التفاهة والسخرية بالعقول. ويرى أنه يكفي المثقف أن تعرفه “طائفته” وأن تحبه النخبة في كل مجتمع.

15