القاهرة تغيّر تكتيكات صناعة الغاز لتقوية لوبي منتدى شرق المتوسط

مساع مصرية حثيثة لجذب المزيد من الاستثمارات في أنشطة البتروكيماويات عبر حوافز المناطق الحرة.
السبت 2020/05/30
نظرة أبعد إلى المستقبل

دفعت القاهرة بحزمة من التكتيكات الجديدة تستهدف إعادة صياغة مشهد صناعة الغاز في البلاد، أملا في تقوية شوكة منتدى شرق المتوسط، وسط حالة من الغموض تسيطر على الاقتصاد العالمي بسبب وباء كوفيد – 19، نالت من قطاع النفط والغاز بعد الدخول في حالة سيئة من الركود، ستكون لها تداعيات على مجالات مختلفة.

القاهرة - انتهجت الحكومة المصرية تكتيكات جديدة لإعادة هيكلة قطاع النفط والغاز والحفاظ على خططها الرامية إلى التحول إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الغاز والمنتجات البترولية، والتي نال منها انتشار وباء كورونا.

وترمي التوجهات الجديدة إلى الحفاظ على هوية منتدى غاز شرق المتوسط، كمنظمة حيوية في منطقة البحر المتوسط، ما دفع إلى تحديث الخطة القومية لصناعة البتروكيماويات كسلاح يمكن أن يعزز الطلب على الغاز.

ومن خلال هذه الخطة سوف يتم تدشين مشروعات عملاقة تستخدم الغاز في عمليات تصنيع منتجات يعاد تصديرها للأسواق الخارجية، بما يضمن حيوية الموقع الجغرافي لمصر وأعضاء المنتدى.

ومهدت القاهرة لتلك الخطوة مطلع مايو الحالي، وسمحت بالترخيص لمشروعات صناعية قائمة على الغاز الطبيعي كأحد مدخلات الإنتاج للعمل بنظام المناطق الحرة.

وستركز الحكومة بالأساس على صناعات الأسمدة والبتروكيماويات، التي يتصاعد الطلب عليها بصفة دائمة تحت أي ظروف لاستمرار نشاط الزراعة والتصنيع.

طارق الملا: نركز على مشروعات تزيد القيمة المضافة وتستهدف التصدير
طارق الملا: نركز على مشروعات تزيد القيمة المضافة وتستهدف التصدير

وهذه الخطوة جرت دراستها بعناية، لتتمكن الشركات العالمية من تصدير منتجاتها عبر المناطق الحرة دون رسوم جمركية، وتضمن استمرار الطلب على الغاز وتشجيع الاستثمار.

وتغازل القاهرة بذلك الاستثمارات الهاربة من النقاط الساخنة عالميا، فضلا عن أنها دولة المقر لمنتدى غاز شرق المتوسط، بالتالي عليها إيجاد حلول تضمن الحفاظ على قوة المنتدى.

وجاء التحرك المصري بعد أيام على انعقاد الاجتماع السادس لمجموعة عمل المنتدى عبر فيديو كونفرانس وناقشت تداعيات الجائحة على المنتدى بدعوة مصرية.

وقد شارك في هذا الاجتماع كل من قبرص واليونان وإيطاليا وإسرائيل والأردن وفلسطين، وممثلون عن الاتحاد الأوروبي، والبنك الدولي.

وتصدرت المناقشات صياغة رؤية مشتركة لمستقبل صناعة الغاز الطبيعي في المنطقة وتطوير هذه السوق للاستفادة المثلى من إمكانات المنطقة من احتياطيات هائلة وبنية تحتية متطورة.

وتأسس منتدى غاز شرق المتوسط في يناير من العام الماضي، ويقع مقره الرئيسي في العاصمة المصرية القاهرة، وهو يهدف إلى تنسيق السياسات الخاصة باستغلال الغاز الطبيعي بما يحقق المصالح المشتركة لدول المنطقة.

كما أن اللوبي الذي يجمعه المنتدى سيكون قوة أمام الأطماع التركية في الاحتياطات الهائلة للغاز في المتوسط وخاصة أمام السواحل القبرصية والليبية.

وتتواكب التحركات الأخيرة مع تراجع معدلات تصدير الغاز نتيجة هشاشة الاقتصاد العالمي ودخوله في مرحلة غير مسبوقة من التباطؤ نالت من الطلب على النفط والغاز وبددت آمال بعض الدول التي ربطت نهضتها بهذه الثروات.

وعلقت شركة شل الهولندية شحنات الغاز المسال المصدرة عبر مصنع إدكو لإسالة الغاز في مدينة دمياط على ساحل البحر المتوسط بمصر، نتيجة تدني أسعار الغاز بسبب تراجع الطلب العالمي مع تفشي كورونا.

وكانت شل تصدر نحو 100 مليون قدم مكعبة من الغاز يوميا لكن شح الطلب وتدهور الأسعار عصفا بجدوى التصدير.

وزاد من تفاقم الأمور إعلان 6 شركات نفط عالمية عاملة في مصر عن خفض استثماراتها لذات الأسباب، وأبلغ رؤساء الشركات وزير البترول طارق الملا خلال اجتماع موسع عبر تقنية زوم وجود ضغوط تمنع الحفاظ على مستوى الإنتاج الحالي.

وقالت مصادر مقربة لـ”العرب” إن “الملا يعقد اجتماعا دوريا بصفة شهرية مع كبرى شركات البترول لاستعراض الخطط الاستثمارية ومعدلات التشغيل والإنتاج”.

وتعتزم شركتا أباتشي الأميركية وشل خفض الموازنة الاستثمارية للإنفاق على إنتاج النفط بنسبة تصل إلى نحو 20 في المئة خلال العام المالي الحالي والمقبل، مع إمكانية زيادة سيناريو الخفض حال استمرار الأزمة.

وتعتبر الشركتان من أكبر المنتجين في مصر، حيث تقوم أباتشي بضخ استثمارات مشاركة مع شركتي خالدة للبترول وقارون المصريتين في الصحراء الغربية، بينما تتعاون شل مع شركة بدرالدين للبترول المصرية.

وتستهدف خالدة في موازناتها المقبلة ضخ استثمارات جديدة بنحو 792 مليون دولار عبر حفر 80 بئرا للغاز والبترول وزيادة إنتاجها إلى 150 ألف برميل زيت خام ومتكثفات يوميا.

ست شركات أجنبية خفضت استثماراتها النفطية في مصر متأثرة بتراجع الطلب العالمي على الطاقة
ست شركات أجنبية خفضت استثماراتها النفطية في مصر متأثرة بتراجع الطلب العالمي على الطاقة

وقال وزير البترول والثروة المعدنية المصري لـ”العرب” إنه “تم الانتهاء من تحديث الخطة القومية لصناعة البتروكيماويات عبر استراتيجية جديدة طويلة الأجل مدتها 15 عاما”.

وأوضح أن الاستراتيجية قائمة على التوسع في تأسيس المشروعات التي تزيد القيمة المضافة على المنتجات البترولية، بدلا من تصديرها على هيئة مواد خام.

ووفق الخطة تقوم القاهرة بتدشين نحو 11 مشروعا باستثمارات تصل إلى حوالي 19 مليار دولار، وتستهدف التصدير في المقام الأول من أجل جلب سيولة دولارية للبلاد.

وتسعى وزارة البترول المصرية إلى امتصاص الصدمات، حيث وقعت اتفاقا مبدئيا مع الشركات العالمية الفائزة بمناطق امتياز مزايدة البحر الأحمر، وهي أولى ثمار ترسيم الحدود مع السعودية منذ عامين.

وفاز ثلاثة تحالفات في المزايدة العالمية التي طرحتها القاهرة حول امتيازات البحث والتنقيب عن النفط والغاز لأول مرة في البحر الأحمر، هي شیفرون الأميركية وشل، وتحالف شركتي شل ومبادلة الإماراتية.

سعد هلال: استثمارات جديدة من أميركا وفرنسا وإيطاليا وإنجلترا والصين
سعد هلال: استثمارات جديدة من أميركا وفرنسا وإيطاليا وإنجلترا والصين

ورصدت مؤشرات وكالة بلاتس الدولية للمعلومات النفطية أن نحو 92 شركة نفط في جميع أنحاء العالم بما في ذلك 37 شركة نفط مقرها أميركا خفضت الإنفاق الرأسمالي بإجمالي مئة مليار دولار بمتوسط خفض قدره 27 في المئة.

وتنتج مصر ما يتراوح بين 55 في المئة و60 في المئة من إجمالي احتياجاتها من المشتقات البترولية، وتقوم باستيراد الفارق من الوكلاء والموردين العالميين.

وبلغت صادرات البلاد من المنتجات البترولية خلال الربع الثاني من العام المالي الحالي حوالي 2.7 مليار دولار، منها مليار دولار نفط خام، ونحو 1.7 مليار دولار منتجات بترولية.

وكشف سعد هلال رئيس الشركة المصرية القابضة للبتروكيماويات خلال تصريحات لـ”العرب” عن استثمارات مرتقبة جديدة في قطاع البتروكيماويات من مستثمرين أميركيين وفرنسيين وإيطاليين، فضلا عن تحالفات إنجليزية وصينية.

وأشار إلى أن الاستثمارات الجديدة قائمة على استغلال الغاز الطبيعي في عمليات إعادة التصنيع، مما يزيد القيمة المضافة لعمليات التشغيل على الاقتصاد المصري.

وأدى تداعي أسعار النفط ومشتقاته إلى خفض بنوك الاستثمار لتوقعات انتعاش أسهم شركات البتروكيماويات المدرجة في بورصة الأوراق المالية، رغم أنها تندرج ضمن الأسهم الدفاعية القادرة على تحقيق أرباح في جميع الظروف، لأن منتجاتها خامات أساسية لصناعات مختلفة.

وخفض بنك الاستثمار فاروس القيمة العادلة لسهم شركة سيدي كرير للبتروكيماويات، وهي من الأسهم الرئيسية مع محافظ جميع المؤسسات المالية وكبار المستثمرين، من مستويات من 0.69 دولار إلى نحو 0.47 دولار نتيجة زيادة وتيرة الضغوط التي تفرضها جائحة كوفيد – 19 على سوق البولي إيثلين العالمي.

وتوقع فاروس استمرار الشركة في تسجيل خسائر بعد تهاوي أسعار النفط مؤخرا وضعف الطلب على البولي إيثلين، فيما أدت تداعيات الوباء إلى تراجع أسعار طن البولي إيثلين من 880 دولارا في فبراير الماضي، إلى 700 دولار خلال الفترة الحالية.

وأرادت القاهرة الاستعداد للدورة الرابعة للاجتماع الوزاري للمنتدى المقررة خلال شهر يونيو المقبل بأجندة استثمارية تقدم من خلالها بعض الفرص للأعضاء، وتفتح آفاقا أمام خطط ربط حقول الغاز بالقاهرة، ما يعمق دور المنتدى.

11