القاهرة تشتري رضاء المزارعين لإنقاذ محصول القطن

وضعت الحكومة خطة لاستعادة مكانة القطن المصري عالميا عبر حزم تحفيزية لتشجيع الفلاحين على زراعته، تزامنا مع تدشين مصنع عملاق للغزل والنسيج بمدينة المحلة في شمال القاهرة المعروفة بأنها كانت قلعة هذه الصناعة بمصر.
القاهرة - وجه مصطفى مدبولي رئيس الوزراء المصري الحكومة بتقديم حوافز للمزارعين لتشجيعهم على زراعة القطن، لتلبية احتياجات صناعة الغزل والنسيج بعد تراجع مساحات زراعته بشكل كبير السنوات الماضية.
وتسبب غياب الحوافز في تراجع المساحة المحصولية للقطن عاما بعد آخر، وانخفضت من 336 ألف فدان عام 2018 إلى نحو 236 ألف فدان في 2019، وواصلت الانخفاض بشكل قياسي العام الماضي وسجلت 180 ألف فدان فقط.
وتشير التوقعات إلى مواصلة الهبوط العام الحالي إلى نحو 150 ألف فدان، ما دفع رئيس الحكومة إلى عقد اجتماع طارئ مؤخرا لمتابعة خطة تطوير صناعة الغزل والنسيج وتشجيع زراعة القطن، بحضور وزراء قطاع الأعمال العام، والزراعة واستصلاح الأراضي، والتجارة والصناعة، ورئيس مجلس إدارة الشركة الوطنية للتطوير والتنمية الصناعية التابعة للجيش المصري.
وأعلن السيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، جاهزية وزارته لتطبيق نظام الزراعة التعاقدية التي بموجبها يتم شراء المحصول بالكامل من الفلاحين، بما يضمن تسويقه قبل الشروع في زراعته، وهو ما يحفزهم للتوسع في زراعة القطن.
وأفاد مفرح البلتاجي رئيس شركة العامرية للغزل والنسيج وعضو اتحاد مصدري الأقطان، بأن حوافز الحكومة غير كافية لتشجيع الفلاحين على زراعة القطن، وسوف تظل صناعة الغزل والنسيج تعتمد على الأقطان قصيرة التيلة التي يتم استيرادها.
وأضاف لـ”العرب” أن النهوض بالقطاع يتطلب خطة محكمة وتفاصيلها معلنة في أكتوبر من كل عام، حيث تتم زراعة القطن في أبريل كي يتمكن المزارعون من اتخاذ قرارهم، وتتمكن الحكومة من حصر المساحات التقديرية التي يمكنها توفير احتياجات صناعة الغزل والنسيج المحلية، والترويج للقطن المصري خارجيا بالتعاون مع القطاع الخاص.
تشهد المنظومة الحالية مشكلات قضت على صادرات مصر من القطن، حيث سجلت 1.5 مليون قنطار من إجمالي المخزون البالغ 2.5 مليون قنطار، بما يعني وجود فائض في السوق المحلية يصعب تصريفه في الأسواق الخارجية.
ويمثل القطن طويل التيلة 4 في المئة فقط من الإنتاج العالمي، ويستحوذ قطن “بيما” الأميركي على 90 في المئة، لكنه لا يمتاز بجودة القطن المصري الناعمة لطبيعة الجو والطقس، أما نسبة الـ10 في المئة المتبقية فتستحوذ عليها البرازيل والهند والصين ومصر والسودان.
وتتواكب خطط توسع القاهرة في زراعة القطن مع سعيها للانتهاء من افتتاح وتشغيل أكبر مصنع للغزل والنسيج في مارس المقبل، ويستوعب أكثر من 182 ألف مردن غزل، بمتوسط طاقة إنتاجية 30 طن غزل في اليوم، والمردن هو المغزل الضخم.
ووقعت الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج والملابس عقد إنشاء المصنع الجديد مع مجموعة “جاما” للإنشاءات التي تعمل بنظام تسليم المصانع جاهزة، ويستخدم المصنع الجديد تكنولوجيا إنتاجية بالتعاون مع شركة “ريتر” السويسرية، لتكون الشريك الرئيسي في تطوير مصانع الغزل الحكومية.
وتصل الاستثمارات التقديرية للمصنع الجديد الذي يقام في مدينة المحلة الكبرى نحو 50 مليون دولار، وفق خطة تنفذها القاهرة لتطوير شركات القطن والغزل والنسيج التابعة للحكومة.
وتتنوع عمليات الإنتاج اليومي للمصنع الجديد على نحو 15 طنا من الغزول الرفيعة و15 طنا أخرى سميكة، فضلا عن تعزيز عمليات الإنتاج والتشغيل لمجموعة مصانع النسيج والصباغة والتجهيز داخل مدينة المحلة.
ويعد المصنع الجديد ضمن خطة لإحياء صناعة الغزل والنسيج، ورصدت الشركة القابضة للغزل والنسيج حزمة إنقاذ تصل إلى نحو 1.4 مليار دولار، تتضمن تحديثا كاملا للإنشاءات والآلات بمصانعها المتهالكة.
وتستهدف الخطة زيادة التخصص في عمليات الإنتاج، ودمج الأنشطة والشركات التي تعمل في مجالات متشابهة للحدّ من تكرار نفس الأنشطة في أكثر من شركة.
وقامت بدمج 23 شركة غزل ونسيج وصباغة وتجهيز في 9 شركات، إلى جانب دمج 9 شركات وحليج الأقطان في شركة واحدة مخصصة لهذا النشاط، ويصبح في البلاد نحو عشر شركات غزل ونسيج قادرة على المنافسة.

وأكد حسين أبوصدام نقيب الفلاحين، أن مشكلة زراعة القطن في مصر تتركز في التسويق والتسعير، وهما من المشكلات الأساسية لدى الفلاح، فإذا كانت لدى الحكومة نية للنهوض بالقطن فعليها تطبيق نظام الزراعات التعاقدية فورا.
وأوضح لـ”العرب” أن حديث الحكومة عن الحوافز جاء متأخرا جدا، والتصريحات الرسمية للمسؤولين لم يتبعها إعلان رسمي عن أسعار الشراء حتى الآن.
ويحتاج نظام الزراعة التعاقدية إبرام عقد ثلاثي ملزم بين الفلاح والتاجر والجهة المسؤولة عن الشراء كضامن لتنفيذ العقد، ومنع الإخلال به.
وتستلزم الفورة الاستثمارية في قطاع الغزل والنسيج توفير المواد الخام محليا بدلا من الاستيراد الخارجي الذي يرفع تكاليف الإنتاج ويزيد من معاناة الصناعة المصرية.
ولتحقيق هذا الهدف تطبق وزارة قطاع الأعمال العام تجربة لأول مرة لزراعة القطن قصير التيلة الأوسع استخداما في الصناعة العالمية، وشرعت في زراعة نحو 250 فدانا على سبيل التجربة في صحراء شرق العوينات بجنوب غرب مصر.
وتأمل الوزارة من تجربتها إحلال واردات مصر من الأقطان قصيرة التيلة والغزول السميكة المنتجة منها عبر تصنيعها من القطن قصير التيلة المصري.
وطبقت الحكومة نظاما جديدا لشراء القطن من الفلاحين عن طريق المزايدة لضمان شراء المحصول وفق مستويات عادلة تحددها آليات العرض والطلب، حيث يتم إجراء مزاد يومي يبدأ في الرابعة عصرا، وتشترك فيه شركات تجارة القطن، وتقدم خطاب ضمان بقيمة تتناسب مع حجم تجارتها لتأكيد التزامها بالمزايدة.
وتقوم الشركة القابضة للغزل والنسيج بتقديم عرض لفتح المزاد يوميا بسعر يعادل متوسط السعر العالمي للقطن الأميركي “بيما” ليكون مؤشرا لضمان عدالة المزايدة، بحيث لا تقل أسعار المزايدة عن هذا السعر.
ودعا أحمد الزعفراني رئيس شعبة الملابس الجاهزة باتحاد الغرف التجارية، للتحرك على مسارين، الأول إنقاذ صناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، والثاني وتشجيع زراعة القطن.
وأشار لـ”العرب” إلى أن المسار الأول يتطلب فتح بعض الأسواق التصديرية الجديدة أمام المنتجات المصرية، والثاني يحتاج تطبيق نظام البصمة الوراثية للتتبع القطن المصري لمنع خلطه بأنواع أخرى تسيء لسمعته، بعد فضيحة شركة “ولسبن إنديا” الهندية التي باعت منتجات قطنية على أنها مصنوعة من القطن المصري.
ورغم مبادرات إحياء صناعة الغزل والنسيج ودعم زراعة القطن، إلا أنه لا توجد استراتيجية رسمية بشأن “ذهب مصر الأبيض”، كما كان يطلق عليه في الماضي، ما يضع المبادرات الجديدة في دائرة الشك لدى المزارعين.