الفنانة اللبنانية سمر مغربل تُتيح للخزف سرد سيرة وطن

معرض "فن النصر" للفنانة سمر مغربل يضم مجسما سيراميكيا ومجموعة من المنحوتات التي تؤكّد أن السيراميك مادة أولية بوسعها أن تكون قواما لعمل فني متكامل.
الأربعاء 2020/12/16
مادة صلبة شكلا، لكنها لينة أفكارا ورؤى

في عودة حذرة إلى العرض الفني افتتحت صالة “صالح بركات” البيروتية في الرابع من ديسمبر الجاري معرضا للفنانة اللبنانية سمر مغربل حمل عنوان “فن النصر”، وسيستمر المعرض حتى السادس عشر من يناير القادم. وهذا النصر ما هو بنصر بل هو إبراز فني للإرهاق ونضوب الحياة بعد الأزمات المستمرة التي مرّت بها لبنان.

بيروت- تطل صالة “صالح بركات” على المارين في شارع كليمانصو البيروتي مُذكّرة إياهم، عند التفاتهم إلى ما خلف زجاج حيّز العرض، أن الفن حاضر كما اعتاد ذلك في لبنان وفي هذه الصالة أيضا، وسط الهلع واليأس.

وقد دعت الصالة إلى معرض فردي للفنانة اللبنانية سمر مغربل مع التمني بتحقيق الزيارة في فترات مختلفة من النهار تفاديا للاكتظاظ، مع وجوب ارتداء القناع الواقي التزاما بالمعايير الصحية المُتبعة في ظل استمرار تفشي وباء كورونا المستجد بلبنان.

عنوان المعرض “فن النصر” هو بحد ذاته إفصاح فني اشتغلت عليه الفنانة اللبنانية كما تشتغل عادة على مادة الخزف (السيراميك) قولبة وتشكيلا ونحتا لتخرجه من العالم الضيق الذي طالما سجن فيه، وهو فن صناعة الأواني المجهزة للاستخدام.

ويُذكر هنا أن الفنانة تتلمذت على يد الفنانة الرائدة في فن السيراميك اللبنانية دوروثي سلهب التي تركت إرثا كبيرا في فن السيراميك المعاصر.

أنابيب متهالكة وصدئة تستحيل قوس نصر مزعوم
أنابيب متهالكة وصدئة تستحيل قوس نصر مزعوم

يضم المعرض مجسما سيراميكيا ومجموعة من المنحوتات، حيث أخذت المنحوتات أشكالا متنوعة ومُبتكرة من أنابيب ملتوية ومتهالكة، ولكنها استطاعت أن تشكل هياكل صامدة يمكن  للزائر بأن يمرّ من تحت بعضها، لأنها بهيئة أقواس سريالية الهوى يصعب إلصاقها بمعنى واحد.

وهذا ليس بجديد البتة على أعمال مغربل التي أخرجت مادة السيراميك من محدودية منطق العمل الحرفيّ البحت. فلا المادة ذات الهيئة اللينة هي كذلك دوما عندما تتناولها الفنانة وتجعلها صلبة في الشكل ولينة في إحالتها إلى فكرة ما، ولا الصلب تلهبه السوائل ومضخات الهواء حينما تعمد الفنانة بتقنيتها ورؤيتها إلى تقويض أوصاله وإضعاف مرافقه.

تعود هذه النزعة لنحت وصناعة هذه الأنابيب التالفة إلى العام 2018، حيث تبلورت الفكرة بشكل كبير لتؤكّد مرة أخرى أن السيراميك هو مادة أولية بوسعها أن تكون قواما لعمل فني متكامل إن وضع بيد فنان ذي رؤيا وأسلوب خاص.

ويخرج عنوان معرض مغربل اليوم “فن النصر” مباشرة من منطق “مُمازحة” المعنى، إذ أنه موضوع باللغة الفرنسية “آرت دو تريونف” أي منطلقا من “آرك دو تريونف” ومعنى التعبير “قوس النصر”.

أما ما هو “فن النصر” أو النصر الذي تلمّح إليه الفنانة، وأي شكل أخذ هذا “القوس” الذي نسير من تحته بفخر أو بمرارة، فالإجابة غير محصورة في مجمل ما عرضت مغربل، وإن كانت الإجابة عن هذا السؤال تميل نحو الخواطر السلبية.

في حديث قصير جرى مع الفنانة اللبنانية تخبرنا أنها بدأت العمل على المعرض بعد انفجار 4 أغسطس الذي هزّ لبنان وبيروت بشكل خاص. وهو نوع من استخراج “منسوب” الأسى الذي توالت سنواته من أرض لبنان دون ظهور أي فرج قريب.

قامت الفنانة بتحويل هذا المنسوب/ الخليط من طين وماء ومواد أخرى وتحويله إلى أعمال فنية توحّد الهم والألم وتستدعي أي فكرة عن الأمل قد تمرّ في ذهن اللبناني الذي يعيش اليوم في عين الكابوس إلى التمسك بالتفاؤل، وإن جاء في السير تحت قوس متهالك “تمالك” نفسه ليكون خير مثال على “نصر” مُبتكر لا يراه الكل على ما هو عليه بالمضمون.

يُذكر أن الفنانة كانت ولا تزال من المؤمنات بثورة 17 أكتوبر، ويجيء معرضها هذا كنوع من التأمل في ما حدث من تلك الثورة إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والصحية، لاسيما مع انتشار

وباء العصر وصولا إلى الانفجار الكبير الذي “كلّل”، إذا صحّ التعبير، إجهاض معظم جهود الثوار وتطلعاتهم إلى وطن جديد.

الفنانة اللبنانية سمر مغربل تشكّل من السيراميك والأنابيب اللولبية دخانا كثيفا يحيل إلى انفجار مرفأ بيروت

وتقول الفنانة إنها لم تزل مؤمنة بلبنان وبمستقبل أفضل، وإن كانت الأمور تبدو اليوم على قدر كبير من السوداوية. وتقول في تعريفها لمعرضها الجديد “جاء هذا المعرض كفيض من طين الأسى. طين اندفع وكأنه رغما عني في تلك القنوات/ الأنابيب ذات الأشكال الملتوية.. هل أكون مجددا شاهدة على ما يحدث في لبنان من مآس؟”.

وكل مضطلع على أعمال مغربل السابقة يعرف أنها كانت دائما، ومن خلال فن السيراميك، على تماس مع الواقع اللبناني إن في الإشارة إلى الخطر الذي يطال المباني التراثية اللبنانية، مرورا بتناولها موجة السيارات المفخخة وصولا إلى الربيع العربي وغيرها من مواضيع التي تقع في قلب الحدث اللبناني بشكل خاص والعربي بشكل عام.

ولا تريد الفنانة أن تضع مُشاهد منحوتاتها الأخيرة أمام أعمال مفتوحة يُمكن أن تأخذ أي معنى، لذلك تؤكّد أنها أضافت إلى جانب عنوان “فن النصر” تعبيرا آخر أو ثيمة أخرى، وهو “الإنهاك”.

تقول مغربل إن “هذه الأعمال أفرزها شعور بالإنهاك، شعور حالي يعرفه تماما كل اللبنانيين”، إنهاك جسّدته في أجساد تلك الأنابيب التي تشير إلى أنها متهالكة ومتكسّرة وصدئة وغير صالحة للاستخدام. لكن الفنانة جعلتها صالحة للاستخدام لتكون جسورا أو لتكون عبورا غير تقليدي إلى خلاص لا يزال اللبنانيون يتطلعون إليه بعين من الدهشة والأمل.

16