العزوبية خيار الشباب الباحث عن السعادة خارج مؤسسة الزواج

العلاقات الزوجية السيئة ساهمت في عزوف الشباب عن تكوين أسرة.
الثلاثاء 2020/11/17
العنوسة لم تعد مدعاة للتنمر

لم تعد العزوبية قدرا فرض على الشباب لضيق ذات اليد، بل أصبحت خيارا يتباهى به الكثيرون. كما لم تعد الفتاة العانس ضحية للتنمر المجتمعي لأنها هي من اتخذت قرار عدم الزواج بملء إرادتها. ومن هذا المنطلق تكون العزوبية موازية للسعادة، والحياة الزوجية الروتينية مصدرا للتعاسة فيهجرها الشباب.

عززت دراسات وأبحاث مهتمة بالشؤون الأسرية قناعات شريحة كبيرة من الشباب والفتيات بأن العزوبية توازي السعادة، في حين صارت الحياة الزوجية الروتينية أمام ارتفاع الضغوط اليومية مصدرا للتعاسة وشعور الأفراد بأنهم يعيشون في دائرة ملغمة بالمسؤوليات، لا يستطيعون التنصل والتحرر منها إلا بالطلاق.

إذا قادتك الصدفة للنبش مع مجموعة شباب تجاوزت أعمارهم الثلاثين عاما حول أسباب عزوفهم عن الزواج، قد تجد البعض منهم يتهمون الظروف الاقتصادية وضيق الحال ووصول الغلاء إلى مستويات قياسية، لكنهم سوف يتفقون على مبرر واحد، بأنهم يعيشون في سعادة وراحة بال ورفاهية يصعب تكرارها داخل مؤسسة الزواج.

ما يلفت الانتباه أن هناك شريحة من الشباب، وتشاركهم في ذلك فتيات تنتمين إلى أسر مقتدرة ماديا، يتمسكون بالعزوبية، أيّ أن أسباب تأخر الزواج لم تعد مرتبطة بالظروف المادية بقدر ما هي مرتبطة بنواح نفسية، هي المتحكم الأول في اتخاذ الخطوة أو تأجيلها، أو حتى عدم التفكير فيها مستقبلا، لتكون العزوبية أبدية.

ويبني أغلب الرافضين للزواج مواقفهم على شواهد حياتية وأزمات بالجملة جعلت حياة الكثير من المتزوجين كئيبة ونمطية وخالية من المتعة، وضاعفت الأبحاث الأسرية التي تنفي ارتباط السعادة بالزواج من إحباط هؤلاء، وأصبحت بالنسبة لهؤلاء مرجعية يمكن الاستناد عليها لمواجهة ضغوط العائلة لحثهم على بناء أسرة.

لا ينسى مصطفى سعيد، وهو شاب يعمل في مهنة الإخراج السينمائي، تفاصيل الدراسة الأميركية المنسوبة لجامعة ميشيغان التي طالعها مؤخرا في بعض وسائل الإعلام، وتتحدث عن مزايا استدامة العزوبية لأطول فترة، وكيف أصبحت الحياة الزوجية مصدرا للتعاسة، لأسباب ترتبط بكثرة الخلافات والمسؤوليات والقيود وغياب الحرية الكاملة لأي منهما.

كان سعيد يستمع من بعض أصدقائه الذين سبق لهم الزواج أن الحياة الزوجية ملغمة بالمشكلات، وسعادتها ترتبط بتضحية كل طرف وتنازله عن بعض الأساسيات ليبعد نفسه عن الدخول في صدام مع شريك حياته، وعندما وجد بعض الدراسات البحثية تتحدث عن نفس الأوضاع تباهى بنفسه كرجل أعزب لا يفرض عليه أحد نمط حياة.

الأبحاث الأسرية التي تنفي ارتباط السعادة بمؤسسة الزواج ضاعفت من إحباط الشباب الرافض لفكرة الارتباط أصلا

احتفل مصطفى في الحادي عشر من نوفمبر الجاري، مع أصدقائه باليوم العالمي للعزوبية، وقرروا الخروج في نزهة ليلية استمرت حتى صباح اليوم التالي، وكالعادة كان الأصدقاء من المتزوجين يندبون حظهم، ويترحمون على التحرر من الحياة الزوجية، حيث لم يعد يتسنى لهم السهر خارج المنزل إلا في العطلة الأسبوعية، ولساعات معدودة.

ولا تقتصر هذه الحالة على مجتمع بعينه، بقدر ما صارت ظاهرة واضحة في كثير من الدول العربية، وتكفي مطالعة الأرقام الرسمية عن مؤسسات الإحصاء الحكومية، لاكتشاف تراجع نسب الإقبال على الزواج بين الشباب المعاصر، سواء كانوا يتمتعون بقدرات مالية تساعدهم على تكوين أسرة، أو ينتمون لعائلات متوسطة الحال.

ورغم مبادرات بعض الحكومات للتيسير على الشباب في الزواج، لكن التعاطي معها ما زال محدودا، فهناك وحدات سكنية تقدم بأسعار رمزية، وقروض بسيطة بفوائد هزيلة، ومساع لتزويج غير المقتدرين، ومنح مستلزمات الزواج بنظام التقسيط المريح، كل ذلك لم يوقف عداد العزوبية.

وإذا كان البعض من الشباب تقتصر نظرتهم إلى الزواج باعتباره مدخلا لإقامة علاقات جنسية دون منغصات، فإن ذلك صار متاحا في ظل انفتاح الأجيال الجديدة، دون إرهاق أنفسهم عناء تحمل المسؤولية وادخار الأموال لغرض التجهيزات والمهور والزواج والإنجاب وتربية الأبناء، بمعنى أن المتعة التي كانت قاصرة على المتزوجين أصبحت متاحة للعزاب أيضا.

ويرتبط تأثير العلاقات الجنسية على مقاطعة الزواج بنظرة الشاب والفتاة للعلاقة الزوجية عموما، فإذا كان أي منهما يختصرها في التزاوج وإشباع الشهوة وفق الشرع وتقاليد المجتمع، فالواقع يعكس عدم مبالاة الكثير من الأجيال الصاعدة بالطقوس الأسرية المتعارف عليها، ويبيحون لأنفسهم الاستمتاع بالجسد.

وباتت شريحة من الفتيات يتفاخرن بالعزوبية، ولم تعد تؤثر فيهن الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالعنوسة، وتنتشر هذه الثقافة بين الإناث الأكثر تعليما وتحضرا واستقلالية وتمردا على الموروثات الأسرية التي تختزل السعادة الحياتية والاستقرار والنضج وتحقيق الحلم في الزواج والإنجاب.

الرجل لم يعد يحتل قائمة أولويات الكثير من النساء كهدف أساسي في الحياة، بل حلت مكانه أحلام أخرى أكثر أهمية، مثل استكمال الدراسة والبحث عن وظيفة
الرجل لم يعد يحتل قائمة أولويات الكثير من النساء كهدف أساسي في الحياة، بل حلت مكانه أحلام أخرى أكثر أهمية، مثل استكمال الدراسة والبحث عن وظيفة

ولا تنكر إيمان محمد، وهو اسم مستعار لفتاة مصرية، سعادتها بكونها عزباء كلما قرأت وسمعت عن شكاوى الزوجات من سوء معاملة أزواجهن، وارتفاع نسب الطلاق، وزيادة الضغوط والأعباء وغياب المتعة والرفاهية بعد الزواج، وكثيرا ما تقول إنها لو رضخت لرغبات أهلها لكانت مثل اللاتي انتهت حياتهن مبكرا ودخلن سجن الزوجية.

وأصبح لدى الشابة صاحبة الـ36 عاما مناعة قوية من سخرية أقاربها لكونها عانسا، وقالت لـ”العرب”، “للأسف تأكدت أن العزوبية مصدر المتعة الوحيد في الحياة، أفعل كل شيء بأريحية ودون قيود، أخرج وأتنزه وأعيش بلا ضغوط أو هموم، فالحب لا يصنع السعادة بعد الزواج، لأن الأزمات كفيلة بتحويل الحبيب إلى منتقم”.

وعندما طالعت إيمان، بالصدفة، إحدى الدراسات البحثية التي تقارن بين حياة المتزوجين والعزاب، أيقنت أنها تسير في الطريق الصحيح، وتتذكر أن الدراسة تطرقت إلى أن ارتباط الزواج بالسعادة فكرة قديمة تجاوزها العصر، بدليل أن الكثير من المتزوجين يحلمون بالعودة إلى الماضي عندما كانوا أحرارا في كل قراراتهم.

وأمام ارتفاع قضايا النفقة والخلع، لم يعد يحتل الرجل قائمة أولويات الكثير من النساء كهدف أساسي في الحياة، بل حلت مكانه أحلاما أخرى أكثر أهمية، مثل استكمال الدراسة والبحث عن وظيفة تمنحهن الاستقلالية والسند وتكوين علاقات لصداقات أزلية، لتعويض العاطفة والأمان والاستقرار التي ما زال يختزلها المجتمع في الزواج.

وقالت أسماء عبده استشارية العلاقات الأسرية، إن الكثير من الشباب المعاصر يفكرون بطريقة “أن يفوتك قطار الزواج أفضل من أن يدهسك بقيوده وأزماته وخلافاته وهمومه التي لا تتوقف”، ويزداد التمسك بالعزوبية كلما وجدت علاقات زوجية لأصدقاء وأقارب انتهت بالفشل، ما يخلق كراهية لكل شيء يرتبط بالزواج.

وأوضحت لـ”العرب” أن أزمة العلاقات الأسرية في افتقادها للأجواء العاطفية بسبب زيادة الضغوط المعيشية والمسؤوليات، وتعامل الكثير من الأزواج معا بنوع من الندية لتفريغ شحنات غضب داخلي، ما يتسبب في تصدير صورة سلبية عن مؤسسة الزواج.

ولا تنكر عبده أن خروج دراسات بحثية تمجد العزوبية مقابل تعاسة المتزوجين، ضاعف من التمرد لدى فئة من الأجيال الجديدة، ما جعلهم يتفاخرون بكونهم أحرارا، بل وصل الأمر إلى حد التنمر على من خاضوا تجربة الزواج، وهذه الشريحة لديها أزمة نفسية يصعب علاجها بسهولة، ولا بديل عن تصدير نماذج ناجحة تغري الرافضين بالعدول عن مواقفهم ولفظ العزوبية.

21