الديون تدفع شركات الصناعة المصرية إلى تغيير أنشطتها

32 مليار دولار حجم التشابكات المالية منها 2.2 مليار لصالح البترول والكهرباء.
الأربعاء 2020/12/16
شركات تبحث عن منقذ

لجأت الكثير من الشركات الحكومية الخاسرة في مصر إلى التنازل عن مساحات كبيرة من الأراضي التي تمتلكها مقابل سداد ديونها التي تراكمت على مدى عقود، فضلا عن تغيير نشاط مساحات أخرى من الاستثمار الصناعي إلى العقاري، في محاولة أخيرة لتوفير سيولة مالية تعزز قدراتها على التطوير والتحديث.

القاهرة – تدخل الشركات الخاسرة منعطفا جديدا من التحديات، بعد أن اضطرتها الحاجة وتشوه هياكلها المالية نتيجة تراكم الديون إلى التنازل عن جزء كبير من محفظة الأراضي التي تمتلكها لصالح الدائنين.

وقالت وزارة قطاع الأعمال العام إنها قامت العام الحالي بتسوية مديونيات تاريخية على الشركات التابعة لها بنحو 2.2 مليار دولار لصالح جهات حكومية مختلفة من خلال المبادلة بأراضٍ غير مستغلة.

وشهدت الأيام الماضية تسوية مديونية بقيمة 1.7 مليار دولار لصالح بنك الاستثمار القومي، كانت متراكمة على الشركة القابضة للغزل والنسيج من أصل دين بلغ نحو 667 مليون دولار، إلى جانب 224 مليون دولار على الشركة القابضة للصناعات المعدنية.

ودفعت ضائقة الديون المتراكمة على الشركات لصالح قطاعي البترول والكهرباء، بسبب عدم قدرتها على سداد قيمة فواتير الطاقة البالغة نحو 865 مليون دولار، شركات القابضة للصناعات المعدنية، والقابضة للصناعات الكيميائية، والقابضة للغزل والنسيج، إلى التنازل عن مساحات من الأراضي التي تمتلكها من أجل سداد ديونها.

ياسر عمارة: مبادلة الديون بالأراضي لكسب الثقة وإقراض الشركات الخاسرة
ياسر عمارة: مبادلة الديون بالأراضي لكسب الثقة وإقراض الشركات الخاسرة

ورغم أن هذه الخطوات تتسق مع خطة الحكومة لفض التشابكات المالية بين الهيئات والشركات الحكومية بغرض تحسين الهياكل المالية للشركات وكي تظهر ميزانيتها بشكل أفضل، إلا أنها تقوض فرص نمو الشركات وتوسّعاتها المستقبلة.

ويصل عدد الشركات القابضة التابعة للحكومة إلى نحو 8 شركات تعمل في 15 صناعة، وتضم 121 شركة تابعة، ويعمل بها نحو 214 ألف عامل، منها 48 شركة خاسرة، بلغ صافي خسائرها العام الماضي نحو 425 مليون دولار.

ودفعت حدة الخسائر الحكومة إلى تصفية بعض الشركات منها الشركة القومية للإسمنت، بعد أن تجاوز حجم ديونها لشركات الكهرباء والغاز حاجز 225 مليون دولار بخلاف ديون أخرى لعدد من الدائنين بقيمة 100 مليون دولار.

وقالت مصادر اقتصادية لـ”العرب”، إن شركة الحديد والصلب المصرية في سبيلها للتصفية بعد تعثر مفاوضات تطويرها مع عدد من التحالفات العالمية.

وكشفت الشركة في إفصاح أرسلته إلى البورصة المصرية، أنها تعاني خللا كبيرا في هيكلها التمويلي وانخفاضا في حجم إنتاجها، بينما تصل نسبة استغلال الطاقة الإنتاجية إلى نحو 7 في المئة من قدراتها التشغيلية.

ورغم مساندة الشركة القابضة للصناعات المعدنية لها، وتوفير جميع مستلزمات التشغيل والأجور، غير أن نتائج أعمال الشركة تكشف أنها تسوء من سنة إلى أخرى.

وسجلت الشركة خسائر بنحو 50 مليون دولار خلال أول تسعة أشهر من العام المالي الماضي، وتجاوزت ديونها 576 مليون دولار، فيما وصلت نسبة خسائرها المرحلية عن الأعوام السابقة إلى نحو 410 في المئة .

ولم تتوقف مساعي وزارة قطاع الأعمال العام الرامية إلى نفض غبار الديون المتراكم عن كاهل شركاتها ووقعت اتفاقا مع وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية، من أجل تطوير الأراضي غير المستغلة التي تمتلكها الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج.

وتمتلك وزارة الإسكان أذرعا استثمارية في مجال التطوير العقاري، منها “سيتي إيدج”، والتي تنفذ مدينة العلمين الجديدة على ساحل البحر المتوسط، وعددا من المشروعات الكبرى في مختلف المدن المصرية.

وغيّرت وزارة قطاع الأعمال العام تراخيص مساحات كبيرة من الأراضي التابعة للشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج من النشاط الصناعي إلى الاستثمار العقاري السكني لزيادة عوائدها الاستثمارية.

ويستهدف الاتفاق تحقيق عوائد من النشاط العقاري لتمويل مشروع تطوير وإعادة هيكلة شركات القطن والغزل والنسيج التابعة، والذي تتجاوز تكلفته الاستثمارية 1.4 مليار دولار.

ويقدر حجم الديون بين الجهات والوزارات الحكومية بحوالي 32 مليار دولار، وهي تشابكات مالية مزمنة تراكمت على مدى سنوات، منها 2.2 مليار لصالح وزارتي البترول والكهرباء.

حسام الغايش: ديون الشركات الحكومية عقبة لا سبيل إلى حلها إلا بالمقاصة
حسام الغايش: ديون الشركات الحكومية عقبة لا سبيل إلى حلها إلا بالمقاصة

وأكد ياسر عمارة، خبير إعادة هيكلة الشركات، أن الحكومة تتبع آلية المقاصة بين الديون والأصول غير المستغلة لشركات قطاع الأعمال لحل أزمة تراكم الديون، وهي آلية معمول بها في عمليات إعادة هيكلة الشركات.

وأضاف لـ”العرب” أن تنازل الشركات عن أصولها خاصة التي لا تستطيع تحقيق عوائد من ورائها يقضي على مشكلة الديون ويُحسّن مركزها المالي، ما يفسح المجال أمامها للاقتراض أو إعادة هيكلتها بسهولة، وهو حل جذري لمشكلة شركات قطاع الأعمال العام في مصر.

وتمهد تلك الخطوة إلى إعادة هيكلة الشركات الحكومية، وضخ استثمارات جديدة فيها من قبل صندوق مصر السيادي، والذي يشترط عدم وجود ديون على أي شركة يستثمر فيها، فضلا عن إمكانية ضم تلك الشركات إلى برنامج الطروحات الحكومية في البورصة المصرية.

وتجاهد وزارة قطاع الأعمال العام لإنقاذ الشركات من تراكم الديون، وطرحت مبادرة جديدة أمام القطاع الخاص لتأجير خطوط الإنتاج بالشركات الحكومية، لإعادة تشغيل الأصول الحكومية الخاسرة وفق مبدأ التكلفة والعائد.

وأشار المحلل الاقتصادي حسام الغايش إلى أن مديونيات شركات قطاع الأعمال العام تمثل عقبة كبيرة أمام الحكومة تسعى إلى حلها بأي وسيلة ولا سبيل أماما إلا بمبادلة الأراضي مقابل الديون.

وأوضح لـ”العرب”، أن اتباع هذه الآلية يحافظ على الشركات ويمنع بيعها أو خصخصتها خلال الفترة الحالية، فضلا عن أن عمليات المبادلة تتم بين جهات حكومية، وبالتالي فإن محفظة الأراضي تظل في حيازة الحكومة.

ويظل التحدي في طرح هذا الحل حول تحديد القيمة العادلة للأراضي، والتي قفزت خلال السنوات الماضية بشكل كبير جدا.

ويتوقف نجاح أطروحة مبادلة الديون بالأراضي على مدى قدرة الشركات على تطوير أصولها وصمودها في سباق المنافسة مع القطاع الخاص في السوق الداخلية والخارجية، وعكس ذلك يعدّ مسكنا لمرض مزمن يفضي في النهاية إلى بيع الشركات الحكومية من أجل التخلص من نزيف الخسائر.

11