الحكومة الجزائرية تدفع بأضخم صفقة لشراء السلم الاجتماعي

الجزائر - تستعد الحكومة الجزائرية لإطلاق أضخم عملية إسكان منذ الاستقلال، تتمثل في توزيع 100 ألف وحدة سكنية من مختلف الصيغ على مستفيدين من مختلف الفئات الاجتماعية، وذلك بمناسبة الذكرى التاسعة والخمسين لعيد الاستقلال الوطني.
وتعتبر العملية أضخم حدث منذ عدة سنوات، في إطار سياسة شراء السلم الاجتماعي، التي تنتهجها السلطة خلال العقود الأخيرة، بغية احتواء الغضب والاحتقان اللذين يخيمان على الجبهة الاجتماعية خاصة خلال السنوات الأخيرة، بسبب إخفاق سياسة الحكومات المتعاقبة في خلق استقرار داخلي.
وتحتفي الجزائر بالذكرى التاسعة والخمسين لعيد الاستقلال المصادف للخامس من شهر يوليو في أجواء استثنائية بسبب التطورات المتسارعة التي عرفتها البلاد منذ العام 2019، حيث تزامنت الأزمة السياسية التي فجرها الحراك الشعبي وأدت الى تنحي الرئيس السابق وقدوم نسخة جديدة من النظام القائم، مع أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة.
ويبقى السكن والتحويلات الاجتماعية الأخرى من بين الأوراق الهامة التي توظفها السلطة لشراء السلم الاجتماعي وضمان انخراط قطاع من الجزائريين في مساراتها، حيث أنجزت ووزعت خلال العقدين الأخيرين نحو أربعة ملايين وحدة سكنية.
لكن التداعيات الثقيلة للأزمة الاقتصادية الناجمة عن تقلص مداخيل وإنتاج النفط وإفرازات الجائحة الصحية العالمية راكمت أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة في البلاد، تهددها بانفجار داخلي في أي لحظة، ولذلك تم العمل على تعبئة الكم المذكور من الوحدات السكنية لتوزيعها على المواطنين من أجل تنفيس الاختناق.
ومازالت الجزائر التي تتجه لمراجعة سياستها الاجتماعية تخصص مبالغ توصف بـ”الضخمة” لدعم المواد الاستهلاكية والفئات الاجتماعية الهشة، وصلت في بعض السنوات إلى نحو 17 مليار دولار، لكن التدابير المقابلة المطبقة من طرف الحكومة أكلت تلك المساعدات، خاصة مع انخفاض القدرة الشرائية وتفشي البطالة.
توزيع الوحدات السكنية يأتي بمناسبة احتفال الجزائر بالذكرى التاسعة والخمسين لعيد استقلالها الموافق للخامس من يوليو
وتحاول السلطة من خلال توزيع الوحدات السكنية مغازلة الشارع الذي قاطعها بشكل لافت في الاستحقاقات الانتخابية المنتظمة، وزادت الهوة بينها وبينه مع الإمعان في القبضة الأمنية المشددة المطبقة على ناشطي المعارضة ومنتقديها من الحراك الشعبي.
ولذلك يتم حشد الآلة الدعائية والمنظومة الإعلامية الموالية لها، من أجل تسويق جهود الحكومة بغية التكفل بالانشغالات والمشاكل اليومية للمواطنين وإضفاء رمزية الاستقلال الوطني على الحدث ودغدغة مشاعر قومية تستهدف تحقيق حالة من التناغم بين السلطة والشارع.
وإذا كانت الجزائر قد استطاعت خلال الذكرى الماضية أن تعيش أجواء استثنائية بفعل رمزية استعادة رؤوس ورفاة قادة ثوريين كانت محتجزة لدى الفرنسيين في متحف الإنسان بباريس، فإن الذكرى الحالية اصطدمت بتحول مثير في التناغم المسجل بين القيادتين السياسيتين في الجزائر وباريس.
وفي تطور جديد يتصل بملف الذاكرة الجماعية بين الجزائريين والفرنسيين، صرح الأحد وزير المجاهدين (قدماء المحاربين) الطيب زيتوني بأن “فرنسا ترفض تسليم الجزائر خرائط تفجيرات نووية أجرتها في صحرائها خلال ستينات القرن الماضي”.
وأضاف “الطرف الفرنسي يرفض تسليم الخرائط الطبوغرافية التي قد تسمح بتحديد مناطق دفن النفايات الملوثة، المشعة أو الكيمياوية غير المكتشفة لغاية اليوم”.
وتابع “كما أن فرنسا لم تقم بأي مبادرة لتطهير المواقع الملوثة من الناحية التقنية أو بأدنى عمل إنساني لتعويض المتضررين، وأن التفجيرات النووية الاستعمارية تعد من الأدلة الدامغة على الجرائم المقترفة التي لا تزال إشعاعاتها تؤثر على الإنسان والبيئة والمحيط”.
وبهذا الرفض يعود التذبذب إلى علاقات البلدين بعد فترة من الانسجام، حيث مازالت الجزائر غير مكتفية بالخطوات التي وضعها تقرير تسوية الملف الذي وضعه المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا، وتطمح إلى المزيد من الإجراءات لتهدئة خواطر أجيال من الجزائريين الذين يتناقلون وحشية الاستعمار وبطشه بالأهالي والأجداد.