الجزائر تترقب استلام "الرؤوس الكبيرة"

الجزائر - وافقت محكمة إسبانية في إقليم برشلونة على تسليم الدركي الجزائري الفار إلى إسبانيا لسلطات بلاده تنفيذا لمذكرة التوقيف الدولية الصادرة عن القضاء الجزائري خلال الأشهر الأخيرة، ويتعلق الأمر بضابط الصف (رقيب أول) محمد عبدالله الذي طلب اللجوء السياسي في مدريد العام 2018.
وتداولت تقارير محلية أن الضابط المطلوب من طرف القضاء الجزائري موقوف منذ أكثر من أسبوع من طرف أمن إقليم برشلونة رفقة نحو 40 مهاجرا سريا أغلبهم من الجزائريين الذين توجهوا إلى الأراضي الإسبانية في رحلات سرية على قوارب الهجرة غير النظامية.
ويعد محمد عبدالله (33 عاما) واحدا من المجموعة التي أصدرت السلطات الجزائرية مذكرات توقيف دولية في حقهم خلال الأشهر الماضية، وتم توجيه تهم توصف بـ”الثقيلة” تتعلق بالانتماء إلى تنظيمات إرهابية وتهديد سلامة الأمن القومي وإفشاء أسرار عسكرية.
وفيما تناقلت مصادر متعددة شروع الأمن الإسباني والمصالح الصحية في إجراء فحوصات الإصابة بوباء كورونا على أكثر من 30 من الموقوفين تحسبا لترحيلهم من برشلونة إلى الأراضي الجزائرية، لم يتم الكشف إن كان قرار المحكمة نهائيا أم قابلا للاسئناف.

محكمة إسبانية توافق على تسليم الدركي الجزائري الفار إلى إسبانيا لسلطات بلاده تنفيذا لمذكرة التوقيف الدولية الصادرة عن القضاء الجزائري
وذكرت تلك المصادر أن أفراد المجموعة الموقوفين دخلوا في إضراب عن الطعام، وهددوا بالإضرار بأجسادهم إن تم الإصرار على ترحيلهم إلى بلادهم، بينما يصر معارضون في المهجر على أن الضابط المذكور طالب لجوء سياسي، وحملوا السلطات الإسبانية مسؤولية ما قد يتعرض له محمد عبدالله، وانتقدوا تملصها من التزاماتها بحقوق الإنسان العالمية.
واشتغل عبدالله كمصور في صفوف الدرك الوطني (جهاز أمني يقع تحت وصاية وزارة الدفاع وله صلاحية الضبطية القضائية ويضطلع بالمهام الأمنية خارج المدن)، إلى أن فر إلى إسبانيا سنة 2018، واستقر هناك رفقة زوجته وابنيه أين تقدم بطلب لجوء سياسي، وصار واحدا من الناشطين المعارضين للسلطة، والمشتغلين على تأييد ودعم الحراك الشعبي الداخلي، وعرض ملفات تصنف ضمن أسرار المؤسسة العسكرية.
وتسعى الجزائر لاستعادة مجموعة من مواطنيها المتواجدين في بعض العواصم الغربية كمدريد وباريس ولندن على خلفية “تشكيلهم خطرا على الأمن القومي والانتماء إلى تنظيمات إرهابية والمساس بالسلامة والوحدة الوطنية، فضلا عن إفشاء أسرار مؤسسات رسمية”.
وما عدا المدير العام السابق لشركة سوناطراك النفطية المملوكة للقطاع الحكومي عبدالمؤمن ولد قدور الذي استلمته الشهر الجاري من سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة، فإن صعوبات تعتري العملية ولم يتم إلى حد الآن سوى جلب أسماء من الصف الثاني من المعارضين السياسيين المهاجرين أو الضالعين في ملفات فساد مالي وسياسي.
ويبقى الرقيب أول عبدالله والمساعد قرميط بونويرة العسكريين الوحيدين اللذين استلمتهما الجزائر إلى حد الآن من إسبانيا وتركيا، وإن اعتبر الثاني أن المنصب الذي كان يشغله أكبر بكثير من رتبته العسكرية، فقد كان السكرتيتر الشخصي لقائد الجيش السابق الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، وظل يوصف بـ”العلبة السوداء” التي كانت تحمل أسرار المؤسسة العسكرية إلى غاية وفاة القائد المذكور نهاية العام 2019.
ولم يستبعد متابعون أن يلحق بهما ضابط الصف الآخر المقيم في الأراضي الإسبانية، ويتعلق الأمر بالعريف أول محمد بن حليمة الذي يكون قد أسرّ لمقربيه أنه “يخشى على نفسه من نفس مصير محمد عبدالله، لأنه ملزم بالتقدم إلى المصالح المختصة خلال الأسابيع القادمة لتجديد وثائقه الإدارية”.
الجزائر تسعى لاستعادة مجموعة من مواطنيها المتواجدين في العواصم الغربية متهمين بالانتماء إلى تنظيمات إرهابية
وفيما يبدو أن المقيمين في باريس ولندن وعلى رأسهم الناشط أمير بوخرص والإعلامي هشام عبود في فرنسا، والديبلوماسي السابق محمد العربي زيتوت في بريطانيا أكثر اطمئنانا على أنفسهم رغم مذكرات التوقيف الصادرة في حقهم بسبب تعقيدات العملية والإجراءات المتبعة، فإن إسبانيا تكون قد تحولت إلى خطر على هؤلاء، وأن التقارب المسجل بين قيادتي البلدين في ملفات عديدة سهل عملية تنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة في الجزائر، رغم الانتقادات والوقفات الاحتجاجية التي نفذها متعاطفون مع عبدالله في عدد من المدن والعواصم الأوروبية لـ”التنديد والتحذير من مغبة تسليمه للسلطات الجزائرية”، وانتقاد ما وصفوه بـ”تملصها من المواثيق والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان واللجوء السياسي”.
ويبقى الجنرالان حبيب شنتوف قائد ناحية عسكرية سابق والغالي يلقصير قائد جهاز الدرك الوطني أبرز ضابطين ملاحقين من طرف سلطات بلادهما، إلا أنهما يبقيان بعيدين إلى حد الآن عن قبضتها، خاصة مع حصول الأخير على جنسية وجواز سفر دولة فانواتو، وهي جزيرة صغيرة تقع في المحيط الهادئ مقابل مبلغ 130 ألف دولار، بحسب تقرير صحيفة الغارديان البريطانية.
ودولة فانواتو هي واحدة من الملاذات الضريبية العالمية، ولا تفرض فيها ضرائب على الثروة والشركات، كما يضمن جواز سفرها الذهبي حرية تنقل إلى 130 دولة منها دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، ويتواجد فيها مقيمون من مختلف الدول والقارات كسوريا وليبيا وجنوب أفريقيا وكوريا الشمالية وإيطاليا وغيرها.
كما يبقى العديد من المطلوبين من رجال السياسة والمال دون رغبة السلطات الجزائرية، كما هو الشأن بالنسبة إلى وزير الصناعة السابق عبدالسلام بوشوارب، بينما تتوسع رغبة الناقمين على حقبة نظام السابق بقيادة عبدالعزيز بوتفليقية لتشمل شخصيات أخرى بسبب الشكوك التي تحوم حولهم، لاسيما وأن تهم فساد قد سبق أن وجهت إليهم غير أنهم أفلتوا منها، كما هو الشأن بالنسبة إلى وزير الطاقة السابق شكيب خليل المقيم حاليا في الولايات المتحدة، والسياسي الذي شغل رئاسة البرلمان وأمانة حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم سابقا عمار سعداني المقيم في المغرب ورجل الأعمال فريد بجاوي.