التلفزيون المصري بعد تطويره نسخة عن القنوات الخاصة

الانطلاقة الجديدة للتلفزيون المصري “ماسبيرو”نسخة مشابهة لما يحدث في باقي القنوات الفضائية التي تسيطر عليها الحكومة عبر الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية.
الاثنين 2020/02/24
انطلاقة مثيرة للجدل

القاهرة – أكدت الانطلاقة الجديدة للتلفزيون المصري “ماسبيرو”، مساء السبت، أن طريقة إدارة المحتوى الإعلامي الرسمي سوف تكون بنسخة مشابهة لما يحدث في باقي القنوات الفضائية التي تسيطر عليها الحكومة عبر الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، والتركيز على تحقيق مكاسب مادية، بغض النظر عن قبول الجمهور لنوعية القضايا المطروحة.

وبدأ برنامج التاسعة، برنامج “توك شو” الرئيسي في التلفزيون، انطلاقته السبت، باستضافة الفنان محمد رمضان الذي أثار غضب الجمهور مؤخرا وطالب بوقفه عن الغناء والتمثيل.

وحاولت نائلة فاروق رئيسة التلفزيون تبرير استضافته بالقول إنها جاءت لأنه يتمتع بشعبية كبيرة ومن الشباب الموهوبين، والحوار معه مكسب كبير لدعم الفن، وهو دور الإعلام الإيجابي والوطني.

ويرى متابعون، أن الطريقة التي ظهر عليها تلفزيون الدولة في ثوبه الجديد، تتقاطع مع رغبة السلطات بتقوية الإعلام الرسمي، ليكون حلقة الوصل بين النظام والشارع، بالتركيز على قضايا قومية بعيدا عن الإثارة واستثمار الشاشة لتحقيق مصالح شخصية.

وجاءت الانطلاقة مخيبة لآمال المشاهدين الذين كانوا يترقبون الإعلانات الترويجية لخطة التطوير، التي وعدت بأن قنوات ماسبيرو سوف تنافس نظيرتها من القنوات الفضائية من حيث المحتوى والتميز والتفرد في تناول قضايا اجتماعية وسياسية تمس بحياة الناس ومشكلاتهم.

ولم يكن يتوقع أكثر القائمين على ملف تطوير التلفزيون المصري، أن تواجه انطلاقته حملة مقاطعة لبرامجه، بعدما بدا للكثيرين أنه يُدار بنفس طريقة القنوات الخاصة، وذلك بالتركيز على الإثارة ومواكبة ما يُعرف بـ”الترند”.

ويرتبط ذلك بأن بعض المذيعين الذين جرى الاعتماد عليهم لديهم خط تحريري مغاير لسياسة التلفزيون الرصينة والمتزنة، ومن هؤلاء الإعلامي وائل الإبراشي، وكان في أغلب برامجه يعتمد على الإثارة والاختلاف مع توجهات الشارع وتناول موضوعات تزيد من نسب المشاهدة وتجعل برنامجه حديث منصات التواصل الاجتماعي فقط.

وأكد سامي الشريف، رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون سابقا، لـ”العرب”، أن تطوير ماسبيرو بعقلية القطاع الخاص على مستوى الإدارة والمذيعين، يقود إلى المزيد من تدهور الإعلام، ويجعل المواطن أكثر استهدافا من جانب فضائيات خارجية مناهضة للسلطة، تستغل هجرة الناس للمنابر الرسمية.

وما وسّع قاعدة المطالبة بمقاطعة التلفزيون أن مسؤوليه لم يعيروا اهتماما لوجود حالة غضب من فنان تم إيقافه عن الغناء، بناء على ضغط شعبي، اضطرت نقابة المهن الموسيقية على إثره إلى إصدار قرار بمنعه من تنظيم حفلات غنائية.

وقال عماد السيد، وهو معلم متقاعد، إنه “كان من أسعد الناس بوجود توجه حكومي لإعادة التلفزيون إلى سابق عهده، وتوقع أن تكون الانطلاقة قوية باستضافة شخصيات لها ثقل شعبي، مثل رئيس الدولة أو رئيس الوزراء أو رئيس البرلمان، أو حتى رمز مصري مثل الطبيب مجدي يعقوب الذي حصل على تكريم يليق بمكانته من دولة الإمارات قبل أيام”.

وأضاف لـ”العرب”، أن تركيز تلفزيون الدولة على الإثارة ينذر بأنه أصبح نسخة مكررة من الإعلام الخاص المرفوض شعبيا والذي يبحث عن زيادة المشاهدة بتناول قضايا تُلهي الناس بدلا من توعيتهم وتثقيفهم، ما يعني خسارة الشاشة الرسمية لما تبقى لها من رصيد عند فئة واسعة تنظر إلى الإعلام الرسمي على أنه لسان الشعب. وتعتبر الصحف الورقية الحكومية والتلفزيون المصري عنوانا للحقيقة، حتى أن الناس يتفاعلون مع خطط تطويرها بشغف وترقب، ويتحولون إلى معارضين بشراسة ضد الحكومة، إذا حدث خطأ في واحدة منها، أو خابت ظنونهم في محاولات إصلاحها.

وسبق أن أعرب متابعون عن مخاوفهم من إسناد مهمة إصلاح وتطوير التلفزيون الحكومي إلى الجهة المالكة للقنوات الفضائية، لأن ذلك يعني التركيز على جني المكاسب المالية فقط، في حين أن السياسة التحريرية لبرامج ماسبيرو تختلف عن نظيرتها الخاصة، ولا يجب أن تُدار الاثنتان بنفس العقلية.

ويرى خبراء إعلام، أن أكثر ما يثير المخاوف فرض شخصيات بعينها لتظهر في البرامج الجديدة بالتلفزيون حتى لو أن المذيع نفسه يرفضها، فوائل الإبراشي معروف بأن لديه خلافات سابقة مع الفنان محمد رمضان وانتقده بسبب أدواره الفنية وترويجه للبلطجة والعنف والخروج على القانون، ما أثار الشكوك حول تعرضه لضغوط لقبول استضافته.

ويقول هؤلاء، إن الاستراتيجية الجديدة للتلفزيون الرسمي تشير إلى أن هناك توجها للتركيز على تقديم محتوى يحقق أهدافا اقتصادية بحتة بالتركيز على استضافة شخصيات مثيرة تجلب إعلانات تغطي تكلفة إنتاج البرامج، وهو نفس الهدف من محاولات إصلاح المؤسسات الصحافية القومية، حيث يتم تخفيض الخسائر والديون ولو على حساب المحتوى.

وأشار سامي الشريف، لـ”العرب”، إلى أن المشكلة التي أصبحت عصية على الحل، استمرار الفهم الخاطئ لماهية إعلام الدولة.. وسابقا كان التلفزيون منارة للتثقيف والتنوير، وهذا مكسبه الحقيقي، أما تحول الأمر إلى قياس المكسب بناء على كعكة الإعلانات فهذه كارثة.

ولفت إلى أن تسليع الإعلام الرسمي ينتج عنه هجرة الجمهور إلى منابر أخرى خارجة عن السيطرة، وإذا أرادت الحكومة أن يكون الإعلام ظهيرا لها وحائط صدّ أمام محاولات اختراق العقول عليها وقف التعامل معه بمبدأ المكسب والخسارة، فتحول التلفزيون إلى منافس للإعلام الخاص في الربح وليس المحتوى، يقود إلى قطع خطوط الاتصال بين أجهزة الدولة والشارع.

18