الانتخابات الأسبانية: أحزاب مغمورة تقلب الخارطة السياسية

تبدأ أسبانيا مرحلة سياسية جديدة، ولكن مع برلمان أكثر تشتتا بعد ظهور حزبين جديدين على الساحة هما حزبا ثيودادانوس (يمين الوسط) القريب من أطروحات اليمين المتطرف، وبوديموس اليساري المتشدد القريب في طموحاته من حزب سيريزا اليوناني.
واللافت أن هذه الانتخابات قدمت أحدث لمحة عن مدى استعداد الناخبين الأوروبيين للتخلي عن التيارين الرئيسيين يمين الوسط ويسار الوسط على إثر المكاسب الكبيرة التي حققتها أحزاب شعبوية منذ أكتوبر الماضي في انتخابات في فرنسا والبرتغال.
وعلق المتابعون على هذه “الثورة” في المشهد السياسي بأن القوى الجديدة استطاعت في ظرف وجيز، أن تغير النمط التقليدي للحياة السياسية، وبالتالي انطوى الأمر على احتمالات مخالفة لما ألفه الأسبان من قبل عبر تداول ثنائي للسلطة، بصورة تكاد تكون آلية.
ويحذر العديد من المراقبين من أن حزب بوديموس يمكن أن يشكل تهديدا أكبر لمنطقة اليورو أكثر من سيريزا نظرا لحجم الاقتصاد الأسباني (ما يقرب من ست مرات حجم الاقتصاد اليوناني، ورابع أكبر اقتصاد داخل الاتحاد الأوروبي).
وبما أن مسألة الهجرة والمسلمين ليست ذات طابع مهم في أسبانيا قياسا بما هي عليه في عدد من الدول الأوروبية التي شهدت انتعاشة اليمين المتطرف، فإن تأثير ثيودادانوس يبقى محدودا بعض الشيء.
ولاحت بوادر التغيير مع إعلان الكثير من المرشحين استعدادهم لتعديل نظام سياسي يرونه فاسدا وعاجزا عن حل مشكلات أسبانيا الاقتصادية، فإن نتيجة الانتخابات ستبقى أكثر النتائج إثارة للجدل خلال الأربعين عاما الماضية منذ انتهاء حكم فرانشيسكو فرانكو الاستبدادي.
وينظر المراقبون إلى هذه الانتخابات على أنها نقطة مفصلية لنهاية نظام تداول السلطة وفق مبدأ الثنائية الحزبية، ويفتتح عهد لم يختبر من قبل ويحتمل أن يحكمه التقلب الناتج عن التوافقات السياسية.
لذلك فإن أقصى ما قد يبتغيه رئيس الوزراء ماريانو راخوي وحزبه الشعب المحافظ من الانتخابات هو تحقيق فوز متواضع عبر منع توجه الأصوات إلى حزب “المواطنون الليبراليون”، وهو ما أشارت إليه استطلاعات الرأي وتوقعت فوزه لكنه لن يحقق الغالبية البسيطة.
|
وهذا الأمر يشير إلى حالة جمود يتفق المحللون على أنها ستعطل على الأرجح برنامج إصلاحات اقتصادية ساعد في إخراج البلاد من الركود وحقق تقدما وإن لم يكن ملحوظا في مجال خفض معدل البطالة.
لكن الكثير من الأسبان يرون في الانتخابات فرصة لهز دعائم المؤسسة السياسية التي باتوا يعتبرونها غير فاعلة وفاسدة، رغم تميز الحملة الانتخابية من حكم راخوي بإطار جديد من الجدل السياسى الذي لم يكن محور مناقشة بالفعل بين الصراع بين اليمين واليسار وإنما الصراع بين الجديد والقديم.
ورغم اتهام راخوي بأنه رمز للفساد من قبل معارضيه، وهو ما قاله له علنا زعيم الحزب الاشتراكي بيدرو سانشيز في مناظرةٍ تلفزيونية، واصفا إياه بالسياسي غير النزيه، لا يزال “الاستقرار” شعار راخوي من أجل استكمال التعافي من الركود الاقـتصادي.
وسيمكن هذا الاستحقاق من اختيار 350 عضوا بمجلس النواب في اقتراع نسبي بالقائمة عن كل إقليم، و208 من أعضاء مجلس الشيوخ الذين سيتم انتخابهم بالاقتراع المباشر، فيما سيتم تعيين الـ51 الباقين من قبل الجهات بعد تجديد برلماناتها الجهوية.
وهكذا تتنافس 625 لائحة على مقاعد مجلس النواب في 52 دائرة، بينما يسعى 673 مرشحا للحصول على مقعد داخل قبة مجلس الشيوخ المنتهية ولايته، في 59 دائرة انتخابية، بحسب أرقام عممتها وزارة الداخلية الأسبانية.
وعليه فإن الحزب المتصدر للنتائج، يصبح أهلا لتشكيل الحكومة الجديدة، ولو لم يحصل على الأغلبية البسيطة، لكنه مجبر، بمقتضى العرف الديمقراطي المتبع، على البحث عن تكملة للأغلبية لدى الأحزاب الإقليمية، وخاصة في إقليمي كاتالونيا والباسك، كما جرب ذلك في الماضي الحزبان الكبيران المحافظ والاشتراكي.
وتنافس أربعة مرشحين وهم راخوي رئيس الحكومة الحالي عن حزب الشعب (يمين الوسط) وبيدروسانتشيث عن الاشتراكيين وآلبير ريبيرا عن حزب ثيودادانوس وبابلو أغليسياس عن حزب بوديموس، للوصول إلى رئاسة الحكومة عبر نيل ثقة 36 مليون ناخب.
جدير بالذكر أن البلاد شهدت في 2011 آخر انتخابات تشريعية، وقد جاءت سابقة لأوانها حينها بسبب الأزمة الاقتصادية التي لا تزال تعصف بالبلاد منذ سنوات، وقد انتهت بفوز حزب الشعب بزعامة راخوي بالأغلبية المطلقة.