الاعتداء الجنسي على الأطفال يكشف غياب الوعي الأسري

التحرش منبعه الحلقة المحيطة بالطفل وليس الغرباء.
الجمعة 2021/03/12
وجوب تعليم الأطفال مهارات الحماية من الاعتداءات

يؤكد خبراء التربية على أهمية دور الأسرة في التقليص من ظاهرة التحرش بالأطفال حيث لا يجب أن تقتصر مهمتها على منع تعرض الطفل للتحرش فقط، بل يجب أيضا أن تحول دون أن يكون متحرشا. ويرى خبراء علم الاجتماع أن حماية الأطفال من التحرش تتطلب تغييرا في أفكار بعض المجتمعات وخصوصا التي تفتح المجال للأطفال للاختلاط مع شبكة واسعة من الجيران واللعب مع الأقران أو دخول منازلهم دون محاذير أو توجيه.

تشهد مصر حالة من الغضب الشعبي بعد تداول مقطع مصور لشخص بالغ يستدرج طفلة لا تتجاوز ستة أعوام بهدف التحرش بها في مدخل عقار بمنطقة المعادي جنوب القاهرة، ولم تهدأ إلا بعد تحديد هوية المتهم الذي التقطته كاميرا المراقبة، فتمّ ضبطه من قبل قوات الأمن في واقعة عرفت إعلاميا بـ”متحرش المعادي”.

تعتمد وقائع التحرش بالأطفال على أسلوب متواتر يقوم على استدراج الطفل بحجة اللهو أو شراء الحلوى، ثم الاعتداء عليه في مكان معزول، وتهديده في حال إبلاغه بالأمر، ما يلقي بتساؤلات حول دور الأسرة في توعية صغارها بكيفية حماية أنفسهم.

وكشف خط نجدة الطفل بالمجلس القومي للطفولة والأمومة، المتخصص فقط في استقبال شكاوى الاعتداء على الأطفال حتى سن 18 عاما، عن تلقي 105 بلاغات تنوعت بين التحرش وهتك العرض والاغتصاب على مدار شهري يناير وفبراير الماضيين.

وتظهر الأرقام التي سجلها “خط نجدة الطفل” في عام 2020 حجم المخاطر التي يتعرض لها الصغار بعدما تلقى 764 بلاغا حول اعتداءات جنسية، و8353 بلاغا تتعلق بأطفال في خطر يتراوح بين التنمر وهتك العرض (التعرض لأحد أنواع التحرش).

لا تمل أميرة عبدالستار (صيدلانية) من تحفيظ بناتها الصغيرات باستمرار قواعد التعامل مع الغرباء، وتطالبهن بالصراخ حينما يلمسهن الذكور، وعدم الاستجابة لمن يعرض عليهم توصيلهن إلى المنزل من المدرسة أو من يدّعي معرفته بالأسرة، وتؤكد باستمرار على ضرورة عدم اقتراب بالغين منهن.

جمال فرويز: دور الأسرة أساسي في منع التحرش وتأهيل الطفل حال تعرضه له

ورغم حالة القلق التي تعيشها الصيدلانية الثلاثينية من تزايد حوادث التحرش بالصغيرات، وتقرأ الأخبار التي تتناول هذه الظاهرة بدقة ومن أكثر من مصدر، لمعرفة الأساليب المتكررة التي يتبعها المتحرشون، حتى تحذر صغيراتها اللاتي يقضين فترة ليست بالقصيرة خارج المنزل، في المدرسة ودار الحضانة الملحقة بها وفي اللعب مع أبناء الجيران، لكنها اقتصرت في توعية بناتها على الغرباء فقط.

قال الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، لـ”العرب”، إن الإشكالية في أن التحرش بالمجتمعات المغلقة يتمّ بشكل أكبر في شبكة معارف الطفل وليس من الغرباء فحسب، فالصغار بطبيعتهم يخشون التعامل مع من لا يعرفونه، والدراسات تؤكد أن 80 في المئة من الوقائع التي حدثت بمصر كانت من الأقارب والمخالطين للأسرة أو ممّن يترددون عليها كحراس العقارات والسائقين والخدم والعاملين بمحال البقالة.

لذلك يتطلب الأمر تغييرا في أفكار بعض المجتمعات الريفية المحلية التي تفتح المجال للأطفال بالاختلاط مع شبكة واسعة من الجيران واللعب مع أقرانهم أو دخول منازلهم دون محاذير أو توجيه، بعد العديد من الوقائع التي شهدتها القرى المصرية أخيرا والمتمثلة في اعتداءات جنسية على أطفال قصّر.

في الكثير من الأحيان تساعد الأسر بالخطأ على وقوع أبنائها ضحية عبر ارتداء ملابس أو قطع من الإكسسوارات تحمل أسماءهم فتجعل المتحرشين يستغلونها لادّعاء معرفتهم بالأبوين، وكذلك عدم توضيح كيفية التصرف في المواقف الصعبة، كفقدان الطريق المؤدي إلى المنزل، أو الأشخاص الذين يمكن أن يتعامل معهم حينها.

أكد جمال فرويز أن دور الأسرة أساسي في منع التحرش وتأهيل الطفل حال تعرضه له، فيجب عليها ألا تخجل من أن توضح خطورة لمس الأعضاء التناسلية أو الدخول مع أي شخص مهما كانت قرابته إلى المراحيض أو الذهاب إلى أماكن معزولة، إضافة إلى مطالبته بالصراخ حال الشعور بالخطر فالمتحرش دائما جبان.

يقول خبراء تربية إن الأمر يتطلب وضع قواعد للعب الأطفال ومراقبة المضامين التي يشاهدونها وعدم منحهم هواتف متصلة بالإنترنت إلا في سن ينضج فيها الطفل، فمهمة الأسرة ليست فقط في منع تعرض الطفل للتحرش، لكن الحيلَولة دون أن يكون متحرشا أيضا.

روت منى عبدالهادي، (معلمة ابتدائية)، واقعة في مكان عملها تظهر حجم مسؤولية الأسرة عن التسبب في التحرش وليس منعه، حينما وردت إليها شكاوى من طفل يتحرش بزميلاته ويحاول إجبارهن على خلع الملابس، فضبطته أثناء تلصصه عليهن في المراحيض، واستدعت الأسرة التي احتجّت على تعرّضه للفصل من المدرسة.

قالت المعلمة الأربعينية، إن استجواب الطفل الصغير أظهر الكارثة الأخلاقية التي تمرّ بها الأسرة بالكامل، فالأبوان لا يتخذان الاحتياطات الكاملة أثناء العلاقة الحميمية، والابن الصغير قد يتلصص عليهما، ما جعله يلاحظ أمورا لا تتناسب مع عمره العقلي، ومحاولة تقليد ما يراه مع زميلاته.

وقائع التحرش بالأطفال على أسلوب متواتر يقوم على استدراج الطفل بحجة اللهو أو شراء الحلوى، ثم الاعتداء عليه في مكان معزول، وتهديده في حال إبلاغه بالأمر

وطالب هاني هلال، أمين عام الائتلاف المصري لحقوق الطفل، بأن تتضمن المناهج الدراسية موضوعات حول التربية الجنسية للأطفال وخصوصية الجسد ومهارات الحماية من الاعتداءات، فواقعة التحرش التي أثارت الجدل في المعادي لن تكون الأخيرة، وربما يتم التعامل معها بانتفاضة ضد التحرش وإدانته وشجبه ثمّ الهدوء وبالتالي نسيانها.

تمثل القصص المصورة إحدى الوسائل الأساسية التي يمكن توصيل أفكار خصوصية الجسد للأطفال مثل مطبوعة “خط أحمر” للكاتبة اللبنانية سمر محفوظ براج التي استطاعت توصيل تلك المعاني بسلاسة تحت شعار عريض نصه “في جسمك أجزاء خاصة بك. . لا يلمسها أحد”.

وأوضح هلال، لـ”العرب”، أن تلك النوعية من القضايا تحتاج إلى تفعيل العقوبات الرادعة، فرغم أن القانون ينص عليها، لكن التوصيف الدقيق للقضية حين رفعها يحول دون تقليص عقوبة الجاني، فعندما يتم حصرها في صورة تعريض الطفل للخطر، ليس كاستغلاله جنسيا أو هتك عرضه.

ورغم اعتبار منصات التواصل الاجتماعي وسيلة لمواجهة التحرش بفضح المتورطين، فإنها تحمل أيضا تأثيرا سلبيا على أسرة المتهم حينما يتمّ وصمها بذنب لم ترتكبه، مع تعريض الطفل للعنف اللفظي وأحيانا البدني، إلى جانب استخدام هذه المنصات كوسيلة لاستدراج الضحايا من الأطفال عبر مواقع الألعاب الجماعية لتنشب صداقات افتراضية سرعان ما تتحول إلى المطالبة باللقاء للعب معا في منازل الجناة ثم تكون الكارثة، خاصة وأن النسبة الأكبر من الأطفال لا يبلغون أحدًا بتعرضهم للتحرش الجنسي،  ما يتطلب من الأسرة التدقيق  في سلوكياتهم.

21